عندما ينبطح «أسد الخارجية» وبطل موقعة «المايك»!

هو التسريب الأخطر، لقناة «مكملين»، ولأن التسريبات لم تكن حكراً على هذه القناة، فقد كانت البداية على قناة «الجزيرة مباشر مصر»، فأستطيع الجزم بأنه أخطر تسريب، حتى ساعته وتاريخه!

التسريب الأخيرة، كان لوزير خارجية الانقلاب العسكري، وهو في «حصة إملاء»، إذ كان يتلو في اتصال هاتفي مسودة وثيقة التنازل على الجزيرتين المصريتين «تيران وصنافير» على مسامع محامي نتنياهو، بينما الأخير يصوب ويصحح، ويحذف ويضيف، إذ كان بطلهم المغوار سامح شكري، في حالة انبطاح فطري وخضوع كامل، فيكتب ما يملى عليه، وقد أخبر محدثه الإسرائيلي بأن الوثيقة ستتضمن كل ما يريده!

من قبل وصف إعلاميو الانقلاب سامح شكري بـ «أسد الخارجية»، وكانت المناسبة عندما استأسد الوزير على «مايك» قناة الجزيرة، فأبعده في شموخ في اللقاءات الخاصة بسد النهضة، وتم التغطية على فشل المفاوضات بهذا الموقف العنتري، وسهرنا حتى الصباح في زفة برامج «التوك شو» وهي تشيد بالموقف الوطني والشجاع للوزير في مواجهة «المايك»!

لكن، يشاء السميع العليم، أن يكشف أسدهم، فإذا به لا أسد ولا يحزنون، عندما هبطت قيمة مصر، لدرجة أن وزير خارجيتها لا يتواصل مع وزير خارجية إسرائيل، وإنما مع مجرد محامي إسرائيلي، تبين أنه رجل المهام الصعبة في الشرق الأوسط، وكان المفترض – من حيث الشكل – أن يتم تفويض محامي مصري للمهمة، لا أن يقوم بذلك وزير خارجية المحروسة، لكن مصر انتزعت قيمتها في عهد الانقلاب، وقد شاهدنا في كل الصور التذكارية للقادة، كيف أن عبد الفتاح السيسي في المؤخرة، ولا يكاد يُرى بالعين المجردة!

إذا تجاوزنا الشكل إلى الموضوع، فنحن حيال موقف من مواقف الخيانة الوطنية، عندما يبدو «أسدهم» في هذه الوضع المزري أمام المحامي الإسرائيلي، وفي حالة انصياع تام، فيملي وثيقة التنازل عن الأراضي المصرية على طرف ثالث، بالكلمة، والنقطة، والحرف، فهل إسرائيل هى الطرف الثالث فعلا؟!

منذ البداية، أعلنت أن التنازل عن الجزيرتين، ليس للسعودية، ولكن لإسرائيل، لأن هذا التنازل هو لتحويل المضايق إلى مياه دولية، وهي التي أغلقها عبد الناصر من قبل فحاصر إسرائيل، لأن ملكية مصر للجزيرتين جعلت ما بينهما مياها مصرية خالصة، إذن لا بد من التنازل عنهما، في ظل حكم يرى أن شرعيته يستمدها من حماية أمن إسرائيل!

«عواد باع أرضه»

وقد جاءت التسريبات، كاشفة وليست منشئة لهذه «الجريمة الوطنية»، وكان هناك من أعجبتهم فكرة تقديم السيسي على أنه «عواد باع أرضه» في الفولكلور الشهير، وقديما أذاعت الإذاعة المصرية مسلسلاً عن «عواد» هذا الذي زفه الأطفال وهم يغنون: «عواد باع أرضه يا ولاد.. شوفوا طوله وعرضه يا ولاد»!

وإذ كان يوجد من أعجبهم وصف السيسي بـ»عواد»، فكنت حريصاً على أن أضع النقاط فوق الحروف، فالأمر أخطر من بيع الأرض، أن يتم التفريط فيها من أجل التوسعة على الإسرائيليين وحماية أرضهم، وهو ما أثبتته التسريبات الأخيرة!

من بين القوى الرافضة للانقلاب، من يتلبسهم عفريت «المؤامرة»، فهم يعتبرون أن كل أمر مثير أطلقه السيسي ليلفت الانتباه بعيداً، ولا نعرف ما هو الأخطر من أن يتم ضبطه متلبساً بهذه الجريمة الوطنية؟، وهناك من سمعوا بنظرية المؤامرة لأول مرة لأنهم حديثو عهد بالهم العام فيستدعونها «عمال على بطال»، ومن بين هؤلاء من يتحركوا على قواعد كيد الضرائر، وقد شاهدنا انتقاداً لاهتمام برنامج مذيع «مكملين»، الإعلامي «محمد ناصر»، بتسريب سابق، فذهبوا يقولوا: لا شيء هناك. ويوشـكوا أن يعلنـوا أن التسريب دفع به السيسي نفسه لقناة «مكملين» وقد وصفتهم في هذه الزاوية بأنهم «إخوة يوسف»، فهل أقول إنه أزعجهم أن «مكملين» هي القناة الأولى من بين القنوات الرافضة للانقلاب، وأن «ناصر» هو الإعلامي الأكثر تميزاً، والأكثر إيلاماً لسلطة للانقلاب؟!

لا بأس فتسريب «أسد الصحراء» و»فراخ اليوم»، وإن تم تقديمه عبر قناة «مكملين»، فلم يقدم له «ناصر»، وإنما قدمه المذيع بالقناة «أحمد سمير»، وكان تسريباً مزعجاً للانقلابيين، على النحو الذي دفع «لميس الحديدي» إلى أن تطالب بالبحث في عملية الاختراق لواحدة من الوزارات السيادية، فمن فيها الذي يسجل مكالمات الوزير لصالح قناة محسوبة على الإخوان من وجهة نظرها!

و«لميس» لا ترى جريمة عندما يتم الكشف بالدليل، أن التنازل عن «تيران وصنافير» هو لصالح إسرائيل، فلا ذكر لاسم السعودية في «حصة الإملاء»، فالجريمة فقط في عملية الاختراق!

لم يشغلنا السؤال حول من الذي سرب؟ ففي تقديري إن الأمور قد تكون أبسط مما نتصور، ومن عمل في الصحافة محترفاً في مصر، لابد وأن يستقر في وجدانه أن أموراً تبدو ضخمة لكنها في الحقيقة بسيطة للغاية، فهل يعد مفاجأة إذا قلت أن التسريبات الخاصة بمبارك من محبسه، قام بها ضباط على قاعدة البيع والشراء، فالبائع يهمه الثمن، والمشتري يبحث عن السبق الصحافي؟!

القانون في إجازة

أن تكون دوائر مهمة في سلطة الانقلاب مخترقة، فهذا في حد ذاته خبر، لاسيما في سلطة تفخر عبر بعض الإعلاميين الذين يمثلونها باختراق هواتف المعارضين، وتهدد بفضح علاقاتهم الخاصة، في تصرف يعاقب عليه القانون، لكن القانون في مصر في إجازة!

وقد شاهدنا كيف أن اثنين من الإعلاميين المنسوبين لدولة الانقلاب في مصر قد عرضوا بعض هذه التسجيلات، دون أن يدفع هذا سلطة الانقلاب لأن توقف هذه المهزلة، بل جرى اعتبار أن التقارير المتعلقة بحياة المعارضين الخاصة، ضمن أسرار الدولة العليا، وأن جلبها إلى خارج مبنى جهاز الأمن، كما حدث عندما تم اقتحام مقار مباحث أمن الدولة، جريمة وطنية، لأن هذه الوثائق تتعلق بالأمن القومي المصري، بدلاً من أن تكون جريمة تكفي لتقديم من كتبوا ومن تجسسوا للمحاكمة، على غرار قضية فساد جهاز المخابرات، عندما قدم عبد الناصر عدداً من العاملين في الجهاز بمن فيهم رئيسه صلاح نصر، للمحاكمة، ومن بين من قدموا الرائد صفوت الشريف، المسؤول عن جهاز السيطرة، وفي تحقيقات النيابة معه وقفنا على كيفية السيطرة على ممثلة معروفة، لإمكان استغلالها للسيطرة على القادة العرب، عندما لا يتحقق الأمن القومي للأوطان إلا بتسهيل الدعارة!

واحدة من نشطاء آخر الزمان، تفاخرت بأنه عندما وصلها التقرير الأمني الخاص بها، اتصلت بعضو في المجلس الأعلى للقوات المسلحة وسلمته التقرير، من باب الحفاظ على أمن الدولة، وهي تذكر هذا الآن لأن اسمها ورد في القضية الخاصة باقتحام المقار بعد الثورة، وهي قضية ضمن قضية أخرى هي قضية التمويل الأجنبي، التي يفتح المزاد فيها موسمياً، في برنامج أحمد موسى وقد استلمها من خالد الذكر توفيق عكاشة، وأقصد بها القضية (250)، دون أن تجرؤ السلطة على اتخاذ قرار فيها، لأن الحاصلين على التمويلات الخارجية هم محميات طبيعية لأولياء أمور السيسي في واشنطن والاتحاد الأوربي!

مؤخراً أعاد أحمد موسى في برنامجه على قناة «صدى البلد» فتح النقاش حول هذه القضية ولعدة حلقات ثم انتهى الأمر عند هذا الحد في انتظار الموسم الجديد، لتصبح قضية الموسم وكل موسم!

وهذا ليس هو الموضوع، فتسريبات «مكملين» كشفت الغطاء الوطني عن السلطة الحاكمة في مصر، التي تفرط في التراب الوطني لصالح إسرائيل!

والغريب، والحال كذلك، أن يسأل سائل عن لماذا سحبت إسرائيل سفيرها من القاهرة؟ مع أن السؤال الذي يحتاج لإجابة: هو لماذا تبقي إسرائيل على سفيرها وسفارتها في القاهرة؟!

إن سامح شكري كان يمثل عبد الفتاح السيسي في هذه المكالمة الهاتفية، تماما كما كان المحامي الإسرائيلي يمثل موكله نتنياهو!

أرض – جو

مدهش عبد المنعم سعيد، وهو يعلن في حضرة السيسي أن التسليم بوجود جهد خارق يحدث في مصر، يستدعي وجود إعلام يعبر عن هذا الجهد. دون أن يقول هذا الجهبذ ما هو الجهد، بعيداً عن الجانب المتمثل في السهر على المصالح الإسرائيلية؟!

هذا التكرار الممل لبعض البرامج على قناة «ماسبيرو زمان» هل راجع لقلة الأعمال المتوفرة؟ إن هذا يذكرنا بقضية قديمة هي الخاصة بنهب تراث التلفزيون المصري لصالح قناة تلفزيونية يملكها رجل أعمال سعودي.. لابد من التحقيق في هذه الجريمة الآن!

أبلغت الإدارة الجديدة لقناة «أون تي في»، «خالد تليمة» إستغناءها عن خدماته وقال هو إن هذا تم بدون إبداء أسباب. فاته أن مهمته قد انتهت، فهو ناشط وليس إعلامياً، وقد جلبه ساويرس لقناته ليدعي وصلاً بثورة يناير، وساويرس تم حمله على بيع القناة، والانقلاب طوى صفحة يناير، وليس أمامك إلا أن تعود إلى مهنتك القديمة.. بالمناسبة ماذا كنت تعمل قبل أن تصبح مذيعاً بقرار من ساويرس؟!

أكبر أخطاء مرحلة الحراك السياسي التي بدأت في عام 2004، أنها حولت كثيرا من النشطاء إلى صحافيين، دون تدريب حقيقي على المهنة، وبعضهم انتزع لنفسه صفة الصحافي دون ممارسة جادة لهذه المهنة.

وسوم: العدد 708