الجولة السابعة : خانات حلب..... دمار حديث لتاريخ عريق وتجارة عالمية

تتراوح نسبة السلامة  في خانات حلب بسبب الحرب الأخيرة من 90% إلى 50% ، وذلك حسب تقديري الشخصي من خلال زياراتي المتكررة لحلب القديمة في 2017 ، وتختلف نسبة السلامة هذه حسب الخان ، حيث نراها ( مثلا ) كبيرة في خان الوزير ومتوسطة في خان خايربك وقليلة في خان الصابون .

       تاريخيا :   تقع حلب على طريق الحرير وهو من أشهر الطرق التجارية في التاريخ لآلاف من السنين ، وكانت تنشأ عليه الخانات خارج المدن وداخلها في أماكن الأسواق :

العصر الزنكي    : أنشأت في حلب خانات ضخمة في ضاحية الحاضر ( التي دمرت فيما بعد ، وهي في مكان حي الكلاسة ) .

العصر الأيوبي   : استطاع ملك حلب الظاهر غازي تأسيس مملكة قوية وإقامة علاقات واسعة مع العالم الخارجي ، وبدأ تجار العالم ينجذبون لحلب ذات الحركة التجارية الكبيرة ، وقامت علاقات جديدة بين المسلمين والصليبيين على أساس المصلحة المادية وتجاهل العداء ، فكانت فترات سلم سمحت للبنادقة ( تجار مدينة البندقية ) بالتفاوض مع حكام حلب وعقد معاهدات تجارية أتاحت لهم إنشاء مستودعات لبضائعهم ، وبواسطة البنادقة فتح الباب أمام الأسواق الأوربية كافة وبالتدريج .

العصر المملوكي : بنيت خانات عظيمة ومتعددة واستمرت حلب بازدهارها تجاريا على المستوى العالمي .

العصر العثماني  : كانت حلب تضاهي استانبول نفسها في حركتها التجارية ، واستوطن خانات حلب عائلات أوربية لمئات السنين ( ماركوبولي وبوخه وغيرهم ) ، وكان لكل جالية أوربية خان خاص بها ويحوي قنصلية الدولة ، فخان البنادقة للبنادقة وخان الحبال للفرنسيين وخان ماركوبولي ( العلبية ) وخان الجمرك للإنكليز وخان سوق النحاسين للبلجيك ... الخ ، وأصبح الخان حي أوربي مستقل فيه قنصلية الدولة ووكالاتها التجارية وتجارها ومبشريها .

          وصل عدد الخانات في أوج ازدهارها إلى ( 150 ) خان منها ( 30 ) خان في أسواق المدينة المغطاة ، واستمرت حلب بأهميتها التجارية حتى أوائل القرن ( 19 ) م . 

          أشهر خانات حلب : 1) خان الجمرك : 1574 م ، 2) خان الوزير : 1682 م ، 3) خان الشونه : 1536 م ، 4): خان الصابون ،  5): خان النحاسين ،  6): خان الحرير .. الخ .... وعلى سبيل المثال فإن خان الجمرك الذي بني في عام   1574 م ويعتبر أكبر خانات حلب مساحة ( نصف هكتار ) ، تتميز واجهاته بزخارفها الغنية ونقوشها البديعة ، فيه 52 مخزنا في الطابق الأرضي و 77 غرفة في الطابق الأول  وفي باحته جامع وأكثر من سبيل ، وفيه خدمات عامة أخرى . كما  شهد هذا الخان وظائف هامة أخرى ، فقد كان فيه عام 1562 م مقر القنصلية الفرنسية ، وفي 1583 م القنصلية الإنكليزية ، وفي 1613 م القنصلية الهولندية ، وكان هؤلاء الأجانب يقيمون فيه ويسكنون ، ثم تركه الفرنسيون للإنكليز وذهبوا الى خان الحبال .

لقد كانت حلب القديمة في العصر العثماني لؤلؤة الإمبراطورية العثمانية ، وفي الثلاثين عاما التي سبقت الحرب الحالية .... صارت حلب القديمة من أكثر مناطق سوريا جذبا للسياح ....في وقت كانت فيه سوريا دولة سياحية على مستوى عالمي .

هل هذا الدور التجاري التاريخي الحافل لحلب ...والسياحي المعاصر .. .يشكل أحد الأسباب الرئيسية لدمار حلب القديمة .. وخاصة أسواقها .. اليوم ؟!.

هل حلب لم تعد على قائمة المدن التي يريدونها أن تكون اليوم عالمية في تجارتها وسياحتها ...... لأن عواصم جديدة ستأخذ هذا الدور ....عربية أو غير عربية  ؟!.

أعتقد أن الجواب على ذلك يحتاج إلى دراسات وتحليلات عميقة  . وفي كل الأحوال فإن المحصلة هي خسارة كبيرة للحضارة الإنسانية ولعشاق حلب وأهلها .

تجار حلب المعروفون تاريخيا وعالميا وكان الآخرون يتسابقون إليهم من بعيد لتزدهر تجارتهم ..... هم الآن يذهبون (قسرا) إلى الآخرين لينفقوا ما لديهم في تجارات مبعثرة هنا وهناك وغالبا ( وللأسف ) خاسرة .

والسياح الغربيون الذين كانوا يقصدون حلب القديمة لقضاء بضعة أيام فيها ومع أهلها ..يعتبرونها من الأيام الجميلة في حياتهم ، يقصدهم اليوم السوريون في بلادهم الغربية ولكن ليسوا كسياح ...بل كلاجئين ؟!...  

أخيرا ..... إن إعادة إعمار حلب القديمة وخاناتها وأسواقها  يتطلب الكثير من الفهم العميق للقيم الحضارية ( التاريخية والمعمارية والفنية والوظيفية .الخ ) حتى نستطيع أن نكون على قدر المسؤولية في أعمال الترميم وإعادة البناء . وذلك يتطلب الكثير من العلم والفن والمنطق والإبداع ..... والحب .

حلب 24 / 2 / 2017 .                 لؤي داخل / باحث في الفن الإسلامي وحضارات حلب .

صور لخان الوزير قبل الحرب وبعدها. وتظهر فيها النسبة العالية لسلامة خان الوزير من تدمير الحرب الأخيرة .

صورة جوية لمنطقة الأسواق والخانات أثناء الحرب  . مأخوذة من النت . ويظهر فيها الدمار الكبيرلحلب القديمة وخاناتها وأسواقها .

وسوم: العدد 709