فن التواصل بين الزوجين
بينما كان الرجل ممسكاً بالصحيفة يقرأ فيها ، ويختفي خلفها وجهه ، قامت الزوجة بإشعالها بعود الكبريت تعبيراً عن ضيقها بهذه التي تشغل زوجها عنها ، وتصرفه عن محادثتها . حدث هذا فعلاً ، ولا يهمنا الآن ما فعله الزوج بعد ذلك ، إنما يهمنا ما دفع الزوجة إلى إشعال الصحيفة التي أشعلت غيظها وغضبها من إهمال زوجها له . جاء في إحصائية أميركية أن ما بين 50 إلى 70 % من الزوجات يضقن بعدم تواصل أزواجهن معهن ، وإهمالهم لهن ، وعدم محادثتهن . إنهن يشعرن بالحرمان العاطفي الناتج عن صمت الزوج ، وجديته الزائدة ، وجفافه الواضح . ولعل كثيراً من الأزواج يجهلون أهمية هذا التواصل مع زوجاتهم ، ولعل بعضهم يدرك أهميته لكنه لا يتقنه ، ولعل غير هؤلاء وأولئك من يتعمد عدم التواصل تأديباً لزوجته أو عقاباً لها . قالت إحدى الزوجات إنها كادت تطلب الطلاق لأن زوجها لا يحادثها ، وذكرت أنها لا يمكن أن تنسى ليلةً اصطحبها فيها زوجها لتناول العشاء في أحد المطاعم ؛ فقد سمعته يقول في رقة لم تعهدها منه : أهلاً حبيبتي .. كيف حالك الآن ؟ وحين التفتت إليه اكتشفت أنه كان يخاطب قطة ! تضيف هذه الزوجة فتذكر أنها تألمت ألماً شديداً ، وشعرت بإحباط عظيم . بعض الأزواج يبررون صمتهم بأنه لحرصهم على عدم حدوث شجار مع زوجاتهم اللواتي لا يعرفن كيف يحاورنهم أو يطلبن منهم . الدكتورة تانن تضرب مثلا بزوجين أمضيا سهرة في بيت عائلة صديقة أو في المسرح ، وهما في غاية السعادة ، وفي طريق العودة بالسيارة تتكلم هي قليلاً ويتكلم هو فيتكهرب الجو ويصلان البيت في جو مشحون بالغضب والتوتر ، ولا أحد منهما يحاول أن يفسر ما حدث أو يفهم حقيقة ما حدث . في الطريق إلى البيت تشعر هي بالعطش مثلاً فتقول له : (( هل تحب أن تتناول فنجان شاي في المقهى القريب ؟ )) ويرد هو بكلمة .. لا . ويشعر الاثنان أن شيئاً من التوتر ساد الجو بينهما . لماذا حدث ذلك وما التفسير ؟ الواضح حسب مـا يقول علماء النفس أن الزوجة من النوع غير المباشر ، فلم تقل إنها عطشى أو متعبة أو أنها تحب لو أمضيا بعض الوقت في المقهى مثلاً ، لم تتكلم بشكل مباشر ، ولو فعلت ، لو قالت له إنها تتمنى لو تشرب فنجان شاي ، لكان رده غير ذلك .. وهو لم يفهم أنها تحدثه بطريقة غير مباشرة – أخذ الأمر كما لو أنها تسأله رأيه ولذلك كان رده مبتسراً وجافاً بعض الشيء بكلمة (( لا )) أي أنه تكلم بشكل مباشر بينما تكلمت هي بشكل غير مباشر – هذا التفاوت في أسلوب الحديث أحد أهم أسباب سوء الفهم بين الزوجين ، ويمكن أن يحدث بين الأصدقاء أيضاً أو بين الموظف ورئيسه كذلك .
لم تقل له إنها عطشى أو متعبة أو تحب أن تستريح قبل الوصول إلى البيت – لو فعلت لناسب ذلك طبيعته الميالة أكثر للمباشرة – ومثل هذا التناقض في أسلوب الكلام ، يدل على تناقض في الشخصية وفي النفسية أيضاً . غضبت وشعرت بالإهانة لجوابه وشعرت أنه لا يهتم بها ، وشعر هو أنها سخيفة وإلا لما غضبت ، ولو قالت له إنها تحب التوقف قليلاً لفهم مرادها وتوقف ، لكنها لم تقل ذلك ، فلماذا تغضب ؟ هذا الحوار الداخلي الصامت ينشب في ذهن الزوجة كما ينشب في ذهنه – والنتيجة لهذا الموقف المتباين وجود جو قابل للتفجر بين الزوجين . ولكن ، بقليل من الحكمة والتفهم يمكن للزوجين معرفة أحدهما الآخر بسهولة ، وحين نعرف السبب ، يمكن تلافي النقص ودواعي الخلاف .. ولا يعود هناك من مبرر لتعبير الزوجة أنه يهملها أو لا يهتم بها أو ليعتبر هو أنها لا تعبر عن نفسها بوضوح ولا تعرف ما تريد أو أنها تفهم الأمور كما تتصورها وليس كما هي في الحقيقة والواقع . وإذا كنت تعتقد أن الخلاف بينكما يتأثر بالعقلية أو أسلوب الكلام والطريقة في التعبير ، يمكن حينئذ أن يغير المرء من أسلوبـه وطريقته في الحديث .
ضع سؤالك أو ما تريد أن تقوله بأسلوب آخر ، بطريقة أخرى وراقب النتيجة – حاول ألا ترد بسرعة على سؤال مطروح عليك – وحاول أيضاً أن تصغي جيداَ ، كن مستمعاً جيداً ، ولو قال ذلك الزوج لزوجته حين اقترحت أن يعرج على القهوة لشرب فنجان شاي .. لو قال لها .. إن كنت تحبين هذا فحسنا نفعل ، لتجنب كثيراً من الشجار والكرب والتوتر ، ولو طرحت هي اقتراحها بطريقة أخرى ، ولجأت إلى الأسلوب المباشر وقالت إنها تشتهي فنجان شاي في هـذا الوقت من الليل ، لتقبل الاقتراح ولبى طلبها .. لكنها تكلمت بأسلوب هو لا يستوعبه وتكلم هو بأسلوب هي لا تتقبله . ولو طبقنا هذا في أوجه كثيرة من حياتنا اليومية لوجدنا أن تباين الأسلوب في التعبير هو في أساس أي توتر أو شجار أو سوء تفاهم بين أي اثنين ، أياً كانت العلاقة بينهما .
وسوم: العدد 709