وتسألني عن غدٍ..؟ معاً على الطريق
واثقاً من أمسه الذي أفل، وصار ذكرى تبتعد رويداً رويدا، ثقة قد تكون بغير مكانها، ولا زمانها فكم كان الأمس مخاتلاً، قاتلاً كاذباً أخذ معه يومنا وغدنا، وما بعد بعدهما بكثير،
أمس كان يرسم للقادم ويخطط ويعمل ونحن نصفق له غير آبهين بما وراء الكواليس، لا نرى حتى من ثقوب الغربال، لا نحسن قراءة حتى ما هو واضح الخط والخطوات، فج الوقع، كل شيء عندنا بحسن نية، قرعنا جدران الخزان، تصدعت الأيادي وهي تقرع، وملت آذان من يسمع ربما أصابها الصمم من وقع القرع، ولكن: أسمعت لو ناديت حياً.؟
أمسنا كما كل الأماسي كان مخاتلاً كاذباً في حمله للصباحات القادمة، حمل عرضي ولكن المولود جاء هجيناً، متشظياً، لعوبا، أكثر مكراً من امسه المنصرم، ونحن على فراش الزهر الأبيض وندى اللوز وقد برعم نطعم الغد القادم نوقد دفئه من جمرات الدم النقي، لا نبخل بفلذات الأكباد لعلهم يرسمون دروباً مشتهاة وفجراً عذباً، نقيا، كما لغو طفل في حضن الأم الملاك يعطيه الطهر من عالم النور وتفديه ألم يقل القروي (وكان صبح فإذا عيسى ابن مريم.....) في قصيدته حضن الأم؟
نعم، أمسنا الذي طال وصار غداً مؤلماً، وعيشاً جارحاً، نحن صنعناه نحن، تركناه يقتات على نور عيوننا ومهج قلوبنا، أمس كان فلان وفلان من السوقية بمكان، واليوم كلما رأيت أحدهم وقد طال وانتفخ حتى صار ملء حاويات القمامة المتحركة، ارى دمى عفنة تتحرك، تنهش أجساد من رحلوا، ومن بقوا، أطفالا بعمر الورد براعم اليوم وأشجار الغد تئن تحت صرخات الوجع ودموع حرّى ملء الدهر المرسوم قهراً، وعناقيد غضب على الوجوه التي صارت أخاديد ربما أعمق من مجرى الفرات ودجلة.
أراهم لصوصاً، قتلة، فجرة، ولست من يرى وحده، العيون يقظة، وفي القلب جراح فوق جراح وغصة من قهر تقول: لعلهم يرعوون، أولغوا بالدم، بالحقد تناسلوا بكل الموبقات، هم كما الفطر موجودون يتكاثرون بعضهم كشف اوراقه وأعلن وحشيته، وبعضهم الآخر مازال وراء قفازات من حرير يلبسها حين الذبح الناعم ليكون الأمر حلالاً لا غبار عليه، وفي نواعير الدم ما يقال ويقال.
وبعد: أتسألني: عن غدٍ خبأته بين الفؤاد وخفقة الكبد؟ أتسألني عن حبات رمل وتراب كنت أعددتها لموت يليق بك؟
أيها السائل: عذرك بيّن، وقع الأنين على السليم ثقيل نعم، بل ممل وقاتل ومضجر فكيف إذا كان السليم من يذبحك بسكين الخبث، وسيف يشهره ادعاء وزوراً وبهتاناً وكنت الوطن وابناءه، كنت الذبيحة كلها، واجه قدرك المرسوم من أمسك بصمت، واحبس دمعك واترك قلبك أمانة فوق ثرى تراب طهره باق باق، لا تقاوم لا، تنبس ببنت شفة، عليك أن تبقى أسير وحشك المفترس بمخالب الحرير.
أيها السائل: عن غدي أنت، أنتم، هم، هن، كلكم، كلنا، غد بعضنا بعض، فالخلاص ليس بغدي وحدي ولابرفة جفن تنام مطمئنة وجمر اللظى يتقد في عيون الجوار، دمعتك تحرقني، بسمتك تحييني، نبضك في شراييني، ونور عينيك ينير دربي، غدي غدك، غدنا، غد، وطن ما قصر من افتداه، ولكن ثمة ركام وجبال من ألم تكدست لابد من صهرهها وقفازات حرير تخفي مخالب نتنة، لابد من تمزيقها......
تسألني عن غدي: غدي لن يهضمه ويبتلعه متوحشون عابرون مهما تلونوا، وغدي دم الوطن المبحر في شراييني.
وسوم: العدد 709