حكومة إنقاذ وليست حكومة توافق

نعمان فيصل

[email protected]

يروق لي تسمية الحكومة المزمع تشكيلها عقب اتفاق المصالحة الفلسطينية الموقع بمدينة غزة في 23 نيسان/ أبريل 2014 (حكومة إنقاذ بدلاً من حكومة توافق)، الذي جرى على تسميتها السياسيون، بأنها ستحاول إنقاذ اللحظة الأخيرة من عمر الحركة الوطنية الفلسطينية قبل الوصول إلى منطقة السكون العميق، وتُسد رياح الانهيار ومزالق القلاقل السياسية عن طرفي الانقسام (فتح وحماس)، وتقدم لهما طوق إنقاذ، وتبعث فيهما الحياة من جديد، بحيث يرتدي كلاهما رداءً متجاوباً ومنسجماً مع رتابة التغيير، من نهايات الانقسام إلى إطلالات الوحدة والمصالحة، وتكون فلسطين - قلب العالم وفردوسها الأرضي، ومهد الأديان الكبرى - لها مكان صدق في قلبها. حكومة إنقاذ تنشد للفلسطينيين وضعاً خيراً من وضعهم في ظل الانقسام، ويرون فيها لوناً جديداً يُبشر لعهد مليء بالنشاط والحياة، ويضيء الطريق من جديد.

ما من شك، أن حكومة الإنقاذ ستحمل على أكتافها حملاً ثقيلاً من موروث الماضي، ما ينوء به أولو العزم من القادة على حمله في إصلاح الأوضاع، التي سادت بعد أحداث عام 2007م، وهذا يتطلب مجهوداً جباراً متواصلاً، حيث يعلق الشعب الفلسطيني على تلك الحكومة الكثير من الآمال، ويتوسمون فيها الخير أن تكون قادرة على الوفاء بكل ما يتطلبه الحكم، حيث يقتضي ذلك المسؤولية الكاملة عن الشعب بكل طبقاته واتجاهاته، ومن أقصاه إلى أدناه، وتوفير كل مستلزمات الحياة الكريمة والسهلة للمتعبين في الأرض، الذين يتصبب منهم العرق والشقاء، والتخفيف عن آلامهم، والمساهمة بقسط وافر في إصلاح الاقتصاد الفلسطيني، الذي أُصيب بما يشبه الشلل بعد تفشي ظاهرة البطالة إلى درجة فاقت كل الحدود، وهبوط مستوى المعيشة هبوطاً ملحوظاً، وازدياد الفقر إلى درجة سيئة واشتداد الغلاء.

يتطلع الفلسطينيون إلى حكومة إنقاذ تمتلك الشجاعة والقوة لحل أزماتهم المستشرية كأزمة الكهرباء، والمعابر، وفي نفس الوقت تخفف من معاناة حامل الجواز الفلسطيني الذي كان ذات يوم جواز مرور، فإذا به جواز انتظار في كل أجنحة الانتظار في العالم، والبحث عن مصير الغاز الفلسطيني المُكتشف في شواطئ فلسطين.

حكومة تتجه أنظارها إلى ترسيخ الحرية في كل صورها ومعانيها، تنمو فيها حرية الفرد، وتعلو فيها الديمقراطية، وتوطد فيها أركان الحكم الدستوري، من خلال التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع. وكذلك إلى الاهتمام بالتعليم والعناية بأمره، ومراجعة شاملة للمناهج التعليمية التي تقدم في مدارس فلسطين مراجعة تلبي حاجة الشعب الفلسطيني من صنوف التعليم. حكومة تعمل في مضمار النهوض في العلاقات المجتمعية، وإنماء الفضائل العامة والحث عليها، وإعادة أواصر النسيج الاجتماعي التي فككها الانقسام، والأخذ بيد الشعب نحو مدارج الرقي.

يقع على عاتق هذه الحكومة أن تبحث عن بداية جديدة قوامها مبدأ الباب المفتوح والشفافية، وتوجيه أنظارها إلى سياسة الزهد والتقشف، وعدم الانغماس في تنفيذ مآربها الخاصة، بأن تتخذ من الوزارة وسيلة للمال والجاه، وذريعة للمفاخرة، والسير في نشر الإصلاح المطلوب، والمبادرة إلى أداء واجبها المنوط بها تجاه بني قومها، وتقديم كل العون لانتشال المعوزين في فلسطين، ولا يكون أهل الوطن الواحد أمة إلا إذا ضاقت دائرة الفروق بين أفرادها، واتسعت دائرة المشابهات بينهم. فآن الأوان للناس أن يستريحوا من تداعيات الانقسام التي حلت بهم، وكادت أن تفتك بهم.

وفي المقابل حريٌّ من كل مواطن فلسطيني أن يتقاسم شرف الجهاد في بناء الوطن وإصلاحه، بأن يشترك كل فرد في حكومة بلاده اشتراكاً تاماً كاملاً في صنع القرار، وتحديد مركز الحاكم والمحكوم، وهذا ما نسميه بسلطة الأمة.

إنها حكومة إنقاذ بكل معانيها وأبعادها، ستنال شرف وضع الحجر الأساسي في صرح الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتلغي من ذاكرتها مرحلة كان خلالها الإنسان الفلسطيني غارقاً في وهدة البؤس، بطلُها الحقيقي الرجل الباني، الرجل العمّار، الذي يحاول أن يبني وطناً للجميع، إنَّ صاحب التوقيع في نهاية الأمر هو التاريخ.