خبر غير عاجل
د. محمود نديم نحاس
عوّدتْنا القنوات الفضائية على كتابة عبارة خبر عاجل باللون الأحمر عندما يصلها خبر في أي لحظة من اليوم، وتجد أنه لا يحتمل التأخير، فتبثه قبل نشرة الأخبار التالية، نظراً لأهميته.
الخبر العاجل ربما يستدعي تصرفاً عاجلا للتقليل من أثر ما حدث أو لمنع تكراره. فعندما تقع جريمة قتلٍ مثلاً فإن الشرطة تنشر معلومات عن المجرم من خلال بعض الشهود، وتطلب من الفنان أن يرسم صورة للمجرم من خلال وصف الشهود، وتخصص خطاً ساخناً لتلقي المكالمات من المواطنين الذين يخبرون بدورهم عمن يعتقدون أن المعلومات تنطبق عليه. كما قد تكلّف غرفة عمليات خاصة لهذا الموضوع من أجل الوصول إلى المجرم والقبض عليه.
وربما لهذه الأسباب جعلتُ مقالتي عن خبر بل أخبار غير عاجلة، لأن هذه الأخبار لم تحرّك ساكناً، ولم يتم التفاعل معها على أنها أخبار عاجلة. ومن أمثلة هذه الأخبار: قصف جوي لمدرسة جيل الحرية في ريف محافظة إدلب السورية ومقتل طفلة وعشرات الجرحى، قصف المعهد الشرعي في جوبر واستشهاد 17 طالب علم وإصابة 86 بجروح، قصف مدرسة عين جالوت في مدينة حلب واستشهاد 30 طفلا، مقتل عشرين شخصاً من أسرة واحدة ببرميل متفجر سقط فوق منزلهم في حي باب الحديد في حلب، المروحيات تلقي ببرميل متفجر على مدينة مورك بريف حماه، الأطفال في المناطق المحاصرة يأكلون حشائش الأرض، غرق مركب يحمل لاجئين سوريين فرّوا من بلدهم، موت أطفال من الجوع في مخيم اليرموك، ثلاثة ملايين ونصف المليون طفل خارج التعليم في سوريا، تقرير لمنظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة يقول بأن 9.3 مليون سوري بحاجة لإغاثة عاجلة... الخ.
هذه الأخبار لا تستدعي تخصيص غرفة عمليات خاصة، ولا تخصيص خط ساخن للإبلاغ عن مرتكبيها، ولا داعي لنشر معلومات عمن يقودها... فكل هذه المعلومات معروفة، والفاعل معروف، وعنوانه معروف، والوصول إليه ممكن... لكن... أترك الجواب للقارئ الكريم.
ويتساءل بعضهم: ما الذي أغرى الناس بالثورة؟ ولمن لم يسمع عن سبب انطلاقها، فإن قوات الأمن قتلت تحت التعذيب عدداً من أطفال مدينة درعا، ولما احتج الأهالي أجابهم المسؤول الأمني بجواب قبيح نال من كرامتهم وأعراضهم! إذ طلب منهم أن يرسلوا نساءهم إلى ضباطه ليحملوا منهم ويعوضوهم عما فقدوه من أطفالهم! فأي إسفاف في الأخلاق تربّى عليه هذا، هو ومن وضعه في منصبه؟! ومن ذا الذي يتحمل أن يسمع مثل هذا الكلام ثم لا يثور ويفضّل باطن الأرض على ظاهرها؟
اللهم إنا نسألك فَرَجاً قريباً من عندك، فقد خابت الآمال إلا فيك، وانقطع الرجاء إلا منك، وانسدّت الطرق إلا إليك، وأُغلقت الأبواب إلا بابك. اللهم إنك أخبرتنا في كتابك الكريم عن نبيك أيوب عليه السلام (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) وأنك قلت وقولك الحق (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ) وها نحن ندعوك ربنا بأن أهلنا في سوريا قد مسّهم الضر وأنت أرحم الراحمين، فاكشف ما بهم من ضرٍّ يا رب العالمين.