قراءةٌ في المشهد السوريّ في ضوء وُلُوج الثورة سَنَتَها السابعة
يَجِدُ المعنيون بأمر الثورة في سورية، أنفسَهم بحاجة إلى مراجعة تقييمية لمجرياتها، بعد مضي ست سنوات حافلة بالأحداث الجسام، ولاسيّما أنّها بذلك تودِّع مرحلتَها الأولى ( مرحلة الحشد، و التصعيد العسكري )، و تتهيّأ لاستقبال الثانية ( مرحلة الهدنة، و البحث عن الحلول السياسية )، و في هذا الصدد يمكن للمراقبين أن يقرؤا الآتي:
ـ في الوقت الذي كان يكسب فيه النظام على الصعيد الميداني، كان يفقد قراره السياسيّ، فقد تمّت مصادرته للروس، ثم الإيرانيين؛ لدرجة أنْ يمنع الرئيس الأسد من زيارة حلب لإلقاء خطاب النصر، و لا يؤخذ رأيه في محادثات السلام برعاية الثلاثي ( الروسي ـ التركي ـ الإيراني )، و يُفرض عليه بعض الأجندة في جنيف 4، و يمنع من دخول مدينة الباب لصالح اللاعب التركي، و يفرض عليه القبول بمناطق النفوذ الدولية في منبج؛ تمهيدًا لرسم الملامح القادمة لخارطة المنطقة بعد القضاء على داعش في الموصل و الرقة، و قد لا يكون آخرها تهميشه في مفاوضات الوعر لصالح الروس.
ـ بعد أن بلغت الخسائر المادية خلال سنوات الأزمة مستويات قياسية، بحسب دراسة قام بها الباحث الاقتصادي د. عمار يوسف، حيث قُدِّرت الخسائرُ التي طالت القطاعات الاقتصادية والخدمية بنحو 1170 مليار دولار، فيما أشار تقرير صادر عن الامم المتحدة إلى أنّ كلفة إعادة إعمار محافظة حلب قد تصل إلى نحو 52 مليار دولار؛ لوحظ أنّ حلفاء النظام قد أخلّوا بالتزاماتهم الماديّة نحوه، و سعَتْ كلٌّ من إيران و روسيا إلى أخذ ضمانات بنكية منه على هيئة استقطاعات في مجال النفط و الغاز، و مجال العقارات، و الأراضي الزراعية، و الموانئ الساحلية.
الأمر الذي ألجأه إلى التخلي عن المحافظة على سعر صرف الليرة، و السماح للقطاع الخاص باستيراد حاجته من المشتقات البترولية مباشرة، و هو الأمر الذي كان من المحرمات، و قيامه بالطلب من التجار الحلبيين النازحين إلى المناطق الساحلية تمويل التنظيمات المسلحة، على حساب أهلهم و ذويهم في مدينتهم المنكوبة.
ـ في الوقت الذي ضاقت فيه المساحة على التيارات المحلية و الوطنية، لصالح الوافدة و الشوفينية؛ فإنّها قد أخذت تشهد انفضاضًا واضحًا عنها؛ حيث بدأت الحواضن المجتمعية تدرك أنّ ثورتها قد أصبحت رهينة مشاريع طارئة، كمشروع الجهادية العالميّة، و المشاريع الاستئصالية الشوفينيّة، التي لا تتباين كثيرًا عن المشروع الذي ثارت عليه، و بذلك فإنّ هذه المشاريع قد أخذ بريقُها في الأفول، و هو ما سينعكس على المشروع الإسلامي من جهة الفصائل، و على حلُم المنطقة الكردية من جهة تفرّعات حزب العمال.
ـ في الوقت الذي أخذت فيه بعض الفئات تظهر تململاً من الحالة، التي تعيشها في المناطق الخارجة عن النظام؛ فإنّ مسلك النظام قد خيّب أملها في إشاعة الطمأنينة، و بسط الأمن، و توفير الخدمات، و الشروع في إزالة مخلفات الحرب؛ و هو ما كان لسكان عدد من المناطق التي أعاد السيطرة عليها، كداريا، و مناطق حوض بردى، و حلب؛ و ريف حلب الشرقي، أو الشمالي، حيث فاجأهم بحملات التعفيش، و السوق للخدمة الاحتياطية، و ترك المناطق لقدرها في مجالات إعادة التأهيل و التخديم.
الأمرُ الذي ولّد لدى هذه الشرائح حالة من اليأس و القنوط و التذمّر، لا تقلّ حدتها عن الحالة التي ولَّدها هو نفسُه لديهم حينما كانوا في ظلّ معارضيه.
ـ لوحظ أنّ وتيرة النقد للثورة تتزايد لدى شريحة من السوريين، كلّما تغيّرت الخارطة الميدانية لصالح النظام، فأصبح مناصروها يبذلون جهودًا مضاعفة، من جهة الاستمرار فيها في مواجهة حلف فولاذيّ صلب داعم للنظام، و من جهة أخرى لتعزيز الثقة لدى حواضنهم الاجتماعية بعدالة قضيتهم، التي خرجوا من أجلها في سنة 2011م.
ـ أخذت المعطيات تنبئ أنّ إدارة ترامب، لا تتفق في تبنّي وجهة نظر حلفاء الأسد، في كونه جزءًا من الحل، على غرار ما كانت ترى إدارة أوباما؛ و لذلك أخذت إدارة بوتين تسارع في فرض حلول سياسية اعتمادًا على المتغيرات الميدانية التي تحدثها يومًا بعد يوم، و يبدو أنّ ذلك غير مجدٍ كثيرًا، فلا الأسد سيكون جزءًا من الحل، و لا التغييرات الميدانية سيكون مسلَّما بها وفق رؤية ترامب، الذي بدأت تتكشف شيئًا فشيئًا مواقف إدارته حيال الأزمة السورية، و رؤيتها للحل في هذا البلد الذي يدخل الصراع فيه عامه السابع، و في تصريح لافت اعتبر فيه المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر، عقب زيارة ولي ولي العهد السعودي إلى واشنطن، أنه لا مجال للقبول بـالأسد في المرحلة الانتقالية.
و قد التقطت فصائل المعارضة مثل هذه الإشارات، عقب مجيء ترامب؛ فكان حضورها و أداؤها مغايرًا في لقاءات ( جنيف 4، و أستانة 3 ) عن سابقاتها.
ـ ليس مهمًّا لكثير من الحواضن المجتمعيّة، ما تسعى إليه بعض الفصائل، من الوقوف بوجه مساعي التهدئة أو الحلول التفاوضية التي تخوضها فصائل أخرى بدعم إقليميّ، و رعاية دولية؛ و ذلك لأنّها باتت في وضع لا يُمكِّنها كثيرًا من الرفع من سقف مطالبها، و لاسيّما أنّها ترى أنّ الأطراف الأخرى المنخرطة في هذا الملف، باتت هي الأخرى في حالة من الانهاك لا تسعفها كثيرًا، و هي تريد سريعًا تلمّس مخارج الطوارئ فيه.
وسوم: العدد 712