الشاعر الكبير...عمر أبو ريشة
يرى بعض الباحثين أن الشاعر نفسه أكّد أنه وُلِدَ في العام 1911 في عكا بفلسطين.عندما كانت والدته في زيارة لاهلها هناك... في حين يرى آخرون أنه وُلِدَ سنة 1910 في منبج، وهي المدينة التي أنجبت البحتري، وأبي فراس الحمداني.
«هو عمر بن شافع بن الشيخ مصطفى أبو ريشة. وقد كان شافع من أبناء الأمراء في عشيرة الموالي، وهم أصحاب مجد مؤثل وبأس شديد، انحدروا من آل حيّار بن مهنا بن عيسى من سلالة فضل بن أبي ربيعة من طيء، ونبت فيهم الشعر من قديم. وكان لهذه العشيرة قوة في عهد العثمانيين إذ حكمت أطراف المعرّة إلى حماة، وأرسل العثمانيون شافعاً إلى الآستانه لتلقي العلوم فيها، ولما حصَّل شيئاً منها، عاد إلى بلده وعمل موظفاً في الإدارة، ثم ترقّى إلى قائمقام في منبج».
«كما ينقل بعض الصحفيين على لسان عمر أن أجداده، أمراء الموالي ورؤساء قبائل الطوفان والعابد والمهنا، قد قدموا من الحجاز، فأسر السلطان رشاد أحدهم، الذي هو أحمد كبير قبيلة الموالي، لتمرده على الوجود العثماني في شبه الجزيرة العربية، حيث توجد قلعة أبو ريشة. نقل العثمانيون رهينتهم أحمد إلى مدينة استانبول، وعلى ضفاف البوسفور اكتسب جد الشاعر احترام السلطان وتقديره، فتحول الغضب إلى رضا، وانقلبت النقمة مودة، جعلت الحاكم يأمر بأن يوضع على عمامة أسيره ريشة محلاّة بكريم الجوهر، فأصبحوا يُدعَون بأبي ريشة».
والده كما ذكرنا هو شافع بن الشيخ مصطفى أبو ريشة، وُلِدَ في القرعون على ما يروي عمر. وعلى الرغم أنه أصبح قائمقام في منبج والخليل، فإنه أمضى سنين طويلة منفياً أو دائم الترحال، وبعد عودته من المنفى أقام في حلب، حيث عمل في الزراعة، ثم هجر الزراعة، وقبل منصب قائمقام طرابلس. وكان شافع شاعراً مجيداً، فقد كتب عدة قصائد في رثاء شوقي وحافظ وعمر المختار.
اما والدته هي خيرة الله بنت ابراهيم علي نور الدين اليشرطي، وهي فتاة فلسطينية من (عكا)، أما أبوها فقد كان شيخ الطريقة الشاذلية <<«طريقة صوفية....
و كانت تروي الشعر وبخاصة الشعر الصوفي. وقد عرف عمر التصوف منها، وكذلك أخذ عنها نظرته إلى الدين والحياة والحب، وكذلك مفهومه للتصوف، وكلفه بالجمال، وصداقته للموت».
« ألحقه والده بعد عودته من المنفى بمدرسة النموذج الابتدائية في حلب. كما يذكر سامي الدهان أن عمر التحق بالجامعة الأميركية في بيروت سنة 1924 لكي يتم دراسته الثانوية، وكان عمر التلميذ يُعْرَفُ بالخطيب والشاعر والمؤلف المسرحي قبل أن يبلغ الثامنة عشرة من عمره. كما أدرك أبو ريشة الشعراء الثلاثة الذين أنجبتهم الجامعة الأميركية، وهم "إبراهيم طوقان"، و"حافظ جميل"، و"وجيه البارودي" عن طريق الندوات التي كان يجتمع فيها إليهم أو عن طريق إدراكه لآثارهم أو بقايا شعرهم الغزلي المشترك». سافر إلى إنكلترا سنة 1929 ليدرس كيمياء الأصباغ والنسيج في مانشستر، لكنه على ما يبدو انصرف إلى الشعر يقرأ عيون الشعر الإنكليزي، وعلى الخصوص شعر شكسبير، شلي، كيتس، ميلتون، تنيسون، براونينغ، بو، غراي. كما أنه درس بودلير بوصفه شاعره المفضل..
كما يذكر الباحثون أن الشاعر أتقن اللغة الإنكليزية وأنه نظم بهذه اللغة مجموعة شعرية بعنوان «الجوّاب التائه» وقيل أنها طُبِعَت ثلاث مرات في إنكلترا.
«تغلب الشاعر في عمر على الصناعي فيه، فانقلب إلى دراسة الأدب الإنكليزي، ولا يُعْرَفُ كم من ذلك الأدب استوعبه عمر في إقامته القصيرة في بريطانيا التي غادرها دون إكمال دراسته، وعاد من بريطانيا في ربيع عام 1932 لقضاء العطلة الصيفية في حلب حيث مكث هناك منصرفاً إلى الشعر وحده دون أن تنازعه (الكيمياء الصباغية) أو سواها من تعدد اختصاصات حاول دراستها هناك». وتسلَّم إدارة «دار الكتب الوطنية» بحلب التي أثرى مقتنياتها وشجَّعَ فئات المثقفين في دعمها.
قصة انضمامه للسلك الدبلوماسي
..............................................
«كان الزعيم حسني الزعيم، والأستاذان الصقّال والكوراني – والثلاثة من حلب – على إعجاب كبير بالشاعر عمر أبي ريشة، الذي كان يومئذٍ مديراً لدار الكتب الوطنية في الشهباء. وكانت الحكومة في حاجة إلى سفراء ووزراء مفوَّضين، فاقترح الأستاذ فتح الله الصقال أن يعيِّن الأستاذ أبو ريشة سفيراً لنا في البرازيل، فاعترض حسن جبارة، وقال: إن تعيينه مخالف للقانون، لأنه لا يحمل شهادة جامعية تخوّله هذا الحق، وتتيح له تسلم هذه السفارة. وعندئذ تصدّى له الأستاذ الصقال قائلاً: ولكن عمر أكبر من الشهادات».
«تزوج عمر في التاسع من أيلول سنة 1939 من منيرة بنت محمد مراد، وكانت قد عاشت مع أسرتها في الأرجنتين، وكان والدها من كبار رجال الأعمال، ثم عادت إلى وطنها الأم لبنان مع والدتها وإخوتها بعد وفاة والدها، واستقرت في بيروت.
رافقت عمر إلى البلاد التي مثّل فيها سورية سفيراً زهاء ربع قرن. وكانت مثال السيدة النابهة في المجتمعات والأندية الثقافية. وأنجبت له ثلاثة أولاد هم رفيف وشافع وريف».
خلال إقامته في بريطانيا، أُتِيحَ له مجال التعمق في دراسة الشعر الإنكليزي بصورة خاصة والشعر العالمي بصورة عامة».
كما ان تجربته الدبلوماسية التي جعلته على احتكاك بعدد من الأمم والشعوب، هيأت له مناخاً ليطّلع على لغات جديدة، ويذكر البعض أنه كان يتقن ست لغات أو أكثر، وأنه كان يرفض قراءة الشعر مترجَماً، فيصرّ على قراءته بلغته، وبالتالي مكَّنَته هذه اللغات الكثيرة التي أتقنها أن يطَّلِع على إنتاج أدبي وافر ومتنوع.
وعن تجربته في احتكاكه بالأمم والشعوب وأثرها في ثقافة الشاعر من جهة وشعره من جهة أخرى، «كيف كانت الحكومات البريطانية في الهند تقفل معابد كاجوراو في وجه العامة، بدعوى فحش منحوتاتها وانحطاط تماثيلها، إلى أن استطاع سفيرنا أبو ريشة في الهند إقناع السيد جواهر لال نهرو، رئيس مجلس الوزراء هناك، بفتحها أمام جماهير الفنانين والمتفرجين، وكيف تمت بعد ذلك تسمية إحدى القاعات فيها باسم عمر أبي ريشة اعترافاً بفضله» .
تسلسل وظائفه
1) عُيِّنَ عمر بعد عودته من إنكلترا مديراً لدار الكتب الوطنية في حلب، وبقي في هذه الوظيفة حتى سنة 1949، حين التحق بالسلك الدبلوماسي.
2) عُيِّنَ سنة 1949 ممثلاً لسورية في البرازيل.
3) عُيِّنَ سنة 1950 سفيراً لسورية في البرازيل (وزيراً مفوضاً في البرازيل).
4) عُيِّنَ سنة 1952 سفيراً لسورية في الأرجنتين.
5) عُيِّنَ سنة 1954 سفيراً لسورية في الهند.
6) عُيِّنَ سنة 1959 سفيراً للجمهورية العربية المتحدة في النمسا.
7) عُيِّنَ سنة 1961 سفيراً لسورية في الولايات المتحدة الأميركية.
8) عُيِّنَ سنة 1964 سفيراً لسورية في الهند.
9) أحيل سنة 1971 على التقاعد، فعاد إلى لبنان ليجعل بيروت مقراً له، ولكن تفاقم الأحداث فيها حال دون ذلك، فسكن فترة في دمشق، ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية.
مناصبه الفخرية وأوسمته
1) عُيِّنَ عضواً مراسلاً لمجمع اللغة العربية في دمشق سنة 1948.
2) عُيِّنَ عضواً في الأكاديمية البرازيلية للآداب.
3) منحته الأرجنتين الوشاح الأكبر.
4) عُيِّنَ عضواً للمجمع الهندي للثقافة العالمية، شغل فيه كرسي الأدب.
5) أعطته النمسا وشاح الثقافة.
6) منحته الجامعة العالمية بالتعاون مع الطاولة المستديرة لجامعة الآداب في العالم في توكسون أريزونا دكتوراه الثقافة العالمية في الآداب عام 1981.
7) وسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الأولى من الرئيس اللبناني الياس الهراوي.
في يوم السبت 14 تموز 1990 رحل الشاعر الكبير عمر أبو ريشة إلى الدار الأبدية، وكان قد أُصِيبَ بجلطة دماغية، لزم الفراش على أثرها لمدة سبعة أشهر في مستشفى الملك فيصل في الرياض.
بعد الوفاة، نُقِلَ جثمانه بطائرة خاصة من الرياض إلى حلب حيث تم دفنه. وأُقِيمَت له مآتم التأبين في حلب ودمشق وبعقلين في لبنان «وكان عمر شغل الناس في حياته ومماته. إنه شاعر ألمعي بارز، قيمته محفوظة بين شعراء العصر الكبار، رحمه الله، وأجزل مثوبته».
وسوم: العدد 716