هَلْ أتاكَ حديثُ "خان شيخون" ؟
قس بن ساعدة
هي ليستْ باريس ليأتيها المُعزّون "من كل حدبٍ ينسلون"! وليستْ لندن التي يوم اشتكتْ تداعى لها مجلس الأمن بالحمّى والسّهر! وليستْ بروكسل التي يوم كُلمتْ هرع الكوكب بأسره يداوي جروحها، ويُطيّب خاطرها! وليستْ مدريد التي يوم ثُكلتْ بمترو أنفاقها جاؤوها "رِجالاً من كلّ فجٍّ عميق" يبكونها ! إنّها خان شيخون فقط! مكان ما في إدلب، حقنوا رئات أطفالها بغاز السّارين، وانتهى الأمر، وما من شيءٍ يستدعي هذا العالم أن يستنفر! ما الجديد الذي حصل؟ لا شيء! مات مئات الأطفال اختناقاً، كما مات مئات الأطفال من قبل قطعاً متناثرة، وكما سيموت مئات الأطفال مستقبلاً بطريقةٍ نذلة ما! في نهاية المطاف هم مجرّد أطفالٍ سوريين لا بواكي لهم!
ليسوا حيتاناً مُنتحرة ليناقشوا قضيّتهم بجدّيةٍ على هامش قمّة دافوس! وليسوا فقماتٍ مهددات بالانقراض بفعل الاحتباس الحراري ليوقّع العالم اتفاقية الحدّ من انبعاث الغازات الدّفيئة لأجلهنّ! وليسوا دببة باندا كالتي تعدم الصين من يقتل أحدها! إنّهم مجرّد أطفالٍ سوريين أرخص من أن يكون لهم شيءٌ كهذا! المشهد صار عادياً لكثرة ما تكرر! من قبل قُتل مئات الأطفال بأمرٍ جاء من قُمْ في يوم القدس العالمي! واليوم يُقتل مئات الأطفال بطائرة اسمها "قدس ١"! كلّ من أراد أن يرتكب جريمةً وينجو بفعلته لبسَ عباءة القدس! الغريب أنّ القدس لم تدخل بعد موسوعة غينيس للأرقام القياسيّة كأكبر قضيّة تمت المتاجرة بها، وكأنبل قضيّة ادّعاها أنذال! في هذه المجزرة الجديدة، كما في المجزرة القديمة، كما في المجزرة القادمة، لا شيء سوى التّصريحات، وعظّم الله أجرنا في بان كي مون إذ ليس موجوداً ليقلق!
نتنياهو في تلّ أبيب يُندد ويشجب ويستنكر هذا الإجرام! هكذا هي القحباء دوماً، تنتظر فرصةً لتحاضر في العفّة! ولا غرابة أن تتعفف القحباء، وإنما الغرابة أن تتعهر صحيفة الشروق التونسيّة، وتبارك لنظام الأسد هذا الصّيد السّمين في خان شيخون! لا أعرف لماذا يستميتُ بعضنا ليكونوا يهوداً أكثر من اليهود! روسيا تُصرّح أنه من غير المقبول استخدام الأسلحة الكيماوية! "من غير المقبول" هذه جملة يخجل أحدنا أن يقولها لابنه إذا رمى ورقةً في الطريق، إذ يحسبها قليلة ولا تتناسب مع فداحة الفعل الذي هو رمي ورقة! تستخدمها دولة تملك حقّ النّقض الفيتو لتمنع إدانة الفعل الذي تقول أنه غير مقبول! ترمب أوّل الأمر حمّل إدارة أوباما المسؤولية! كان ما زال يعتقد أنه يخوض حملته الانتخابيّة ضد هيلاري كلينتون! ونسي أنّ أوباما متفرغ لكتابة أفعاله المشينة على هيئة مذكرات بعدما وقّع عقداً ضخماً مع دار نشر ليبيعها إياه!
وفي فجر يوم الجمعة كانت الضربة الأمريكية، الذي حدث قبل ذلك يمكن لي أن أتخيله! ثمة من يعرف من أن تُؤكل الكتف في البيض الأبيض، جاءه وقال له: سيادة الرّئيس هذه فرصة سانحة يجب استغلالها! ونظراً لمستوى ذكاء ترمب، أتوقع أنه سأله: ماذا تقصد؟ وكيف نستغلها؟! فقال له: ما زالت قضية تدخل روسيا في الانتخابات التي فزت بها مفتوحة على مكاتب وكالة الاستخبارات! مرةً أخرى يسأله ترمب: ما علاقة هذا بذاك؟ فيجيبه: روسيا تحمي الأسد، فلنضربه، وهكذا نُظهر لهم أننا نمشي في طريق غير طريق موسكو! اتخذ ترمب قرار الضربة، نفذتها البوارج فجر الجمعة، خرجنا من صلاة الظهر، لنعرف أن الطائرات الروسية وطائرات النظام أغارتا مجدداً على إدلب! كانت روسيا تعرف أن الباعث على الضربة الأمريكية، لم يكن دم السوريين المسفوك، لهذا قصفت مجدداً دون تردد! وكان بوتين يقول لترمب على طريقة زين العابدين: فهمتكم، فهمتكم!
أنجيلا ميريكل تستنكر قتل الأطفال بالأسلحة المحرّمة دولياً! فعلاً هذا النظام لا يخجل، يقتل أطفالاً بأسلحة محرّمة! يا أخي اقتلوهم بأسلحة محللة فنحن في أشهر حُرم! هذا العالم مجنون، ينسى الجريمة، ويناقش أداتها! وسيم يوسف كان فيما مضى يُغرّد في تويتر تأييداً لثورة سورياً! أما بعد حصوله على الجنسيّة بسنة، وبعد المجزرة بيوم، يطلب منا ألا نُحمّل ولاة الأمر مسؤولية ما حدث! حسناً يا سيّد وسيم، لن نفعل! ولكن ما دام من خصائص وليّ الأمر أن يكون مخصيّاً، وعاجزاً، فلماذا تُحدّثنا في التلفاز عمّا فعله المعتصم؟ أم أن نصرة المظلومين " دقّة قديمة"؟ وليته سكتَ واكتفى!
خرج علينا في اليوم التالي ليقول: أشباه الرّجال استغلّوا ما حدث للإدانة والاستنكار! أيها الدّاعية: إنّ موسى عليه السّلام لما عصاه بنو إسرائيل قال: " ربّ إني لا أملكُ إلا نفسي وأخي" ونحن نقول: ربنا إننا لا نملكُ إلا جوّالاتنا وأكاونتاتنا! أشباه الرّجال يا وسيم هم من يملكون الأموال والطائرات والدّبابات، ويُقتل الأطفال على مرأى منهم ومسمع ولا يُحرّكون ساكناً! ولكن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي تحفظه عن ظهر قلب: " مما أدرك النّاس من كلام النّبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت!
وسوم: العدد 718