العَالَمُ الأفْضَلُ

اتصل هاتفياً قائلاً:سمعتك البارحة في مجلس سمو الأمير خالد الفيصل تقول:نريد العالم الأفضل وليس الأول..فما هو الفرق بين الأول والأفضل ..؟ فقلت:

العالم الأول:هو ما تعارف عليه الناس أنه في مقدمة الدول والعوالم البشرية تقدماً وارتقاءً..والعالم الأفضل من وجهة نظري:هو عالم أكثر وأشمل وأكمل تقدماً وارتقاءً..فقال:إذا الفرق بينهما في نسبة التقدم والارتقاء..قلت:لا ليس الفارق في درجة التقدم..ولكن الفارق في شمولية وكمال وتكامل حالة التقدم في العالم الأفضل..الأمر الذي يفتقر إليه العالم الأول اليوم..قال:ماذا تقصد..؟قلت:عبارة العالم الأول تُطلق اليوم على العالم المتقدم ماديَّاً وإداريَّاً...فالغرب على سبيل المثال هو من العوالم الأولى المتقدمة ماديَّاً وإداريَّاً..وهذه تسمية يستحقها وحقيقة واقعة لا ينكرها إلا جاحدٌ..ولا يماري فيها ويبخس أشياءها إلا جاهلٌ أو حاقدٌ..ولكن هل التقدم المادي والإداري كاف لتلبية متطلبات كرامة الإنسان وقدسية حياته وحريته وأمنه وسلامة البيئة من حوله..؟بكل تأكيد لا فهذا الأمر بفهمي واعتقادي لا يتحقق إلا مع توفر نوع آخر من التقدم يتكامل ويتلازم مع التقدم المادي والإداري..ألا وهو تقدم القيم والأخلاق والسلوكيات والأداء..فالتقدم من وجهة نظري نوعان:

1.    تقدم مادي. وتقدم أخلاقي.

وكلٌ من هذين التقدمين بمفرده ومع غياب الآخر لا يستطيع النهوض بمسؤوليات مقاصد استخلاف الإنسان في الأرض لعمارتها وإقامة الحياة الكريمة في ربوعها..فهما معاً وبتكاملهما وتلازمهما يستطيعان ويفلحان في إنجاز شمول مقاصد وأهداف منهج الاستخلاف الآمن الراشد في الأرض..وأنَّ قيام مثل هذا التكامل والتلازم بين التقدم المادي والأخلاقي-بفهمي-هو ما يحقق ما أسميه (العالم الأفضل).فالغرب - للأسف - وغيره من العوالم المتقدمة لا يزال يزهد بل ويتجاهل أهمية الاعتناء بالتقدم الأخلاقي والسلوكي ليكونا على نفس المستوى من الاهتمام والعناية بالتقدم المادي والإداري..وهذا ما يخدش ويقلل من درجة تقدمه وارتقائه..ويجعله دون المستوى المطلوب من التقدم الشامل والكامل أي من (التقدم الأفضل). والمسلمون يوم أن كان نهجهم الحضاري يقوم على التكامل والتلازم بين التقدم الأخلاقي والتقدم المادي..يومها أفلحوا في إشادة حضارة راشدة عادلة آمنة يشهد بخيرها وفضلها القاصي والداني بل والعدو والصديق..ويوم أن اختلت موازين التكامل في نهج سيرنا الحضاري تخلفنا وانهارت حضارتنا..والتاريخ والقرآن الكريم يحدثنا عن حضارات سادت في الأرض ثم انهارت واندثرت بسبب غياب التكامل بين أدائها المادي وأدائها الأخلاقي كما في قوله تعالى:"أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ"ولمزيد من التفصيل أقترح قراءة كتابي(الحضارةُ وإشكاليةُ المصطلحِ والأداءِ).

والذي يقرأ بتمعن كتاب صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل (من الكعبة وإليها ..بناء الإنسان وتنمية المكان) وكذلك ما جاء في إصداره الرائع (إن لم ..فمن ..؟) تتجلى له بيسر أهمية التكامل والتلازم بين التقدم الأخلاقي والتقدم المادي في مسيرة حركة بناء الأمم ونهضتها..ومن جهة أخرى فإن المتأمل في مسيرة الإمام المؤسس الملك عبد العزيز- رحمه الله تعالى- ويستحضر عبارته المشهورة (ونفعل فوق ما فعلوا) يلمس بيسر ووضوح التزامه - طيب الله ثراه- منهجية التكامل والتلازم بين القيم الروحية والأخلاقية وبين القيم المادية وأسبابها في بناء وتجديد صروح أعظم وأصدق أنموذج متكامل لدولة الإسلام في التاريخ المعاصر..ولنتأمل قول حفيده الأشم المبدع خالد الفيصل وهو يصور ذلك ويجسده برائعته"مرحوم يا شيخ بنى للمجد دولة ودين).أجل فإن العزة والمجد والأفضل للشعوب والأمم يكون مع التكامل والتلازم بين التقدم الأخلاقي والتقدم والمادي في ميادين الحياة.

أجل إنَّنا نريد التقدم الأفضل لنا ولشعوب الأرض