ميلاد المجلس الإسلامي السوري
المستقبل والتركة الثقيلة
د. عامر البوسلامة
ولد المجلس الإسلامي السوري، بعد مخاض شديد، وتعب وسهر، وبورك في الرجال الذين خططوا لهذا، وعملوا على إطلاقه، ولو بشطر كلمة، أو نصف ليرة .
هذا المجلس، الذي تكون من مجموعات كبيرة، من الروابط والهيئات، الإسلامية العلمية، والشخصيات المشهود لها بالعلم، والمعروفة بخبرتها الطويلة، في الدعوة والتربية.
وكانت النتيجة، أن اجتمع مائة وثمانية وعشرون، من هؤلاء الأفاضل، ليختاروا واحداً وعشرين منهم ( مجلس أمناء) برئاسة الشيخ أسامة بن عبد الكريم الرفاعي.
وتأتي أهمية هذا المجلس، من الحاجة الماسة، إلى من يقود الناس، في عالم الفتوى، والمرجعية العلمية، بالدرجة الأولى، في وقت، نحن أشد ما نكون حاجة،، لمثل هذا الأمر، حيث تتلاطم أمواج الفتن، ما ظهر منها، وما بطن، في بلدنا الحبيب سورية.
كما أنه يبلور دور العلماء وأثرهم ( العلماء ورثة الأنبياء) لكن هذه المرة، بروح جماعية، وفريق متعاضد، ومجموعة متعاونة ( يد الله مع الجماعة) وهذا فقه يجب أن يعود إلى صفوف الأمة، فهو فريضة شرعية، وحاجة واقعية، والعلماء هم القدوة في هذا، بعيداً عن التحزب الضيق، والانكفاء على البرامج الخاصة، والتفرغ لها.
فالفرقة مشكلة، والوحدة سبيل من سبل الوصول إلى النصر، والله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً، كأنهم بنيان مرصوص، تحقيقاً لجسدية الأمة، بكل مظاهر، ما يعبر عن هذه الحقيقة.
علماً أنه لا تعارض بين العام والخاص، لو أدركنا طبيعة المرحلة، ولوازم المطلوب، فيعمل بالخاص فيما تناوله، وبالعام في الباقي، وبهذا تتوازن المعادلة، فلا قلق ، ولا تعطيل، ولا خوف أن يبلع أحد أحداً.
وإنشاء هذا المجلس الأمل، يضع هؤلاء الأفاضل أمام مسؤوليات ضخام، في هذا الظرف الحرج، الذي يمر به بلدنا الحبيب سورية.
وعلينا أن نعلم، أننا أمام تركة ثقيلة، تملي واجباً من نوع متميز، من حيث التصور، ومن حيث التعاطي، ومن حيث الأداء ( والحكم على الشيء، فرع عن تصوره) كما هو معلوم ومعروف.
تركة خلفها هذا النظام المجرم، الذي أهلك الحرث والنسل، ومارس الفساد المنظم، خلال ما يقارب نصف قرن، ومن صور التخريب التي فعلها هذا النظام العصابة، في مجال ما نتحدث عنه، أن عمل على تجهيل الناس بدينهم، كما أنه عمل على محاربة العلماء الغيورين وتغييبهم، والدعاة المخلصين وإبعادهم، ليخلو له الجو، فيربي على عينه مجموعة ممن لبسوا العمائم وليسوا لها أهلاً، واتخذوا من صور الأشياء، سلماً ليصلوا عن طريقه، لأغراضهم الدنيئة، وأحلامهم القزمة، فيضلوا الناس، بالترويج لأجندة هذا النظام وخططاته.
وتركة خلفتها مرحلة الثورة، وظهرت قضايا، وأفرزت نواتج، وتكونت نتوءات خطيرة، ونسجت خيوط فتنة، وكشفت عورات، كلها تحتاج إلى جهد العلماء، ونشاط المخلصين، الذين سيكون لهم – بعون الله – أكبر الأثر، في وضع الأمور في نصابها الصحيح، وتتوازن المعادلة، عوداً على الأصل الذي تربى عليه شعبنا، عبر قرون مديدة.
ففي هذه البلاد كان كثير من الصحابة، وجمع عظيم من التابعين وتابعيهم، من العلماء الربانيين، هنا كان ابن كثير، وظهر النووي، وبرز ابن تيمية وابن القيم، والذهبي والمزي، وابن قدامة والمقادسة، وابن عابدين والقاسمي، والألباني وحبنكة، والطباخ والأرناؤوط، والحامد والحصري، والبيانوني والرفاعي، وحوى والبيطار، والشقفة وخياطة، وحسين الرمضان والجنيد، وغيرهم من العلماء الكبار سلفاً وخلفاً.
الناس بحاجة إلى من يوجه ويربي ويرشد ويفتي، من خلال رؤية وسطية معتدلة، بعيداً عن الإفراط والتفريط.
على الأرض نعاني من التشرذم، فلا بد للمجلس أن يقوم بدوره في هذا الشأن، فيسد الخلل، ويرمم جوانب القصور.
إصلاح ذات البين، من خلال مبادرات جادة وعملية، واجب أول ما يلقي بكلكله على العلماء، فهم أقدر الناس على هذا.
دفع الأمة من جديد، لتعليق الجرس مرة أخرى، في مناصرة الشعب السوري، ومساندة قضيته العادلة ( والله في عون العبد، مادام العبد في عون أخيه) من خلال لجان الطواف على البلدان، ولقاء الحكومات والمنظات والشعوب، وتحفيزهم للمناصرة والمساندة والدعم، فالعلماء أقدر الناس، على توجيه الأمة وحثها على القيام بهذا الواجب، خصوصاً مع هذا الخذلان العالمي لهذا الشعب الذي يباد على أيدي هؤلاء الطائفيين المجرمين.
وللأمانة، فان الأمة بذلت الكثير، وقدمت ما تشكر عليه. ( ومن لا يشكر الناس، لا يشكر الله) وننتظر منهم المزيد، نظراً لفداحة الكارثة، وكبر المصاب، وضخامة المشروع.
بث روح الأمل، ومحاربة اليأس والقنوط، هذا المرض العضال، الذي بدأ يدب بين فئة قليلة من الناس، من سوريين وغيرهم، والتبشير بالنصر، ورفع المعنويات، في مواجهة التحديات، من الأمور اللازمات، والأمر من شعبه، الصبر على المحنة، والثبات في سوح الوغى، ولا بديل عن المضي في هذا الطريق، حتى يأذن الله بالنصر، وهو قادم بإذنه تعالى، وإنما النصر صبر ساعة.
وحتى يقوم المجلس بواجباته، على القائمين عليه، أن يهتموا بالأعضاء، ويفعلوا دورهم، حتى يشعروا عملياً أنهم جزء عامل في هذا الكيان، ومن آفات التشكيلات، ظهور خلل عدم إشراك سائر الأفراد بالدور الذي ينبغي أن يناط بهم، وهنا يشعروا بالتهميش، وتبدأ الشكاية، التي ربما تتضخم لتكون مشكلة، لا سمح الله، والسعيد من اتعظ بغيره، وأفاد من تجارب من سبقه.
وربما تكون صناعة هيكلة شاملة لهذا المجلس، هي الحل في هذا الموضوع، من خلال بناء منظومة المكاتب المتخصصة، واللجان الفاعلة، والمجموعات التي تستوعب العمل بكل تكويناته، وما أكثر الأعمال، والقدرات البشرية محدودة، فالعلة تكمن في عدم القدرة على توظيف الطاقات الموجودة، وتشغيلها مكمن النجاح، ومفصل العطاء.
وفي الأخير،، لا بد من همسة أخوية، في أذن الأحبة الذين لهم مؤخذات على طريقة تشكيل المجلس، يا إخوة !! دعونا نترك هذا المولود الجديد، يقف على أقدامه، ونتعاون على أن يمضي في طريقه اللاحب، فالتنازل عن بعض حقي، في الصالح العالم، سيكون ذخراً عظيماً من الأجر، يوم لقاء الله.
وهذا لا يعني، عدم النصح، ووقف الترشيد، بل بالعكس هذا مطلوب في هذه الفترة، فرعاية المولود، هي الطريق الأمثل لبقائه بصحة وعافية، ولكن دون أن نضع العصي في العجل.