فقه الخيانة"2" (استنطاق صراعات التاريخ الإسلامي)
مع الوقت صارت سقيفة بني ساعدة كابوسا مرعبا خيم بظلاله على المسلمين جيلا بعد جيل ويستبطن كل خزين الفرس من الضغينة والحقد على المسلمين الذين أسقطوا إمبراطورية فارس في معركة القادسية، وثأرا منها استطاعت فارس زرع هذا الشعور بالغبن لدى الشيعة العرب، من خلال اظهار حب آل البيت والمبالغة في ذلك الحب والولاء حد الهوس الخارج كل قيود العقل الراجح، فزايدوا في مكانتهم على الأنبياء والرسل وأعطوا أئمتهم "المعصومين" مكانة ومعجزات لا يجاريهم فيها أحد من الأنبياء والرسل عليهم السلام بمن فيهم الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فسالت دماء غزيرة منذ ذلك اليوم وما تزال، وما زال السؤال الذي يتجدد بأكثر من صيغة "من أحق بالخلافة أبو بكر أم علي؟ ويطرح بصيغة أخرى هل تجوز تولية المفضول على الأفضل؟"، وبالمقابل كانت تخلق حافزا لدى الطرف الآخر للدفاع عن عقيدتهم التي تمثل جوهر قيم الإسلام وعن رموزه وعن النفس في وجه حملات الإبادة التي تعرّض لها كل من لا يقر بالبراءة من صحابة الرسول الكريم أو لا يقر بالولاية، وخاصة بعد وصول الصفويين إلى الحكم في بلاد فارس مطلع القرن الثامن عشر الميلادي وما ارتكبوه من فظائع وجرائم إبادة من أجل فرض التشيّع بالقوة الغاشمة وليس بالإقناع.
على هذه الخلفية يتم بناء شخصية الفرد الشيعي لتكون منقادة لكل ما يطرح من مفاهيم وأفكار والانصياع لمراجع التقليد والمعممين الصغار الذين لا تزيد معلوماتهم عن معلومات تلميذ في الصف الثاني الابتدائي على أحسن الفرضيات، من دون نقاش بل حتى من دون تفكير، ويمكن القول بأن الشيعي ينشأ على فكرة واحدة نتيجة الضخ اليومي في المنزل والشارع ثم في الحسينية لتصبح قانونا مقدسا له طيلة حياته وهي مخالفة الأحكام الشرعية المبنية على المنطق السوي والعقل السليم وما أمر به الإسلام من التدبر والتفكير، على الرغم من أن التشيّع وفي مصادر التشريع يجعل من العقل بديلا عن القياس، إذ ثبت في معظم الأحكام والفتاوى التي يصدرها مراجع الشيعة الحاليون بأن مصادرهم "أي ما ينسبونه" للإمام المعصوم وخاصة جعفر بن محمد الصادق الذي نسبوا إليه وإلى ولده موسى الكاظم" أنهما على سبيل المثال أمراهم باستفتاء مراجع السنة في أية قضية تعن لهم ثم مخالفته، هذا في جانب العبادات، أما ما يتعلق بموقف الشيعة من السلطة الحاكمة على مر التاريخ فقد تميّز بأنه خط عداء متصل وما يزال في أي بلد سني، واعتبروا ذلك دليلا على سلامة موقف الشيعة في تجسيد قيم التشيّع والولاء لآل البيت، لكن هذا في حقيقة الأمر يخفي ولاءً محسوما لإيران على مر التاريخ منذ أن اختارت التشيع دينا رسميا لها، بما في ذلك نظام الشاه الذي لم يكن نظاما دينيا بأي قدر، وأذكر في حقبة الستينيات من القرن الماضي أنني اطلعت على النظام الداخلي لحركة أو حزب شيعي أو جمعية ربما مرتبطة بمحسن الحكيم المرجع الأعلى للشيعة في ذلك الوقت، وفيه هذا السؤال "هل للشيعة نظام حكم يمثلهم ويعبر عنهم؟ ومعه جوابه بلا مواربة... نعم هو إيران"، هذا يدل بشكل قاطع على أن الأحزاب الشيعية تنظر إلى إيران على أنها مصدر إلهام لها وبوصلة لتوجهاتها الفكرية ومواقفها السياسية.
إن الارتباط بدولة الدين أو المذهب في العالم حالة لم تعد قائمة في وقتنا الراهن، ولو أن أتباع كل ديانة أو مذهب جعلوا من مركز دينهم أو مذهبهم قبلة لغير الأغراض التعبدية وحولوه إلى مركز للولاء السياسي مع كل ما يتبعه من ولاءات، لكان أتباع السيد المسيح عليه السلام قد تعلقت أهدابهم ببيت لحم في فلسطين ولما تقاتلوا فيما بينهم قرونا طويلة لأسباب مذهبية ولما تعرضت فلسطين لكل خطط أوربا المسيحة لاحتلالها، ولوجدنا أن البوذية تستدعي ولاء جميع الشعوب التي تدين بها إلى تايلاند حيث مركز انطلاق بوذا ونشر ديانته التي يتبعها ملايين الآسيويين، على هذا يمكن الجزم بأن مهندسي التشيّع الأوائل الذين اتخذوا من قم مقرا لهم، صمموا ركائز دينهم على قواعد لم يعتمدها أي دين أو مذهب في العالم لا قبلهم ولا بعدهم ليربط بين تصديق ما جاء فيه من معتقدات وبين الولاء الثابت لمركزه في إيران مع أنهم يزعمون بأن مقدساتهم في النجف وكربلاء، لكن إيران ظلت الدولة التي تمثل التشيع بصرف النظر عن توجهات الحاكم فيها، سواء كان حاكما دنيويا يسعى للتحديث كما هو شأن شاه إيران محمد رضا بهلوي، أو حاكما يحكم باسم الدين والمذهب كما هو حال دولة الولي الفقيه، وهذا ما عرفناه خلال العقود الماضية معاينة، أو ما عرفناه من كتب التاريخ، إذ إن بلاد فارس كانت موطنا لكل البدع والحركات الشعوبية والباطنية والأفكار الهدامة التي أشغلت الدولة العربية الإسلامية زمنا وجهدا بمعالجتها، ولم يكتف الفرس الصفويون بإحداث شرخ في الإسلام بل راحوا يتآمرون عليه مع أوربا المسيحية.
وهكذا وظفت إيران قضية الارتباط بها عن طريق تحويل دولة الولي الفقيه إلى عقيدة دينية ثبتت مفاهيم الولاء له في دستورها ومن خلال الشعارات التي رفعها الخميني منذ الأيام الأولى لوصوله إلى السلطة بشأن فكرة تصدير الثورة، وهذه أفكار يفخر بها الشيعي ويجاهر بذلك وليس موقفا يجلب العار والمسؤولية الجنائية أو ما يقع تحت طائلة التجسس والخيانة العظمى أو ارتباطا يجلب الخزي لصاحبه، ولهذا لم يكن من العسير أن تجد إيران آلافا مؤلفة من العملاء والوكلاء ممن يجندون أنفسهم وإمكاناتهم وأموالهم في خدمة مشروعها السياسي التوسعي ويسارعون لوضع أنفسهم رهن إشارتها لتنفيذ كل ما توكله لهم من مهمات، ومن هنا نجد تفسيرا لقدرة إيران على الانتشار في كثير من الساحات العربية والإسلامية والتي تبدأ عادة بمجموعة صغيرة من الشيعة المقيمين لأسباب مشروعة وغير مشروعة أو من الشيعة المحليين أو من الذين تنجح في تشييعهم بالإغراء المالي في مجتمعات فقيرة ومسحوقة تعاني من الفقر المدقع وعدم توفر فرص والتعليم أو الخدمات الصحية أو فرص العمل، فتنهال عليها كل هذه العناوين دفعة واحدة مع الانتفاع مما يحفل به قاموس الصهيونية من جنس مشاع ولكن هنا باسم زواج المتعة الذي لم يحللوا زناه فقط بل اختلقوا له أحاديث منسوبة لأئمتهم عن فضله وفضل من يمارسه من ذكور وإناث، ومع الوقت تتحول هذه التجمعات الصغيرة إلى كتلة سكانية تبدأ تشعر بالثقة بالنفس وتطرح مطالبها المتصاعدة مع الوقت ومع ما تستشعره من ثقة بنفسها.
من المعروف أن الشيعة يتبعون المذهب الجعفري الإمامي الاثني عشري، ولهم مراجع ملزمون بطاعتهم وتنفيذ أوامرهم ونواهيهم بطاعة عمياء ومن لا يفعل ذلك فقد أخرج نفسه من المذهب بل ويتم تكفيرهم، ثم إن إيران تتمتع بمزية وحدة القيادة المتمثلة بالولي الفقيه ولها رأي واحد ملزم لكل الأتباع وهنا يتم الدمج بين ما هو ديني وما هو سياسي فيصبح من العسير على الشيعي البسيط التمييز بين ما هو ديني وما دنيوي، أما السنة فهم رؤوس لا يختلف صغيرهم عن كبيرهم ولا عالمهم عن جاهلهم، وتتقاذفهم زعامات متصارعة ومتآمرة على بعضها البعض ولا تلزمهم مذاهبهم بمبدأ التقليد ولا تفرض عليهم طريقا للتفكير أو حصر عقولهم في خانة ضيقة محصورة في رجل دين مهما علا شأنه وربما لا يحفظ من القرآن الكريم أكثر من سورة قصيرة أو عدد من الآيات المنتقاة بدقة ليوظفها مع الأتباع الذين يطالبهم بطاعته والسير خلفه، بل هم مشغولون بتكفير بعضهم بعضا على نحو يستدرج لاحقا تصفيات بين منظماتهم المتطرفة وبعضها أو بينها وبين من لا يأخذ باجتهادها وتفسيراتها، ولهذا فإن كل الدماء التي سفكت من جانب المتطرفين الإسلاميين السنة طالتهم أنفسهم وأشغلتهم عن معارك أشرف من التقاتل مع بعضهم، أو حتى في مواجهة أعدائهم المعروفين بصرف النظر عن العناوين التي يقفون تحتها، ومما يؤسف له أن هذه المعارك لم تتوقف عند نطاق المنظمات المتطرفة بل دخلت على خطها دول بكل ثقلها.
علينا هنا تأشير حقيقة راسخة أن اليهودية تحرّم قتل اليهودي لليهودي، كما حض الإسلام على ذلك بالنسبة للمسلم وغير المسلم، ولكن لننظر مدى التزام المسلمين السنة بهذا الحكم الشرعي الذي ورد في أكثر من سورة في القرآن الكريم.
يؤشر المراقبون أن التشيّع سار بقوة على طريق اليهودية واستنسخ تقاليدها بما في ذلك جلد الذات وكذلك ألزم أتباعه بعدم سفك دمائهم حتى في حالة التصادم في الآراء بين الفرق والمجاميع المختلفة، فهل هناك من استطاع تأشير صراع ديني صرف بين حزب الله اللبناني على سبيل المثال وبقية المنظمات والأحزاب الشيعية المختلفة في لبنان باستثناء ما وقع بينه وبين أمل لأسباب لا صلة لها باختلافات فقهية؟ وما وقع في مدن جنوب العراق ذات الأغلبية الشيعية منذ 2003 وحتى الآن، حيث تتواجد عشائر وأحزاب عديدة لم يسجل صراع عقائدي بينها أبدا، صحيح أنها تدخل في نزاعات مسلحة مع بعضها ولكنها لا تمت إلى الاختلاف أو التباينات العقائدية داخل المذهب الشيعي الاثني عشري بل صراعات على الثروة والأرض والمراعي والماء كأي نزاعات تنشب بين العشائر الأخرى التي يطلقها صراع النفوذ والسيطرة على الشارع السياسي.
استمات "شيعة فارس" بالقول بأن التشيّع نشأ في حياة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وراحوا يخترعون القصص والخرافات عن ولاء عدد من الصحابة لعلي مثل سلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر وغيرهم، وحصل أنهم عندما وصل فكرهم إلى طريق مسدود بشأن الادعاء بأن أئمتهم هم 12 إماما بنص حديث للرسول المصطفى صلى الله وسلم، استنساخا لما هو موجود عند بني إسرائيل عن الأسباط الاثني عشر سبطا أو في المسيحية عن الاثني عشر حواريّا، وصل "شيعة فارس" إلى المأزق عندما مات الحسن العسكري ابن علي الهادي الذي صار إماما بعد ممات الأخير ولم يعرف عنه أنه ترك ذرية فاخترعوا ولادة طفل له وأطلقوا عليه اسم محمد، ووضعوا عنه قصصا لا تصح في عالم القادة المصلحين التاريخيين الذين يتحلون بالشجاعة والقدرة على تحمل الصعوبات والملمات ومواجهة الأعداء، كل ذلك من أجل المضي بهذه الفكرة اخترعوا حكايتي الغيبتين الصغرى والكبرى، الصغرى التي استمرت في حياة قضاها في عزلة عن الناس وخصص له أربعة سفراء كانوا وسيلة الاتصال بينه وبين جمهوره، وهم ، وعلى الرغم من أن أطروحة الغيبة لا تليق بالقادة الكبار دينيا أو سياسيا فكيف يكون مصلحا وهو يحتمي وراء جدار من الوهم، ولو أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد اختار إيصال دعوته عن طريق سفراء، ما كان للدعوة الإسلامية أن تكون على النحو الذي نعيشه اليوم، ومع ذلك فإن "شيعة فارس" أدخلوا على فكرة المهدي الكثير من الخرافات والأساطير كي تكتمل الحلقات النظرية على الأقل لفكرة الإمامة المكونة من 12 إماما.
وقد قاد خطة تسويق فكرة المهدي الغائب مجموعة من غلاة الفرس بدأت على يد أبي يعقوب الكليني المولود في الري "طهران" سنة 255هـ والذي يوصف بأنه حجة الإسلام وثقته، في تزامن مع وفاة الحسن العسكري الذي يطلق عليه الشيعة لقب الإمام الحادي عشر، وهنا تفتق ذهن كبار رجال الدين ليجدوا حلا للمزاعم أن الإمامة أمر منصوص عليه في أحاديث النبي الكريم، لهذا لفقوا مولودا مزعوما لحسن العسكري الذي لم ينجب أصلا، فأطلقوا على كائنهم المزعوم اسم "محمد" ثم ليكنى بعد ذلك بأبي عبد الله، ووجدوا في هذا الحل مخرجا من مأزق الوضع والافتراء على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكي يرتبوا لمراجعهم موردا ماليا ثابتا من الخمس والزكاة والصدقات والنذور، وذلك بالزعم أن الإمام الثاني عشر عندما دخل الغيبة الصغرى كان قد اعتمد لنفسه سفراء أربعة هم والسفير عثمان بن سعيد بن عمرو العَمري الأسدي، المُكنَّى بأبي عَمْرو السمّـان العسكري والثاني هو محمد بن عثمان بن سعيد العَمْري الأسدي المُكنَّى بأبي جعفر العسكري والثالث هو الحسين بن روح النوبختي، ويُكنَّى بأبي القاسم ويُلقَّب بالبغدادي أما السفير الرابع فهو علي بن محمد السَّمَري المُكنَّى بأبي الحسن، والمُلقب بالبغدادي وهو آخر السفراء الأربعة تولَّى السفارة لدى بعد وفاة السفير الثالث الحسين بن روح النوبختي أي سنة 326 هجرية حتى وفاته سنة 329، وهؤلاء السفراء اتخذهم المهدي وكلاء له ليوصلوا توجيهاته إلى أتباعه، وبعد أن استكمل رجال الدين الشيعة إيجاد أجوبة ظنوها مستكملة لأنصارهم وخصومهم على حد سواء، أعلنوا أن المهدي قد دخل الغيبة الكبرى التي ما زالت مستمرة طالما كانت ليظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا وهذه الأطروحة، تتماهى مع الأطروحات التي وردت في اليهودية والمسيحية، صحيح أن النبي الكريم تحدث عن المهدي المنتظر إلا أنه لم يشر إلى أنه حي يرزق بل سيولد آخر الزمان، ولكن تبقى الأطروحة الشيعية عن المهدي مثيرة للشفقة، إذ لا يستطيع أحد أن يفسر كيف يختفي مصلح عن المجتمع خشية من ظلم الحكام فكيف يستطيع الآن مواجهة القوى الدولية التي تتحكم بالسياسة الدولية وتمتلك كل أدوات الدمار المتاحة إذا كان عاجزا عن مواجهة خلفاء بني العباس وهم في مرحلة انهيار مجدهم وقوتهم؟ وهل هناك نبي أو إمام أو مصلح في التاريخ كله اعتزل المجتمع بسبب الخوف من الطغاة؟ كل قصص التاريخ تحدثنا أن القادة العظام هم الذين واجهوا الظلم بمقاومته بصورة مباشرة وليس بالتخفي المستمر إلى الأبد، أين كان المهدي عندما استباح المغول والتتار بغداد وبلاد المسلمين وقتل منهم الملايين، هل هو خائف إلى هذا الحد؟ فكيف يستطيع خائف إلى هذه الدرجة قيادة العالم وهو عاجز عن نصرة مدينة مسلمة صغيرة في بورما أو في فلسطين؟
واللافت أن شكل التشيّع وجوهره شهدا تطورات نوعية فكلما جاء إمام جديد أضاف حلقة أخرى لنظرية التشيّع عبر أحاديث منسوبة للرسول الكريم فكلما ظهرت حاجة لحل ما من أجل أن يكتمل مذهب الاثني عشرية يصار إلى اختراع حديث ثم تتم نسبته إلى أحد أئمتهم، ولا نستغرب أن اللاحق منهم يذكر أحاديث مع إضافة واحدة "عن آبائه عليهم السلام" مع دهشه لسبب عدم ورود هذه الأحاديث على لسان الآباء، بعبارة أخرى التشيّع تبلورت صورته بعشرات من رموزه، فقد وضع الكليني كتابه أصول الكافي والذي قيل إنه عرضه على إمامهم الغائب عن طريق أحد سفرائه، فوصفه المهدي بأنه كاف لشيعتي، أي أنه وضع حدا فاصلا بين الإسلام وشيعته طبعا هذا ما جاء في أساطير الشيعة، ثم بدأت كتب فقهاء الشيعة تترى لتضخ ما في جوفها من أحقاد وترهات وخرافات وأساطير، لتصبح مع الوقت أهم أصل من أصول الدين ربما يتقدم على التوحيد والنبوة.
وتعاقبت أسماء وكان كل واحد يضيف إلى "الأئمة المعصومين" كرامات ومعجزات لم تتحقق إلا لموسى بن عمران وعيسى بن مريم عليهما السلام، ومن يرغب الاطلاع على أفلام الصور المتحركة المثيرة للتسلية والسخرية في آن واحد ما عليه إلا العودة إلا مئات الأحاديث الخرافية التي يدلي بها معممون سود وبيض يتكلمون العربية والفارسية.
وهناك من الأسماء التي يفاخر بها الشيعة على مر الأزمان "أذكرها من دون سياق زمني" الحسن النوبختي، وهناك ابن بابويه القمي الملقب بالشيخ الصدوق، وشيخ الطائفة الشيخ الطوسي.
وبنى هؤلاء أسس التشيّع على فكرة "الفادي المخلص" التي استنسخوها عن المسيحية لدخول الشيعي الجنة من غير حساب، بحيث جعلوا ذلك مشروطا بذرف دمعة واحدة على الحسين أو الذهاب لزيارته مشيا على الأقدام ولو كانت ذنوبه كزبد البحر، مع شروط تفصيلية أخرى تتعلق بمراجع التقليد وحتمية تأدية ما يمليه عليه تقليده من واجبات وخاصة تأدية الخمس والزكاة وسائر الأموال الشرعية، وأن يرجع إليه الشيعي في الصغيرة والكبيرة وهذا لا صلة له بالإسلام والقواعد جاءت في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، فقد جاء في سورة الزلزلة "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "يا فاطمة بنت رسول الله اعملي لله خيراً فإني لا أغني عنك من الله شيئاً يوم القيامة"، ونرى أن مراجع التقليد يحرصون إبقاء أتباعهم في قاع المعرفة لا سيما بحقائق الدين، لأن تطور الوعي يعني أن الشيعي قد يخرج عن دائرة الطاعة العمياء.
ولما كان أكثر من 98% من المراجع الشيعة هم من الفرس الإيرانيين، فقد كان طبيعيا أن ينساق الشيعي للتعلق بإيران على حساب الولاء للوطن، وقد قالها أكثر واحد من قادة المليشيات الشيعية في العراق بكلمات صريحة قاطعة إنه إذا نشب نزاع مسلح بين العراق وإيران فإنه سيقاتل إلى جانب إيران لأن هذا حكم شرعي ويمثل التزاما بالوقوف إلى جانب الحق الذي تمثله دولة الإمام، وهذا ليس من قبيل التصريحات الصحفية بل هو واقع حصل على الأرض خلال حرب الثمانينيات من القرن الماضي عندما قاتل آلاف من الشيعة العراقيين مع إيران التزاما بالتشيع وأوامر مراجعهم الإيرانيين على حساب الولاء للوطن.
هذه هي قوة إيران الحقيقية في التمدد في الوطن العربي وتسعى لتعزيز وجودها عن طريق بعثاتها الدبلوماسية وتقديم العون للطلبة المعوزين بمن فيهم غير المتفوقين الذين لا يصلحون للدخول للجامعة في بلدانهم للدراسة في إيران وهي دراسة ذات صبغة علمية في ظاهرها ولكنها سرعان ما تتحول بعد وصول الطالب إلى إغراءات وضغوط نفسية ومالية وجنسية واحتمال بتوريطه في قضايا مخدرات وما شابه من أجل دراسة الفقه الجعفري في الحوزات العلمية مع ما يرافق ذلك من عروض بزواج المتعة وتزيين الأمر وكأنه عبادة لها مكانة دينية تفوق ما للزواج الشرعي، ومع الوقت وبعد أن يجد الطالب نفسه مطوقا بأجواء "إيمانية غارقة في الفساد المقدس" ومع الوضع المالي الجديد أو الموعود له ولأسرته، يتحول مذهبيا نحو تشيع فيه تطرف يحاول إثبات الولاء للدين الجديد بالتنكر لكل المعتقدات التي كان يحملها في الماضي والدخول في معارك كلامية مع بيئته السابقة، وعند عودة هؤلاء الطلبة إلى بلدانهم يبدأون بتحرك منسق مع الجهة الإيرانية، على أفراد أسرهم وأصدقائهم، فتتكون الخلية الأولى للتشيع في بلدانهم، ثم تبدأ الخطوات اللاحقة المتمثلة بإقامة منتديات ثقافية وتتوفر لها كل الكتب والمراجع والمصادر التي تطرح شعارات براقة عن النظام الإيراني والموقف الثوري من القضية الفلسطينية وتجعل ذلك جزءً من الأجواء التي يعيشها الشيعي الجديد لإشعاره بالقوة والتحدي اللذين يستند إليهما في مواجهة الرفض الشعبي لوجودهم، ثم تبدأ المعتقدات بالتسلل إلى سيل جارف عبر التدفق الإعلامي والمالي السخي الإيراني على غير ما نعرفه عن طبيعة إيران، حتى يصار إلى تحويل المشروع إلى مشروع إعلامي عن طريق الحصول على امتياز صحفي أو أكثر وصولا إلى إطلاق فضائية، ثم تنطلق حملات لحقوق الإنسان لتوفير حق العبادة للشيعة في بيئتهم الجديدة للعمل تحت مظلة من الحماية الدولية وبعد ذلك تتحول الأقلية الضئيلة وكأنها ثقل سكاني قد يتحول إلى حزب سياسي ومن بعدها إلى مليشيا تنازع الدولة في سيادتها، ولهذا فالحل يكمن في التصدي للمشروع الإيراني قبل أن يتسلل إلى بيئتنا كم تتسلل الصراصر من بين مجاري الصرف الصحي.
د.نزار السامرائي
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 727