آش خصّك يا عريان ؟قال المهرجان أمولاي
لله در الذاكرة الشعبية المغربية التي تزخر بالحكم ، وهي ذاكرة تسعف حين يجد الناس أنفسهم أمام مواقف تقتضي الحكم . ومما ترويه هذه الذاكرة الحكيمة عبارة مشهورة هي : " آش خصك يا عريان ؟ قال الخواتم أمولاي " وهذا مثل يضرب لمن يكون في حاجة ماسة إلى ضروريات ،فيفضل عليها الكماليات لسفه نفسه . ويصلح هذا المثل عندما يتعلق الأمر بمختلف المهرجانات التي تقام في بلادنا ، وتصرف عليها أموال الشعب الطائلة يكون في أمس الحاجة إليها ، ذلك أن شرائح عريضة من المجتمع ضاقت بها سبل العيش ، فمنهم من يعترض السابلة ويستجديهم ويريق ماء وجهه من أجل الحصول على درهم وما دون الدرهم ليشتري به طعاما يسد به جوع بطنه ، وهو طعام يخلط بالذل والهوان ، ومنهم من يصارع الموت وقد تسلط عليه الداء العضال ينخر جسمه ، والموت يتهدده كل لحظة ، وهو في أمس الحاجة إلى جرعة دواء يكون ثمنها أحيانا فوق ما يتصوره الخيال ، أو في أمس الحاجة إلى عملية جراحية دون توفير مقابلها خرط القتاد ،علما بأن التطبيب في وطننا صار في حكم المستحيل ، وصار الموت أرحم منه بالفقراء والمساكين ، وكان من المفروض أن يكون التطبيب حق كل مواطن بل هو الحق الذي لا يجب أن يسقط أبدا إذا ما سقطت كل الحقوق ، ذلك لأنه ليس بعد فقدان هذا الحق سوى الموت . وتوجد نماذج بشرية أخرى تعاني من الحرمان مما يسمى عندنا قبر الحياة وهو السكن ، وهو أيضا حق كل مواطن وليس من المنطقي أن يحسب المواطن على هذا الوطن وليس له موضع يدفن فيه ثعبان واقفا كما يقال في حين يملك غيره مساحات شاسعة يمكن أن يقبر فيها جميع من لا قبور لهم في هذه الحياة ، وتعاني هذه الشرائح من ذل الكراء مع حلول كل شهر حيث تطرق عليها أبواب القبور التي تكتريها لتحصيل مبالغ الكراء، وهو أداء تصاحبه الغصص والحسرة والألم . وتوجد شرائح أخرى لا تجد ما تنفقه على دراسة أبنائها ، فتضطر لتسليمهم للجهل والأمية والتشغيل والخدمة في سن الطفولة الناعمة عوض حصولهم على حق الجلوس على مقاعد الدراسة ، وقد ينتهي بهم المطاف إلى الانحراف والدعارة والجريمة، فيزج بهم في السجون ليحرموا مرة أخرى من الحق في الحرية التي ضاعت منهم بسبب ضياع الحق في العيش الذي يصون الكرامة ،فحاولوا عبثا استرداده عن طريق الانحراف ظنا منهم أنه وسيلة النجاة من الذل والهوان .وتوجد شرائح اشتعلت رؤوسها شيبا ،ونال منها الهرم والشيب والعلل ، وتقطعت بها الأسباب ، وتخلى عنها الأهل والأقارب ، وانتهى بها المطاف إلى عراء الشوارع أو إلى دور المتخلى عنهم من العجزة ، ولم يصن حقهم في العيش الكريم وهم في خريف العمر ضعفا وشيبة . وتوجد شرائح أخرى من الطفولة البريئة انتهى بها المطاف إلى دور الأيتام حيث لا دفء أمومة أو أبوة ، أو دفء أهل وقرابة ، وهضم حقها في العيش الكريم . وتوجد شرائح كادحة ليل نهار تجري وراء لقمة العيش وهي تعاني من المطاردة اليومية لأن لقمتها إنما توجد في الفضاءات الممنوعة ، وقد حرمت هي الأخرى من حقها في العيش الكريم . وتوجد شرائح أخرى في مقتبل العمر وريعان الشباب تعاني ذل وهوان البطالة وبعضهم يحمل شهادات عليا لم تركوا إدارة ولا شركة إلا وطرقوا أبوابها الموصدة في وجوههم طلبا للشغل ، وإذا ما حصل وتجمهروا أمام أبواب المسؤولين لإيصال أصواتهم لمن يهمهم الأمر، نالت من أجسادهم العصي وأهينت كرامتهم ، وكان الأجدر أن يتمتعوا بالحق في الشغل لتحقيق أحلامهم قبل أن يمضي العمر وهم في انتظار الذي لا يأتي ، والبعض الآخر لا شواهد لهم وهم يعيرون بالكسل والجهل والأمية ويهانون ، ولا يجدون من الشغل وهو عزيز أصلا إلا ما يكون فيه هدرالكرامة المهدورة أصلا ثمنا له ، وكان الأجدر أن يرفق بهم حتى لا تجتمع عليهم البطالة والجهل والأمية والفقر . وهناك شرائح أخرى الله تعالى وحده يعلم سرها لأنهم لا يسألون الناس إلحافا ويحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ،وكان الأجدر أن تصان كرامتهم التي يحرصون على صيانتها بالتعفف . وبعد استعراض أحوال هذه الشرائح البائسة نسأل الذين يجتهدون في تنظيم المهرجانات هل سألتم هذه الشرائح ما الذي تريده ، ففضلوا مهرجاناتكم على ما هم في أمس الحاجة إليه من ضروريات تصون كرامتهم التي أهدرت ، وهم كغيرهم مواطنون، واختاروا موقف العريان السفيه الذي فضل الخواتم على لباس يستر عورته ؟وهل فاضت خزائن الوطن ولم تجدوا بابا لصرفها سوى مهرجاناتكم ؟ وهل الأموال التي تصرف على المهرجانات هي في حكم السائبة توزع على المطربين والمطربات والراقصين والراقصات والمهرجين والمهرجات ؟ وهل يستحق منتوج مهرجاناتكم العابثة تلك الأموال التي لا تصرف حتى على البحث العلمي الذي به يتحقق رقي الأمم ؟ وإذا حق للأمم الراقية أن تنظم مهرجانات وقد صانت كرامة مواطنيها، وضمنت لهم الضروريات قبل الكماليات، فعليكم أن تخجلوا من أنفسكم وأنتم تنظمون مهرجاناتكم على حساب كرامة شرائح عريضة من مواطنيكم لم تضمنوا لهم الضروريات ، وصرتم تسخرون منهم بتنظيم المهرجانات.
وسوم: العدد 729