درس من الحياة
ثمانون عاماً، وعاماً، عشتها بطولها وعرضها،طفولة في حمص، إلى دمشق طالباً في كليّة الطب، فأمريكا للإختصاص، عودة إلى دمشق لأكثر من عشرين عاماممارساً ومدرساً في كليّة الطب، عودة إلى أمريكا أستاذاً في كلية طب ثم ممارسا حرا، ثم عودة إلى دمشق في ممارسة للمهنة حرة، تلتها عودة إلى أمريكا لممارسة جزئية ما زلت فيها. هي الظروف فرضت نفسها عليّ. زوجتي المسكينة كانت في كل مرة تحمل ما يعزّ عليها من الأثاث وترحل معي، كانت تضجر أحياناْ من محيط غريب لا تنسجم معه فترحل إلى دمشق حيث العش الأفضل والأجمل، وتجبرني على اللحاق بها.
حياتي المتنقلة هذه أتاحت لي فرصة تعلّمٍ في مدرسة الحياة، التقيت وعملت مع أناس من مشارب مختلفة، وخبرت ثقافات متباعده، والإنسان هو الإنسان.
للثمانين مشاكلها الكثيرة إنما لها ميزة غالباّ ما لا تتوفر قبلها،هي أن لديك من الوقت الفارغ الكثير، تستطيع به أن تتأمل، بالعمق الذي تستطيعة، في رحلة حياتك، وقد أشرفتَ على وصول المحطة الأخيرة، حيث ستغادر القطار حاملاًحقيبة يختلف محتواها عن كل حقائبك السابقة. تصبح في الثمانين أكثر جرأة وحكمة في تقييم مراحل حياتك واهتماماتك وغاياتك التي ركضت وراءها، أين أخطأت وأين أصبت، يخطر لك أن تنصح الناشئة بما علّمتك إياه الحياة عسى أحداً منها يستفيد، مع إدراكك بصعوبة ذلك، فلكل مرحلة في الحياة أسلوب تفكيرها، ولكل إنسان ظروفه التي تكوّن، وربما تحكم، فكره وأولوياته، إنما ما الضرر؟
نصيحتي اليوم، وربما هي الأهم والأصعب، هي أن يعرف الإنسان خلف ماذا يركض. تعلمت هذا متأخراً. في كتاب ( كفاية للملياردير بوكل )يروي القصة التالية: زار صديقاً فوجد لديه كلبا شاباًجديدا، سأل صديقه عن شأن هذا الكلب، قال إنه كلب سباق حاز على جوائز عديدة، وله سمعته الرفيعة وجاهه في عالم الكلاب، رفض فجأة أن يركض في السباق رغم كل المحاولات والإغراءات. لماذا؟ لا أدري. دعنا نسأله: هل قصّر صاحبك في طعامك؟ لا، كان لي أطيب الطعام. هل قصّر في ثيابك؟ لا، ألبسني أجمل ثياب الكلاب. هل سافر وتركك وحيداً؟ لا كان يأخذني في المقدمة يتباهي بي أينما ذهب. إذن لم ترفض السباق؟ لن أركض. أرجو أن تخبرني لم: لقد اكتشفت بعد ركض كثير مُتعبٍ أنني كنت أركض وراء أرنب زائف.
نصيحتي للشباب أن يراجعوا حساباتهم وأن يتأكدوا من أن أرنبهم الذي يركضون خلفه يستحق ذلك. إذا كان الهدف هو السعادة، وهو المفروض، فليركض وراء ما يجلب السعادة الحقيقية. لقد أثبتت دراسة قامت بها هارفرد بدأت منذ ٧٥ سنة وما زالت مستمرة، أن لا المال فوق ما تحتاجه، ولا الجاه والسلطة، تجلب السعادة ،إنما يجلبهامع إطالة في العمر، العلاقات الإجتماعية السليمة، والصداقات الصادقة، والعمل العام الخيري. وفي دراسة ما زالت مستمرة في قسم أبحاث العلوم العصبية في ستانفورد تبين أن التراحم يُحدث تغيرات في الدماغ ترافق الشعور بالسعادة. كانت هذه الدراسة وما زالت مستمرة بتشجيع ودعم من مؤسسة ميثاق التراحم التي دعوتُ للانتساب لها مسبقا ومازلت. وهي لا تكلف إلا الدخول على الإنترنيت تحت (ميثاق التراحم).
العمل معها سيزيد من سعادتك وربما أطال عمرك.
طالت أعماركم أصدقائي.
وسوم: العدد 730