عنجهية القوة خاسرة دائما
سيسجّل التّاريخ أن حكومة نتنياهو اليمينيّة المتطرّفة هي الحكومة الأسوأ في تاريخ اسرائيل، رغم أنّ هذه الحكومة هي الأكثر توسّعا في الاستيطان، وفي سنّ قوانين عنصريّة ستكون تأثيراتها السّلبيّة لاحقا على اسرائيل وشعبها قبل غيرها. فهذه الحكومة ولأكثر من سبب ضيّعت كلّ الفرص الممكنة لتحقيق السّلام في المنطقة، واستطاعت تضليل شعبها وجرّه إلى التطرّف اليميني الذي لن يكون لصالحه أيضا.
وقد ساعد نتنياهو وحكومته اليمينيّة المتطرّفة في تنفيذ سياساتها الكارثيّة الادارات الأمريكيّة المتعاقبة، التي وفّرت ولا تزال له الغطاء العسكري والاقتصادي والسّياسي في الأحوال والظّروف كلّها، حتّى رسّخت لدى الاسرائيليين بأنّهم "شعب الله المختار" وأنّ الله يسخّر لهم الآخرين ليكونوا "حطابين وسقّائين" –حسب التّعبير التوراتي- لهم. وإذا كانت الادارات الأمريكيّة المتعاقبة ترى في اسرائيل قاعدة عسكريّة متقدّمة لحفظ المصالح الأمريكيّة في المنطقة، فإنّ كنوز أمريكا واسرائيل الاستراتيجيّة في المنطقة العربيّة، الذين ارتضوا الخنوع والهوان، وسلّموا مقدّرات أوطانهم وشعوبهم لأمريكا، لم يقابلوا من أمريكا إلا بمزيد من الضّغوطات والابتزاز، ولم تحقّق لهم شيئا يستر عوراتهم أمام شعوبهم على الأقلّ، لكنّ هذا الهوان الذي يصل درجة الاستسلام قد ساعد هو الآخر حكومة نتنياهو على الاستمرار في غيّها وضلالها، فما عادت تحسب أيّ حساب لأيّة ردود فعل عربيّة؛ لأنّها غير موجودة أصلا.
ومن هنا جاءت قرارات حكومة نتنياهو بإغلاق المسجد الأقصى، وانتهاك حرماته، ومنع المصلين المسلمين من دخوله لآداء صلواتهم فيه، وما تبع ذلك من نصب بوّابات ألكترونيّة وكاميرات ذكيّة لمراقبة المصلّين الدّاخلين الى المسجد لآداء صلواتهم فيه، كما قامت بإغلاق مداخل المدينة، وبوّابات المدينة القديمة، وما صاحب ذلك من تواجد شرطيّ وأمنيّ مكثّف، رغم معارضة الأجهزة الأمنيّة الاسرائيليّة لذلك، لمعرفتهم المسبقة بردود الفعل الواسعة التي ستواجه بها هذه الاجراءات، وأنّها قد تتمخّض عن انتفاضة شعبيّة هائلة، قد تدخل المنطقة في حروب دينيّة لا يعلم أحد متى ستنتهي، لكنّها بالتّأكيد ستحرق الأخضر واليابس ولن ينجو من لهيبها أحد.
وكانت ردّة الفعل المقدسيّة ومن فلسطينيّي الدّاخل الفلسطينيّ الذين يستطيعون الوصول إلى القدس، فخرجوا بقضّهم وقضيضهم، رافضين الاجراءات الاسرائيليّة، متسلّحين بإيمانهم وصلواتهم التي أدّوها في شوارع القدس وأسواقها حيث يبستطيعون الوصول قريبا من عتبات المسجد الأقصى أولى القبلتين وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشّريفين ومعراج خاتم النبيّين عليه صلوات الله وسلامه، ولم ترهبهم الغازات الخانقة، والرّصاص الحيّ والمطّاطيّ، وهروات الجنود والمياه العادمة، فسقط منهم شهداء وجرحى، فلم يتراجعوا، بل كانوا يزدادون إيمانا وعددا صلاة بعد أخرى. ولا يغيبنّ عن أحد موقف قيادة السّلطة الفلسطينيّة ومنظمة التحرير، والتّنظيمات الفلسطينيّة والهيئات الشّعبيّة والدّينيّة الاسلاميّة والمسيحيّة الواضح وضوح الشّمس في الدّفاع عن المقدّسات، وما صاحب ذلك من ضغوطات عالميّة، ممّا أجبر حكومة نتنياهو على التّراجع عن قراراتها الجنونيّة بخصوص الأقصى، بعد أن ثبت لهم خطورة المسّ بالعقائد الدّينيّة، وخطأ نظريّة حلّ القضايا التي تواجههم بالقوّة.
وفي الأحوال كلّها فإنّه يجب عدم تغييب الأسباب التي تهدّد أمن واستقرار دول وشعوب المنطقة، وهي استمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربيّة المحتلّة وفي مقدمتها القدس العربيّة جوهرة هذه الأراضي، وأنّ الأمن والسّلام لن يتحقّق لأحد مع استمرار هذا الاحتلال، ومنع الشّعب الفلسطينيّ من حقّه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف، بعد كنس الاحتلال ومخلّفاته كافّة.
فهل ستستوعب دول الجامعة العربيّة، ودول المؤتمر الاسلامي الدّروس والعبر ممّا جرى؟
وسوم: العدد 731