معركة برج البرلس
كان قرار تأميم قناة السويس الذي أعلنه الرئيس جمال عبد الناصر من ميدان المنشية بالإسكندرية يوم 26 يوليو عام 1956 قرارا تاريخيا أصاب الدول ذات المصالح بالصدمة ولذا بدأ العدوان الثلاثي على مصر والذي قامت به إنجلترا وفرنسا على إسرائيل في 29 أكتوبر عام 1956 وفي صباح يوم 4 نوفمبر لذلك العام قامت معركة بحرية شرسة أمام شاطئ بحيرة البرلس بمحافظة كفر الشيخ حيث هاجمت بوارج فرنسية ومدمرة بريطانية مدعومة بطائرات حربية الشواطئ المصرية واشتركت في المعركة البارجة الفرنسية جان بارت وهى أول سفينة مزودة بردار في العالم وسميت هذه المعركة بمعركة البرلس البحرية.
قاد البطل جلال الدسوقي المعركة وفي البداية قامت الثلاث زوارق الطوربيد المصرية بعمل ستار الدخان لتقترب بسرعة وبحركات مفاجئة من الوحدات المهاجمة وأطلقت قذائفها في اتجاه البوارج الفرنسية والبريطانية المهاجمة وقامت الوحدات المهاجمة بإطلاق القنابل والصواريخ بكثافة شديدة في اتجاه الزوارق واشتركت في المعركة طائرات حربية مهاجمة ضد الزوارق.
قاتل أبطال مصر بدون غطاء جوى حتى آخر طوربيد وحتى آخر زورق الذي قاده مختار الجندي بعد استشهاد أغلب الأبطال فطلب من الآخرين القفز إلى البحر ثم اختراق مدمرة أخرى بسرعة هائلة فأصيبت إصابة بالغة.
سجل أبطال مصر معادلة جديدة في تاريخ المعارك البحرية وانتصارا كبيرا على الأسطولين الفرنسي والبريطاني فقد انتهت معركة البرلس في دقائق ، ويا للشجاعة المصرية والوطنية المخلصة .. زوارق بتسليح بسيط وبدون غطاء جوى تصدت لوحدات ضخمة وثقيلة مهاجمة ومدعومة بغطاء جوى ومنعتها من تحقيق هدفها .
من أبطال البحرية المصرية الذين شاركوا في هذا النصر العظيم نذكر : جلال الدين الدسوقى وإسماعيل عبد الرحمن فهمى وصبحى إبراهيم نصير ومحمد البيومي محمد زكى من القاهرة وعلى صالح ومحمد رفعت وإبراهيم الهندي من الإسكندرية ومختار محمد فهيم الجندى من دمياط وجول جمال من اللاذقية بسوريا الشقيقة وجمال رزق الله من المنصورة وحسن محمد حسن سويدان من إحدى القرى التابعة لمركز البرلس بكفر الشيخ .
تم تكريم الأبطال بإطلاق أسمائهم على بعض الشوارع والميادين بالقاهرة والمحافظات وتحتفل محافظة كفر الشيخ بعيدها القومي يوم 4 نوفمبر تخليدا لهذه المعركة الباسلة وهذا الانتصار المصري العظيم .
شاء القدر أن ألتقي البطل حسن محمد حسن سويدان وطلبت منه سرد ذكرياته عن هذه المعركة الخالدة فقال : أنا من مواليد 14 أغسطس عام 1936 وعندي 8 أبناء 3 بنات و5 أولاد وأقيم بقرية الشيخ مبارك التابعة لمركز البرلس وقد التحقت بالبحرية متطوعًا في قوات حرس السواحل المعروفة حاليًا بحرس الحدود وخدمت بها قرابة 23 سنة.
أضاف البطل حسن : خدمت عريفًا في قوات حرس السواحل بنقطة مراقبة على ساحل البحر الأبيض المتوسط بالبرلس وكان تسليحي آنذاك بندقية وبوصلة ونظارة معظمة لإبلاغ المراقبة والبحر في حال حدوث أي مثير للانتباه وقرابة الساعة الخامسة و17 دقيقة فجر يوم 4 نوفمبر عام 1956وأثناء نوبتجيتي كنت استطلع البحر بنظارتي المعظمة وجدت شيئًا غير طبيعي قادم في اتجاهنا فأبلغت المراقبة وإدارة البحر قبيل أن يدوي صوت انفجار شديد في محيط النقطة 16 بالبحر الأبيض المتوسط وعرفت بعد ذلك أن البارجة الفرنسية جان بارت التي كانت مشهورة جدًا حينها تشارك في الهجوم علينا وحرك أبطالنا وفي مقدمتهم المقدم جلال الدين الدسوقي تجاه مصدر الهجوم بعد أن أطلاق الدخان الكثيف من جانبنا لتشويش رادار المهاجمين ودارت المعركة كلها أمامي.
بعد مرور حوالي ساعتين على رصدي التشكيل المهاجم لسواحلنا وأثناء متابعتي للأجواء عقب انطلاق أبطال البحرية لمواجهة سفن العدو رأيت كتلة بيضاء كبيرة بنظارتي المعظمة اختفت فجأة فتأكدت أننا أسقطنا البارجة محققين انتصارًا عظيمًا بزوارق بدائية مقارنة بسفن العدو وعقب عودة أبطالنا من تدمير البارجة الفرنسية جان بارت ظهر الطيران الإسرائيلي وأطلق صواريخه بشكل جنوني وكثيف وأصبت أثناء قصف موقعي وظهر الطيران المصري الذي اشتبك مع طائرات الصهاينة ودارت معركة عنيفة فرت خلالها طائرات العدو ليظهر بعد 12 ساعة من ذلك جثامين شهدائنا وشاركت مع مجموعة من زملائي في انتشال جثامين الشهداء وكان عددهم 5 أفراد بينهم جلال الدين الدسوقي والضابط السوري جول جمال وأحمد إسماعيل وإسماعيل فهمي وذلك بخلاف الشهداء الآخرين الذين تم انتشالهم بمعرفة الصيادين.
وسوم: العدد 732