النصر بالرعب المتبادل ، بين الحكّام الطغاة والشعوب .. وأسباب النصر الأخرى !

لا بدّ ، بدايةً ، مِن تنحية مضمون الحديث النبوي ( نُصرتُ بالرعب) عن السياق الذي نحن فيه ! لأن سياقه مختلف ، فالنبيّ نُصرَ على أعدائه بالرعب ، لا على أبناء وطنه وشعبه، وأتباعه من المؤمنين . وسياقُ حديثنا ، هنا ، هو عن الصراع بين الشعوب وحكّامها !

 أمّا أسباب النصر، التي تؤدّي إلى تحقيقه ، فيمكن ذِكر أهمّها ، ممّا هو معروف بين الناس ، ومنها :

 النصر بالذكاء .. النصر بالقوّة .. النصر بالصبر.. النصر بالرعب .. !

 ونقف عند كل من الثلاثة الأولى منها ، وقفة قصيرة ، ثمّ نتحدّث ببعض التفصيل ، عن النصر بالرعب ، الذي تحقّقه أنظمة الحكم ، ضدّ شعوبها ، في عالمنا العربي خاصة . (مع التذكير بأن أسباب النصر ، كثيراً ما تختلط وتتداخل ، وتسبّب ، باجتماعها ، نصراً مِن نوع ما..! إلاّ أن السبب الأبرز، في تحقيق النصر، ينظَر إليه على أنه ، هو السبب الأكثر فاعلية ، في تحقيق هذا النصر.. ويأخذ عنوانه !) .

1) النصر بالذكاء : لا نحسب فهم هذا النوع ، من النصر، يحتاج إلى كثير من الفطنة  ليدركه العقلاء ! إذ قلّما انتصر غبيّ على ذكيّ ، في حرب ، من أيّ نوع ! والحالات الشاذّة إن حصلت لا تصلح مقياساً . فإذا دخلت عناصر أخرى ، من عناصر النصر، لمصلحة الغبيّ ، وحقّقت له نصراً ، فهذا لا يخلّ بالقاعدة ، لأن النصر يكون عندئذ، بتلك العناصر، لا بالغباء !

2) النصر بالقوّة : وهذا معروف أيضاً . فتفاوت القوى لمصلحة أحد المتحاربين ، يؤدّي في الحالات الطبيعية إلى انتصار الأقوى . وأنواع القوّة كثيرة متنوّعة ، منها المادي، ومنها المعنوي . وهي تشكل معادلة ، تغطّي فيها الزيادة ، في عنصر ما ، النقصَ في عنصر آخر ، بعملية تكاملية منسقة..!

 3) النصر بالصبر: وهو أحد أهمّ عناصر القوّة ! والأصل أن يُحسب معها ، إلاّ أننا أفردنا له بنداً خاصاً ، لما له من أهمية مميّزة ، بشكل عامّ ، وفي الحروب بشكل خاصّ . فالصبر، في معارك المسلمين ، ضدّ أعدائهم ، كان يترجَم إلى قوّة رجل ، في الحدّ الأدنى ، فيكون المقاتل المسلم، بقوّة رجلين من رجال أعدائه ! لذا ؛ لا يجوز للجيش الفرارُ من الحرب، إذا قابل ضِعف عدده ، من جنود أعدائه ! وقد كان الصبر، في بداية حرب المسلمين ، ضدّ أعدائهم ، يترجَم إلى قوّة عشرة رجال ! فلا يَحلّ للجيش المسلم ، الهرب من مقاتلة عشرة أمثاله ، من جنود أعدائه ! ثم خفّف الله ، عن المسلمين ، بعد أن ظهر أن ما فيهم من قوّة ، لا يؤهّلهم لمقاتلة عشرة أمثالهم ، على سبيل الإلزام ( الآن خفّفَ الله عنكم وعَـلِم أنّ فيكم ضَعفاً ..) ، وألزَم الجيش المسلم بعدم الفرار، من جيش يساوي ضِعفَ عدده .. وإنْ هربَ يكون فارّاً من الزحف ، وهذا من كبائر الذنوب ..!

 4) النصر بالرعب : وهذه خصيصة خصّ الله بها نبيّه الكريم ؛ إذ ورد عنه (ص) قول يدلّ على أنه  نصِر بالرعب ..!

أمّا إعداد العدّة المستطاعة ، لردع العدوّ عن عدوانه ، أي : لإرهابه ( تخويفه) كيلا تحدّثه نفسه بالعدوان على المسلمين .. أمّا هذا الإعداد ، فهو واجب في كل  الأحوال ، درءاً لخطر الحرب ، التي يمكن أن يشنّها عدوّ ما ، ضدّ المسلمين ، حين يتوهّم أنهم ضعاف ، فيغريه هذا التوهّم ، بالإغارة عليهم !

 وواضح هنا ، بالطبع ، أن الحديث كله ، يدور حول الصراع بين المسلمين وأعدائهم..!

أمّا الحديث عن الصراع ، بين حكّام المسلمين وشعوبهم ، فهو حديث أقرب إلى الشذوذ الفكري - ومن باب أولى السياسي والاجتماعي - منه إلى الحديث الجادّ ، لا عند المسلمين فحسب ، بل عند أمم الأرض قاطبة ! والظروف الغريبة الشاذّة ، التي تعيشها بعض شعوب أمّتنا ، في ظلّ بعض أنظمة الحكم الشاذّة ، كنظام الحكم السوري.. هذه الظروف الشاذّة ، هي التي فَرضت ، هذا النوع من الحديث عن الرعب ! وقد فَرضه الحكّام أنفسهم  حين قرّروا - وعن عمد وإصرار وتصميم - أن يَفرضوا على شعوبهم، نوعاً من الرعب القاسي الرهيب ، كيلا يفكّر أحد من أبناء الشعوب ، بمنازعتهم على كراسي الحكم !

 والغريب الشاذّ ، أن الحكّام الذين سرقوا السلطات في بلدانهم ، وفَرضوا أنفسَهم حكّاما عليها بالحديد والنار، إنّما يَخشون شعوبَهم ، أكثرَ ممّا تخشاهم الشعوب..! فهم في رعب دائم ، من أن تنقضّ عليهم الشعوب ، فتستردّ منهم السلطات التي سرقوها منها ! لذا ؛ هم يمعنون في فرض المزيد من الرعب ، على الشعوب ! وكلما ازداد رعبهم منها، ازداد إمعانهم في فرض المزيد من الرعب ، حتى يوصلوا الناس ، في بلادهم ، إلى حالة لا تطاق! فيشعر كل مواطن في بلده ، أنه في سجن خانق ، لا في وطن حرّ ! ويفكّر بطرائقَ شتّى،  للخلاص الفردي من هذا الكابوس ، كالهجرة من البلاد ، إذا عجزت هجرتُه إلى داخِل نفسه ، عن تسكين الخوف ، المتغلغل في كيانه ..!

 فالرعب المتبادل ، إذن ، بين الحكّام والشعوب ، هو الزاد اليومي ، الذي يقتات منه كل فريق ، في الدول المحكومة بالاستبداد !

 وإذا كانت الحكومات المستبدّة ، قد عرفت أبعاد اللعبة ، لأنها هي التي صنعتها ، ولذا فهي الأقدر على استغلال رعب الشعوب ، وتوظيفه لحسابها .. فإن قيادات الشعوب مندوبة ، بل واجب عليها ، أن تعي هذه اللعبة ، وأن تكسر حدّة الخوف عند شعوبها، وتوضح لها ، بكل جلاء ، أن الحكّام اللصوص ، يخافونها أكثر ممّا تخافهم ! وأن ما عليها فِعلُه ، هو شيء من التضحية ، بالوقت والمال والجهد .. وبالنفس أحياناً ، إذا اقتضى الأمر، واحتاج الصراع إلى تظاهرات واعتصامات ، قد تسبب لبعض المواطنين دخول السجون ، وتحمّل بعض الأذى فيها ! والشعوب هي الأقدر على الانتصار، في مبارزة عضّ الأصابع ، بينها وبين حكّامها الطغاة المستبدّين ! والأهمّ من هذا ، أن يكون قادة الشعوب أنفسهم ، على درجة جيّدة من الوعي ، ومن القدرة على التحمّل ، ومن مقاومة رعب الحكام ، كي يستطيعوا أن ينقلوا هذه الأمور إلى شعوبهم، التي هي حقل عملهم الأول والأهمّ ، وهي ذخيرتهم وعدّتهم، في مقاومة الطغيان والاستبداد .. وفاقد الشيء لا يعطيه !

وسوم: العدد 733