أنموذجٌ.. وليس تجربةً
إنَّ تحرير معاني المصطلحات وتجلية دلالاتها..من أهم مرتكزات وضوح الأفكار وانتظام المفاهيم..وهي الأساس الأرسخ لإشادة بناء ثقافي ومعرفي راشد للإنسان..وأحسب أن هذه الحقيقة تمتنع عن الجدل والمماحكة..وبعد فعقب مجلس صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل يوم الاثنين 22/11/1438هـ الموافق 14/8/2017م بادرني أحد الزملاء الكرام متسائلاً:لماذا تصر على وصف مسيرة الإمام المؤسس الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - بالأنموذج وليس بالتجربة..؟وما الفرق بين الأنموذج والتجربة..؟وأجبت الأخ الفاضل بكلمات مختصرة ووعدته بأن أكتب في هذا الشأن..وها أنا أفعل وفاءٍ بما وعدت.
التجربة:مصطلح يعبر عن البحث في فرضية ما أو نظرية ما لمعرفة مدى إمكانية ملاءمتها للواقع واستجابتها لمتطلبات الحياة أم لا..وهي كذلك البحث في مجهول ما لاكتشاف كينونته وحقيقته ويقينية وجوده أم لا..هذا باختصار مفهوم مصطلح التجربة وهو مصطلح يستخدم في الغالب في ميادين البحث العلمي المادي.
الأنموذج:مصطلح يعبر عن حقيقة يقينية مثالية متكاملة الأوصاف متتامة الخصائص جودة ومرتبة وتميزاً..مما يجعلها صالحة لتكون أمراً يحتذى به ويقتدى به ويتأسى الناس بسماته وخصائصه لتحقيق الأفضل لحياتهم.
أجل فالتجربة عملية تبحث بالمجهول مما يحتمل معه الصواب والخطأ..والأنموذج حقيقة ويقين مستقر يتبعه الناس لتطبيقه من أجل تحقيق الأفضل والأرشد في ميادين الحياة..والقرآن الكريم لخص الفرق بين المنهجين بقوله تعالى:"أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"والمتأمل لمسيرة الملك عبد العزيز- رحمه الله تعالى- يجد أنه مما يصح فيهم ما جاء في الأثر:"المؤمن الكيس من عرف زمانه واستقامة طريقته"فمنذ الساعات الأولى لانتصاره أعلنها صريحة جلية مدوية:"الحكم لله والملك لعبد العزيز"فهذا يؤكد بكل يقين أنه قادم لإقامة الأنموذج الرباني الخالد ولإشادة مملكة على أساس منه ووفق كتاب الله وسنة رسول..وذلك حمداً لله الذي آتاه الملك واستخلفه في الأرض ومكنَّ له لقوله تعالى:"وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم"وقد كان ذلك بفضل الله ومنته فها هي اللملكة العربية السعودية اليوم منارة شامخة في حياة الناس وفي المسيرة البشرية تقدم الأنموذج الرباني الحكيم الأرشد للحكم في التاريخ المعاصر..وبعد أيصح ويستقيم أن يوصف ما قام به الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - من تجديد لقيم الإسلام ومن تطوير لمفاهيم رسالته الحضارية الإنسانية الراشدة بأنه تجربة..؟!
وسوم: العدد 735