ملاحظات حول تصريح بلفور..
بمناسبة مرور مائة عام على صدور "تصريح بلفور" المعروف بوعد بلفور لا بد من مراجعة النصوص التاريخية المتعلقة بهذا التصريح الخطير الذي كانت عواقبه وخيمة على الشعب الفلسطيني والتي تجلت بالنكبة والاحتلال والتشريد، وما تزال أصداؤه تتردد في جميع أرجاء فلسطين حتى يومنا هذا.
آرثر جيمس بلفور هو وزير الخارجية في الحكومة البريطانية في فترة الحرب العالمية الأولى.
في عام 1917 كانت القوات البريطانية بقيادة الجنرال أدموند أللنبي قد هزمت الجيش التركي عند قناة السويس، وراحت تتقدم بسرعة في داخل فلسطين. وقد كان النصر حليفها حيث دخلت القدس في 11 ديسمبر 1917.
ثمة من يقول إن الحكومة البريطانية قطعت على نفسها وعدًا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين عرفانًا منها لحاييم وايزمان الذي اخترع مادة الأسيتون التي استعملها الإنكليز في الحرب العالمية. هذا التفسير واهٍ لأنه كانت هناك أسباب استراتيجية واقتصادية وسياسية وراء التصريح المذكور.
تشير الأبحاث إلى أن وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور أرسل إلى النائب اليهودي في البرلمان البريطاني اللورد روتشيلد وزعامات صهيونية أخرى عددًا من النصوص المقترحة للتصريح حيث أبدوا ملاحظاتهم، ومن ثم أقرت الحكومة البريطانية النص النهائي المصحح الذي وقعه اللورد روتشيلد بنفسه، وهو نفس النص الذي أرسله بلفور إليه موقعًا باسمه.
في النص النهائي ورد أن الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ولم يرد فيه جعل فلسطين كلها وطنًا قوميًا لليهود، وهذا بحد ذاته يشير إلى أن من حق الفلسطينيين إقامة دولة مستقلة لهم في فلسطين، كما أشار إلى ذلك المؤرخ اليهودي نير مان.
في 2 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1917 أرسل وزير الخارجية البريطاني بلفور بالرسالة التالية إلى اللورد الصهيوني روتشيلد هذا نصها:
وزارة الخارجية
في 2 نوفمبر 1917
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جدًّا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عُرِضَ على الوزارة وأقرته:
" إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليًا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق ، أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".
وسأكون ممتنًا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علمًا بهذا التصريح.
في 9 نوفمبر 1917 نشرت صحيفة التايمز اللندنية تحت عنوان "فلسطين لليهود-التزام حكومي" نص تصريح وزير الخارجية البريطاني بلفور. والعنوان يشير بوضوح إلى أن رجال الصحافة في بريطانيا فهموا أن الوعد هو أن تكون فلسطين كلها لليهود، ولكن نص التصريح يشير إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين دون المساس بحقوق الطوائف الأخرى المدنية والدينية. فهل يحق للفلسطينيين إنشاء وطن قومي؟
منذ البداية عارض العرب تصريح بلفور ووصفوه بالوعد المشؤوم، وقاموا بالتظاهر في كل عام، ورفعوا الرايات السوداء تعبيرًا عن حزنهم في يوم الذكرى السنوية التي تصادف الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني. معتبرين أن الوعد جاء ممن لا يملك لمن لا يستحق.!
خلال ثلاثين سنة عملت حكومة الانتداب على فتح أبواب الهجرة أمام اليهود على مصاريعها. وسمحت لهم بشراء الأراضي من كبار الملاكين واستصلاح أراض أخرى من أراضي البور، وضربت الاقتصاد الفلسطيني بفرض ضرائب باهظة على المحاصيل وفتح الباب أمام استيراد الحبوب من خارج فلسطين، والتنكيل بالقرى والمدن الفلسطينية إبان ثورة 1936-1939، وتعذيب سكانها، وفرض غرامات مالية جماعية، كما أنها قامت باعتقال الآلاف من السكان والزج بهم في السجون والمعتقلات، وأعدمت 148 ثائرًا في سجن عكا وسجن القدس المركزي(المسكوبية)، وحكمت على نحو 150 شخصًا بالإعدام ثم خفض القائد العام للجيش البريطاني المحكومية إلى السجن المؤبد. لقد مهدت للنكبة حيث لم تبق مقاومة في فلسطين، أو سلاح كاف للدفاع عن البلاد في عام 1948.
فهل يحق للفلسطينيين رفع دعوى قضائية ضد الحكومة البريطانية كونها المسؤولة عن النكبة ؟
هل نطالب يريطانيا بتقديم الاعتذار للشعب الفلسطيني؟
هل نطالب بريطانيا بوعد مشابه لإقامة دولة فلسطينية بجانب اسرائيل؟
هذه قضايا ما تزال ساخنة، وتبدو صعبة المنال.!
وسوم: العدد 744