الفوضى الخلاّقة : تخلق ماذا !؟ والفوضى الهدّامة في سورية : تفعل ماذا !؟

 *) الفوضى الخلاّقة ، مصطلح حديث ، اخترعه الأمريكان ، ليمارسوا ، على أساسه ، أنواعاً من السياسة الخاصّة بهم ، في بعض دول العالم ! ومضمون المصطلح هو: أن الفوضى التي يصنعونها ، في بلد ما ، تساعدهم على صناعة الواقع الذي يريدونه ، في هذا البلد، عبر هيمنتهم على المفاصل الأساسية فيه ، البشرية منها، والاقتصادية ، والعسكرية ، والأمنية ، والسياسية ..! وهذه ترجمة مشوّهة ، لفلسفة كيسنجر السياسية في حل المشكلات ! إذ أجاب ، مرّة ، على سؤال ، حول طريقته في حلّ المشكلات.. بقوله : أحمّي الحديد ، ثم أطرقه ! أيْ : يشعل الحروب ، والصراعات الساخنة الدامية ، في البلد الذي يريد حلّ مشكلاته ، بما يناسب مصالح الأمريكان .. ثم يتحكّم بالخيوط الأساسية ، للصراع ، ويصنّع الحديد المحمّى ، كما يشاء ! فالحديد البارد ، كما هو معلوم ، لايصنّع بالصورة التي يريدها الحدّاد !

 *) ملامح الفوضى الخلاّقة ، ظاهرة للعيان ، يراها الناس جميعاً .. كما يجري في العراق والصومال وأفغانستان ، على سبيل المثال ! بَيد أن قدرة الأمركان ، على تصنيع الواقع ، في هذه الدول ، وغيرها ، من الدول التي تعمّها الاضطرابات .. ليست كافية ، بالضرورة ، لتصنيع هذا الواقع كما يريدون !

 *) الفوضى الهدّامة ، معروفة منذ أمد بعيد ، قبل أن يعرف العالم دولة اسمها أمريكا ! ومضمون هذه الفوضى : أن تكون دولة ما ـ بسبب فساد حكّامها ، وغبائهم ، وحماقتهم ـ فاقدة لكل مقوّم من مقوّمات الحياة الأساسية ، على مستوى الداخل ، من طعام وشراب ، وسكن وأمن ودواء ! كما أنها مرتع للّصوص والمجرمين ، من رجال الحكم ، وأعوانهم وعصاباتهم .. يسرقون المال العامّ ، وينهبون أموال الناس ، بحجج شتّى ، ويعتقلون من يحلو لهم اعتقاله، ويحكمون على من يريدون الحكم عليه، بالعقوبات التي يقرّرونها ، هم ، بما فيها عقوبات الإعدام ، والحبس المؤبّد ، والنفي ، ومصادرة الأملاك .. دون أيّ حسيب أو رقيب ، أو وازع من ضمير، أو خلق ، أو قانون !

 كما تعاني الدولة من تخبّط شديد ، في تعاملها مع العالم الخارجي ، من دول وهيئات ومؤسّسات ، وتجمّعات بشرية من سائر الأصناف ! فهي لا تفرّق بين الصديق والعدو ! كما أنها تصنع لنفسها أعداء ، دون أيّ هدف أو غاية ! ولا تعرف كيف تدافع عن نفسها، ضدّ أيّ عدوّ خارجي ! وتثير المشكلات مع الدول ، دون هدف ، وتعجز عن حلّها ! ولا تحتمل أيّ ضغط عليها ، من أيّة دولة ، من تلك التي صنعت معها ، المشكلات .. فتبدأ بالتذلّل ، وتكليف الوسطاء ، لمساعدتها في حلّ الأزمة ، التي افتعلتها مع هذه الدولة ، أو تلك !

 ويرى الناس ما يجري على أرض هذه الدولة ، أو بعضه .. فلا يتحرّك أحد منهم ، لمساعدة شعبها ، في التخلّص من مأساته ؛ لأن هذا يعدّ تدخلاً في الشأن الداخلي للدولة !

 *) نموذج حيّ :

من أراد معرفة نموذج حيّ صارخ ، للفوضى الهدّامة ، فلينظر في وضع سورية ، في ظل الحكم الأسدي (الميمون !) وليدقّق في كل فقرة ، ممّا ذكر في هذه السطور، عن الفوضى الهدّامة .. ليراها ، كلّها ، بلا استثناء .. مطبّقة ، بشكل واضح قويّ ، على أرض الواقع ، سواء ماكان منها متعلّقاً بالشأن الداخلي ، أو ماكان متعلّقاً بالشأن الخارجي !

ولولا خشية الإطالة ، لضربنا أمثلة من الواقع السوري ، حيّة مباشرة ، على كل بند ممّا ذكر في هذه السطور! وحسب القارئ الكريم ، أن يستعرض ، بنفسه ، بعض ما يجري ، ليعلم أيّ نوع من أنواع الفوضى الهدّامة ، تعيشه سورية ، في ظلال آل أسد الوارفة ..! ثم ليعذر شعب سورية ، الأبيّ الصابر، على ما يتّخذه من مواقف ، تجاه هذه الأسرة الأسدية البشعة ! أو ليبحث ، في خياله السياسي ، للشعب السوري ، عن أفق متوقّع ـ ولانقول مرجوّ، أو مطلوب ـ من بين الآفاق المدلهمّة ، الماثلة أمام عينيه!

 ويبقى سؤال ، ربّما كان هو بيت القصيد ، في هذه السطور:

إذا كانت الفوضى الخلاّقة ، التي تصنعها أمريكا ، تهيّء لأمريكا فرصاً متوقّعة ، أو مأموله ، للهيمنة على الشعوب ، والتحكّم بقرارات الدول التي تعمّها الفوضى ..

 فماذا تَصنع الفوضى الهدّامة ، التي يَصنعها حكّام بعض الدول ، في دولهم .. ماذا تصنع للشعوب والأوطان ، وللأجيال اللاحقة ، من أبناء الأمّة !

وسوم: العدد 746