ماذا لو لمْ تذهبْ المعارضةُ السورية إلى جنيف 8

يرى المراقبون أنّ المعارضة السورية في ذهابها إلى " جنيف 8 " بمخرجات " الرياض 2 " قد تقدَّمت على النظام بعدة نقاط، و كسبَتْ الجولة في هذه المرة، فنزعت من يده الوتر الذي طالما أجاد العزف عليه، فهي و إن أصغتْ إلى نصائح حلفائها، بضمّ منصتي القاهرة و موسكو، و أعادت النظر في تشكيلة الهيئة العليا للمفاوضات، إلاّ أنها لم تتجاوز الخطوط الحُمُر.

صحيحٌ أنها حزمت حقائبها نحو " جنيف 8 " ، من غير شروط مسبقة، استجابة للنصائح التي أسديت إليها، إلاّ أنّها قد رمتْ في شباك النظام بكرة " القرارات الدولية، و مخرجات مؤتمر جنيف1 "؛ باعتبار أنّها أمور متفق عليها حتى مع شريكه الروسي، و بالتالي لا ينبغي النظر إليها كشروط مسبقة؛ و بذلك تكون قد قررت هذه المرة أن تخوضها معركة سياسية بامتياز، و لاسيّما أنّ النظام و حلفاؤه متقدّمون عليها ميدانيًا.

لطالما تذرّع النظام في الهروب من الولوج إلى العملية السياسية، و البدء بتنفيذ ما اتفقت عليه قرارات و مرجعيات الأمم المتحدّة ( 2118، و 2254 ) ذات الصلة، و بيان «جنيف1» في: 30/ 6/ 2012؛ بأنّ المعارضة غير موحّدة، و أنّها ليست معبّرة عن تطلعات جميع الأطياف السورية.

فهو قد أجاد لعبة الوقت، و كسب من خلالها المزيد من الجولات الميدانية، و هو في طريقه إلى ذات اللعبة مجدًدا، و هو ما ليس في صالح المعارضة، التي باتت حواضنُها في وضع ضاغط، من أجل وضع حدٍّ لهذه المطحنة التي استنزفتها حتى النخاع.

و على وجه التحديد بعدما حُسِمَتْ معركةُ الحرب على داعش، و انكشفَتْ فيها الخارطةُ السورية على مزيد من مناطق النفوذ: إقليميًا و دوليًا، لأزمنة مديدة، فالقوتان الكبريان تعلنان أنّ بقاءهما في سورية سيطول: فروسيا قد أبرمت اتفاقيات مع النظام لنصف قرن، و أمريكا إلى حين الاطمئنان على مصير سورية؛ الأمر الذي يعني أنها كروسيا باقية إلى منتصف القرن الحادي و العشرين، إن لم يكن أكثر، على غرار بقائها في شبه الجزيرة الكورية.

و ليست تركيا بأقلّ سعيًا منهما، فهي قد رضيت مكرهة بنصيبها شمال غرب الفرات، و شرعت في التمدد في منطقة تخفيض التصعيد الرابعة، فإنّ كانت ثَمَّة حلٌّ سياسيّ فلها كلمةٌ من خلال هاتين المنطقتين، و أمّا إذا نجح المشروع الأمريكي في التقسيم، فلها بهما نصيبٌ مجزئٌ من الكعكعة السورية.

لقد بان إحراجُ المعارضة وفدَ النظام عندما أصرّت على أن تكون هذه الجولة مباشرة، فلا لضرورة بعد اليوم لنظام الغرفتين، و الجولات المكوكية التي ارتاح لها وفدُه، و أعجبت كثيرًا الوسيط الأممي و فريقه التفاوضيّ، فوفدُ " الرياض 2 "، جاهز لمواجهة الجعفريّ، و الولوجُ في تفاصيل المرحلة الانتقالية بات مطلبًا ملحًّا، بعد سبع جولات بروتوكولية، عُدّت لصالح النظام بامتياز.

فما بعد طيِّ صفحة داعش، و سريان وقف ـ و لو هشّ ـ لإطلاق النار، كأحد مخرجات " أستانا "، بجولاتها السبع، و كجزء من خطة مؤسسة راند لحلّ الصراع في سورية؛ إلاّ الحديثُ المباشرُ، و الجادُّ في مرحلة الانتقال السياسيّ.

و أشدّ ذلك على النظام إيلامًا أن تقول المعارضة، لا بلْ تتمسّك بالذهاب انتخابات رئاسية و برلمانية، لعموم السوريين، و بإشراف أممي، و هو الأمرُ الذي لا يرغب فيه، و لا يطمئنّ إلى نتائجه، التي غالبًا ما ستكون في غير صالحه.

و بذلك تكون المعارضة قد أخذت تجيد العزف على ذات الأوتار، التي طالما عزف عليها هو على مدى سبع سنوات من عمر الأزمة السورية، فحديثُ انقسام المعارضة قد طُوِي، و الجلوسُ معها مواجهة قد أحرجَ الجعفري، و حديثُ الانتخابات لم يُعد فزاعة بوجهها؛ فما كان من وفد النظام إلاّ أن يغادر " جنيف 8 "، التي وصلها بعد يومين من التأخير.

غير أنّ الالتزام الروسي أمام أطراف هذا الملف قد أحرج بوتين، فما كان منه إلاّ أن رضخ لمطلب جلبه ثانية إلى جنيف، التي سيصلها يوم الأحد: 22/ 12.

و تذهب الآراء إلى أنّه لن يترك له الخيار، لمزيد من العبث بالوقت، بعدما قرّر أن يبقى في الكرملين لفترة قادمة، و بعدما كسبت بعضُ دول المنطقة الرِّهانَ في أن تتخلّى إسرائيل عن فيتو رحيله، بعدما نالت مُرادها في توقيع ترامب على اعتماد القدس عاصمة لها، و إيعازه لخارجيته بنقل سفارة بلاده إليها في قادم الأيام.

فأخذت تُسارع للتخلّص من ( 350 ) هدفًا عسكرية، في التسعين يومًا القادمة، فطالت ضرباتُها حتى جبل عزان في جنوب حلب، و السفيرة في شرقها، بعدما كانت من قبل محصورةً في المناطق المجاورة لها، و أحيانًا الداخلية؛ لتجعل من سورية جارة من غير أظافر، في قابل المرحلة الانتقالية. 

وسوم: العدد 750