الولايات المتحدة التي تدعي الوصاية على الديمقراطية في العالم تتصرف بطريقة ديكتاتورية مثيرة للسخرية
سقط قناع الدولة العظمى التي تدعي الوصاية على الديمقراطية في العالم مرة أخرى حين لوح رئيسها بقطع المساعدات عن الدول التي تصوت في الجمعية العامة ضد قراره الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني المحتل ، ونقل سفارة بلاده إليها ، و سقط أيضا حين اعتلت ممثلة بلاده منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة دون خجل لتكرر نفس التهديد على مسامع ممثلي دول العالم وعلى مسامع شعوب العالم قاطبة . وسقوط هذا القناع كشف عن أمور كثيرة وعلى رأسها كذب الولايات المتحدة بخصوص اعتمادها النهج الديمقراطي ، وبخصوص وصايتها على الديمقراطية في العالم . ولقد تأكد بهذا السلوك المثير للسخرية والصادر عن الإدارة الأمريكية أن الرئاسة آلت في الولايات المتحدة إلى الرئيس الحالي عن طريق استعمال المال. وما قيمة الديمقراطية التي توصل صاحب ثروة ومال إلى مركز صنع القرار ؟ وما معنى الديمقراطية حين يتخذ الرئيس الذي أوصلته ثروته إلى سدة الحكم المال وسيلة ضغط على أنظمة العالم لتساير هواه ؟ والمثيرة للسخرية أيضا أن الرئيس الأمريكي الذي هدد بقطع المساعدات على من يصوت ضد قراره في الجمعية العامة قد ابتز قبل أشهر أنظمة الخليج، وأخذ منها قهرا وتهديدا مبالغ مالية ضخمة ، وافتخر بذلك دون خجل في تصريحاته الإعلامية في بلاده ليقنع شعبه بأنه قد وفر لهم المال الذي يصنع رفاهيتهم . ومما كشفه سقوط القناع أيضا أن السياسة العالمية التي تتصدرها الولايات المتحدة إنما هي سياسة تهديد ووعيد لا سياسة احترام القانون. وإذا كان التهديد بقطع المساعدات على الدول المصوتة ضد قرار الرئيس الأمريكي علنا ،فماذا عن التهديدات غير المعلنة ؟ وهل تجرؤ الأنظمة المهددة على الكشف عنها ؟
ومن الأخبار الرائجة أن الفيتو الأمريكي المستعمل في مجلس الأمن كان عبارة عن مؤامرة بين نظام السيسي الذي قدمت بلاده مصر مشروع القرار بخصوص القدس ، وكان التواطؤ مع الإدارة الأمريكية في صيغة المشروع حيث صيغ بشكل يسمح للولايات المتحدة بالتصويت، ومن ثم باستخدام الفيتو ، وهي كالآتي : " أي قرارات أحادية الجانب تخص وضعية القدس ليس لها أي أثر قانوني ويجب إلغاؤها " ولم تشر هذه الصيغة بالاسم إلى الولايات المتحدة أو إلى الرئيس الأمريكي ،وهو ما سمح للولايات المتحدة بالتصويت واستعمال الفيتو إذ لو وردت الإشارة إليهما لما كان من حق الولايات المتحدة أن تصوت ، وهنا كانت اللعبة الماكرة أوالمؤامرة حسب ما تقوله الأخبار التي أثارت هذا الموضوع . ولا يستبعد أن يتواطأ من جيء به إلى السلطة عن طريق الانقلاب على الشرعية والديمقراطية في مصر بتخطيط من الولايات المتحدة وبتمويل خليجي ، وقد جيء به خصيصا ليمهد لقرارات الإدارة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ، وهي قرارات تخدم الكيان الصهيوني، وتكرس احتلاله لأرض فلسطين .ولا يستبعد أيضا من الولايات المتحدة التي تهدد بمنع المساعدات ضد من صوت ضدها أن توظف السيسي ليكون طرفا في المؤامرة، وهو الذي تقيده المساعدات الأمريكية . والمسرحية الكبرى المكشوفة هو ما سيكشف عنه المستقبل القريب حين يتعلق الأمر بقطع المساعدات المقدمة لنظام السيسي وأنظمة أمثاله من المتورطين في ما صار يعرف بصفقة القرن الملعونة التي تريد تصفية القضية الفلسطينية وفق إرادة الإدارة الأمريكية وإرادة الكيان الصهيوني خصوصا وأن هذه الأنظمة صوتت لفائدة القرار الرافض للقرار الأمريكي في الجمعية العامة . إن العالم سيتابع موضوع تطبيق التهديد الأمريكي ، وهو ما لن يحدث لأن الأطراف المتواطئة مع الإدارة الأمريكية في صفقة القرن قد قدمت لها لكثير ، وهي آمنة في بيت الطاعة الذي لم تخرج منه ولن تخرج منه أبدا ، و تصويتها في الجمعية العامة عبارة عن ذر للرماد في العيون للتمويه على ضلوعها في المؤامرة ضد القضية الفلسطينية .وستكشف الأيام القليلة المقبلة هذا التمويه وسيسقط قناعه .
ولقد سقط أيضا قناع الدول التي امتنعت عن التصويت ،وفيها دول تتباهى بالديمقراطية ، وتحاول تصديرها إلى باقي بلدان العالم كنموذج يجب أن يحتذى . ومعلوم أن عدم التصويت يصب في اتجاه دعم القرار الأمريكي ،وهو في غير صالح القضية الفلسطينية ، وفي نفس الوقت هو موقف يطعن في مصداقية ديمقراطية الدول غير المصوتة لأن مما تلزم به الديمقراطية أصحابها حسب الشعارات التي ترفعها وتتبجح بها الوقوف إلى جانب القضايا العادلة، وليس السكوت والحياد لفائدة أعداء تلك القضايا . وسيّان من صوت لصالح القرار الأمريكي، من الكيانات الأقزام ، ومن امتنع عن التصويت لأن الوضع الثالث بين التصويت مع، والتصويت ضد لا محل له من الإعراب كما يقال في تعبيرنا العربي . وهذا يؤكد أيضا ضلوع الدول الممتنع عن التصويت في مؤامرة صفقة القرن المشبوهة . وحتى بالنسبة لبعض الدول التي صوتت ضد القرار الأمريكي لا يمكن الثقة فيها ،وهي مرتبطة بالنظام الأمريكي وبالكيان الصهيوني بأقوى العلاقات ، وهذا أيضا ذر للرماد في العيون للتمويه على التنسيق التام مع الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني بخصوص القضية الفلسطينية .
ولو لم يكن الكيان الصهيوني واثقا كل الثقة من دعم هؤلاء له لما تجرأ ممثله في الجمعية العامة على وصف المصوتين ضد قرار الرئيس الأمريكي بالدمى مستخفا بهم وبالجمعية العامة عموما ، وهو استخفاف جاء أيضا على لسان ممثلة الإدارة الأمريكية في كلمتها الغاضبة .
وأمام هذا التآمر على القضية الفلسطينية لم يبق لها بعد الاعتماد على الله عز وجل سوى الاعتماد على أبنائها المخلصين في الدفاع عنها ، و على شعوب الأمة العربية والإسلامية ، و على بعض الأنظمة الصادقة في الدفاع عنها ، والتي لا تقايض الدفاع عنها بمصالحها .
وفي الأخير بقي أن نشير إلى أن الاعتماد على سلطة المال للوصول إلى مراكز صنع القرار والتهديد باستعماله لفرض قراراتها على العالم هو دأب أكبر دولة وصية على الديمقراطية في العالم ، ومنها تتعلم باقي الدول التي تتبجح بالديمقراطية الكاذبة ، لهذا لا يجب ألا نستغرب وصول أصحاب الثروة إلى السلطة في دول العالم الثالث ولا نستغرب تلويحهم باستعمال المال ضد من يعارضهم لأنهم تخرجوا من مدرسة الديمقراطية الأمريكية . وما أشد بؤس العالم في هذا الزمان بسبب هيمنة الديمقراطية الأمريكية التي تردد مقولة فرعون التي جاءت في القرآن الكريم في قوله تعالى : (( ونادى فرعون قومه يا قومي أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين)) وقوله أيضا : (( قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)). ولقد عقب الله تعالى على قول فرعون فقال : (( فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين )) . و معلوم أنه لكل زمان فرعونه ، ولكل فرعون فسّاقه الذين يستخفهم فيطيعونه .
وسوم: العدد 752