هل يقدر الذين يرشحون أنفسهم لشغل المناصب الشاغرة مسؤوليتها الجسيمة والخطيرة ؟

 ما إن يتم الإعلان عن شغور منصب من المناصب في إدارة من الإدارات العمومية حتى يتهافت عليه المتهافتون طمعا فيه ، وفيهم من لا يوجد بينه وبين تلك المناصب إلا الخير والإحسان كما يقال، لأنه لا يملك من المؤهلات حتى  الحد الأدنى الذي يسمح له بخوض مغامرة كهذه . وأراهن على أن جل الذين يرغبون في شغل تلك المناصب لا تخطر لهم على بال جسامة وخطورة المسؤولية المتعلقة بها ، ولكنهم في المقابل لا ينقطع تفكيرهم فيما يتعلق بها من شهرة أوامتيازات بل منهم من يبلغ  به الأمر حد التفكير المبيت لاستغلال المنصب من أجل النهب والسلب جريا على عادة من كانوا يشغلونه  قبله، وقد بدت عليهم  آثار النعم لم تكن عندهم من قبل إذ لو لم يكن الطامع المبيّت على علم بالنهب والسلب لما رغب في المنصب .

والبليد من الطامعين في المناصب من تستهويه الشهرة فقط ، وتكون نهاية غايته أن  يعلم الناس بحصوله على المنصب ،  وعلى اللقب الجديد الذي يخاطب به ، ويرونه على متن سيارة  بلوحة ترقيم  حمراء ،وعلى باب مكتبه بواب ، وله كتابة خاصة قد تكون متعددة الاستعمالات  ، وخلف مكتبه الأنيق عرش بلقيس ... ومثل هذا تجده قد اتخذ كل سبب غير مشروع ، وقرع  متوسلا كل باب يظن أنه موصل إلى شهرته المنشودة التي طالما حلم بها  ، فيغيّر انتماءه الحزبي مرات  عديدة كما تغير الحية جلدها ،وقد رأى غيره قد حقق مبتغاه بالانتماء إلى هذا الطيف الحزبي أو ذاك  في لحظة اقتناص ثمينة ، فيفكر في المقامرة والرهان على الانتماء عسى أن يكون ذلك أقصر طريق إلى أمنية العمر . والثعلب الماكر من الطامعين في المناصب من لا تعنيه الشهرة بقدر ما تعنيه الامتيازات التي توفرها تلك المناصب من مركب ، ومسكن ومطعم ، وسفر وتجوال  بذريعة حضور اللقاءات والمؤتمرات التي تكون أوقاتها دون أوقات التنزه وإصابة ما يعن من امتيازات . وأشد مكرا منه من تحدثه نفسه بالاختلاس وهو أخطر أنواع اللصوص حيث يمارس اللصوصية تحت غطاء شغل المنصب ، فيجعل لنفسه أسهما في مختلف الصفقات ، ويصب من وقود سيارة المنصب في خزان سيارته الشخصية ، ويصلحها  بالإنفاق المخصص لإصلاح سيارة المنصب ، ويصرف على مقتناياته الخاصة من  أرصدة المنصب ، وعملة التداول عنده " الفينييت " وهي عملة يستعملها حيثما شاء، ومتى شاء لأنه يتقن عملية تبرير المصاريف بالوثائق التي لا تثير شكا ولا سبيل للطعن في مصداقيتها  ولو وكل أمرها إلى جن سليمان عليه السلام  . ومثل هذا له جسارة وشجاعة منقطعة النظير إذ لا يبالي برقيب أو حسيب  حتى رب العزة جل في علاه . ويكون أول من يفتخر بالنزاهة، ونظافة اليد ،وخلو البطن  ومطعمه ومشربه  وملبسه حرام في حرام ، ويكثر الحديث عن ذلك بمناسبة وبدون مناسبة ، وعليه ينطبق  قول القائل : الحرص على إظهار المحافظة على الأمانة دليل على الخيانة ". وآخر ما يفكر فيه طلاّب المناصب بليدهم وماكرهم وأشدهم مكرا  مسؤوليتها الجسيمة  والخطيرة والتي تفوق أقدارهم، ومع ذلك لا تحدثهم أنفسهم بالجلوس دونها والحصول على رحمة الله عز وجل بسبب ذلك .

وأخيرا أذكّر بالقاعدة التي سنّها  عقلاء الإسلام وهي ألا تعطى المناصب لمن يرغب فيها لأن من يرغب فيها تغلبه إذا تقلدها ، ومن ترغب هي فيه  يغلّبه ويقدره الله عز وجل عليها. وعسى أن يكون في هذا المقال نصحا لمنتصح ممن يلهثون وراء المناصب على اختلاف نواياهم . والله عز وجل من وراء القصد.  

وسوم: العدد 754