ليست النتائج الاقتصادية إلاّ ترجمانا لإرادة المواطن

ونحن نحتفل هذه الأيام بالذكرى السابعة لقيام الثورة التونسية، كثيرا ما يتساءل البعض من المنتسبين إلى المجتمع المدني أو إلى المثقّفين والنخب أو إلى مجلس نواب الشعب عن أسباب ومسبّبات فشل كل الحكومات المتعاقبة في تحقيق النسبة المأمولة للنمو ؟ ولكن لماذا لم تستطع كلّ هذه الحكومات الضغط على الأسعار والمحافظة على المقدرة الشرائية للمواطن ؟ ولماذا لم تنهض  خلال هذه السنوات باقتصاد البلاد ؟ حيث وصف أحدهم هذا الوضع بأنّ تونس تمرّ بسبع عجاف. وقال آخر  : لقد انتخبنا سياسيين خيّبوا آمالنا ولم يحقّقوا الحد الأدنى من مطالب الشعب ولم ينجزوا مشاريع تنموية، ولم يوفّروا فرص عمل جديدة. إنهم لم يسعوا للحفاظ على المقدرة الشرائية للمواطن. ومن هنا فهم يتهمون الحكومة بالتباطؤ في محاربة الفساد بل وبالتستّر عليه وعلى والمفسدين والمهرّبين.

من المؤكّد أنّ هذه الاتهامات مصحوبة بتلك النظرة القاتمة والسوداوية للوضع العام قد دفعت شرائح واسعة من المجتمع من نفض أياديها من السياسة والسياسيين ووضع كلّ الطبقة السياسية في نفس السلّة ونعتها بشتّى أنواع النعوت. لذلك فقد عبّرت هذه الشرائح دون لبس عن عدم رغبتها في المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة.  ولكن لسائل أن يتساءل عن مشروعية هذه التساؤلات والاتهامات ؟ وهل أنّ في الأمر إشكال مطلوب توضيحه ورفعه ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في ما تبقّى من المقال.

بداية، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الأغلبية، ورغم تواصل وهج الثورة، مازالت تفكّر بمنطق ما قبل الثورة. حيث أنّها تعتقد أنّ السياسيين هم من طينة خاصّة أو هم بشر بمواصفات خارقة للعادة، بوسعهم التحكّم في المشهد السياسي برمّته دون الرجوع إلى المواطن واستشارته. فيما أنّ المفترض هو خلاف ذلك. حيث يتوجّب على المواطن الوثوق بقدرته في تسيير الشأن العام من مثل تعيين وعزل المسؤولين. حين يثق المواطن بأنّ بيده الحلّ والربط في تعيين وعزل المسؤولين فإنّ السياسي سيسعى جاهدا لإرضاء المواطن بكلّ السبل. بما يجعل هذا السياسي أكثر استقامة ونزاهة. وهو عين ما قصده أبو القاسم الشابي في البيت المشهور :

إذا الشعب يوما أراد الحياة    فلا بدّ أن يستجيب القدر

وحين يتسلّل الفاسدون إلى مواطن القرار فلا يعني ذلك فساد الطبقة السياسية بقدر ما يعني وجوبا  فشل المواطن في تبيان المصلح من المفسد في الامتحان الانتخابي. ويستتبع ذلك أنّ توصيف الساسة بالنّفاق وتحميلهم لوحدهم المسؤولية هو، بدرجة أولى، تنصّل من تحمّل المسؤولية  وإلقائها على كاهل الغير، وبدرجة ثانية انعدام الثقة بالنّفس. وهو ما يستوجب تدخّل كل الاختصاصات لإعداد برنامج وطني يعنى بترميم المعنويات وإعادة الثقة لديه.

ولعلّ جميعنا يتذكّر مدى استماتة الحرس القديم في عرقلة مسار الثورة والتصدّي لإرادة الجماهير. حيث لم يفلح الثوار في تمرير مشروع قانون تحصين الثورة واصطدموا بعمليات اغتيال في وضح النهار كادت تعصف بالبلاد وتفضي بها إلى حرب أهلية، لولا حكمة بعض السياسيين من بين المناصرين والمعادين للثورة الذين اتفقوا على تغيير مجال ومكان المعركة، باعتبار أنّ الساحة تتّسع لكلّ الألوان السياسية. والأجدر أن تكون المعركة أو المواجهة سياسية وإعلامية وقانونية وتحت سقف البرلمان بدلا من مواجهة دموية في الشوارع والأزقّة إلى أجل غير مسمّى. هذه المقاربة الجديدة للتعايش السلمي المفقودة في موروثنا السياسي وحتّى الثقافي حيث يسود حبّ الذّات المهيمن على وعينا ولاوعينا، هي التي مهّدت لكلّ الخطوات والمراحل اللّاحقة من حوار وطني وتوافق سياسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية. فلو اختارت الطبقة السياسية أن تحلّ خلافاتها عن طريق السلاح وانخرطت في حرب أهلية هل كان باستطاعة المواطن أن يتّهم، في الجهر لا في السّرّ، الحكومة أو الأطراف المتنازعة بالتقصير في تحسين مقدرته الشرائية ؟

لذلك فالاعتراف بالآخر مهما كان مشربه السياسي وتوجهه الفكري، ونقل المعركة إلى قبّة البرلمان، هو بشكل من الأشكال إحالة الأمر كلّه إلى المواطن. فهو راهنا المسؤول الأساسي عن  اختياراته بدلا من السياسي. ولا يعتبر هذا الأخير إلاّ ترجمانا لإرادة المواطن ودرجة وعيه السياسي. لهذه الأسباب فإنّ المسؤولية عن كلّ تقصير حكومي تقع على عاتق المواطن بدرجة أولى. لأنّه لم يفلح في فرز الغثّ من السمين ولم يفلح كذلك في النجاح في الامتحان الانتخابي. أضف إلى ذلك أنّ القانون الانتخابي المعتمد لا يعطي الأغلبية لحزب بذاته وهو ما يعزّز ضرورة العمل بالتوافق. ولا يختلف اثنان في أنّ التوافق، حتّى يحصل بين الفرقاء، فإنّه يستدعي مضي بعض الوقت. وهو ما يترتّب عنه بعض التأخير في إنجاز المشاريع. كما لا يخفى على أحد أنّ وجود عناصر فاسدة ضمن بعض أحزب التوافق يعرقل بالضرورة مسيرة التنمية بما يترتّب عنه انخفاض نسبة النّمو. 

وسوم: العدد 756