دلالات استهداف تنظيم «الدولة» لحركة حماس

مع بداية هذا العام خرج علينا ما يعرف بتنظيم «الدولة الإسلامية» في ولاية سيناء بتسجيل قوي اللهجة، ليس ضد الكيان الصهيوني الذي تفصله عنه بضع خطوات، وليس ضد أي قوة أخرى في المنطقة يمكنه أن يختلف معها أو يكفّرها، وإنما ضد حركة المقاومة الإسلامية «حماس».

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها هذه التنظيمات الفوضوية عن استهدافها لحركة المقاومة الأهم في فلسطين. لماذا الإصرار على كلمة فوضوية؟ لأن هذه الجماعات، وإن ادعت انطلاقها من بعض المرجعيات والتفاسير، إلا أنها تظل ضمن دائرة الفوضى، فأولوياتها غير مرتبة وأجندتها عشوائية، ومنطقها لا يقنع إلا من كان بلا وعي.

من ذلك المنطق السقيم مثلاً، التفريق الذي يضعه التنظيم بين الكافر الأصيل والمرتد. ينطلق التنظيم من هذا التقسيم ليصنف حركة حماس في فلسطين والجماعات الإسلامية المناوئة، والرافضة لمشروعه جميعها ضمن طائفة المرتدين، حتى يخلص لجواز قتلهم عبر تنفيذ حد الردة عليهم، لاعباً دوراً مزدوجاً ومتناقضاً لقاضٍ وجلاد. قتل المرتدين، الذين هم في الغالب بهذا المعنى، من أهل العلم أو العمل الدعوي أو العام، لكن الرافض لمنطق الإرهاب، سوف تكون له الأولوية على قتال غيرهم، وإن كان ذلك الغير مجاهراً بكفره وبحربه على الدين أو على أهل السنة. سيتم تطبيق ذلك ليس فقط على الحالة الفلسطينية، ولكن أيضاً في العراق وسوريا وليبيا، وفي كل مكان وجد فيه ذلك التنظيم الأسود موطئ قدم.

هذا الأمر يبدو مشابهاً لحد كبير لما يقوم به تيار «السلفية المدخلية» المقاتل الذي يضع قتال المنتمين لجماعة «الإخوان المسلمين» على رأس أولوياته معتبراً، بشكل يدعو إلى الحيرة، أن شرهم يفوق شرور أي عدو متربص بالإسلام أو السنة. هذا التيار الذي كان يكتفي لسنوات بالتكفير عن بعد، والتبديع لجميع من يعتبرهم منتمين للإخوان، سوف يدخل مع الأيام مرحلة أخطر ينتقل بها الكثير من أفراده ومشايخه، من مجرد التنظير الدعوي إلى القتال المباشر، أو التحريض على القتال، ليعمل أفراده جنوداً تحت إمرة كل من يشترك معهم في هدفهم الاستراتيجي، وأولويتهم غير المسبوقة والمتقاطعة مع أولويات الكثير من الفاعلين السياسيين: القضاء على الإخوان. ولعدم وجود اتفاق أو تعريف للمقصود بالإخوان هنا، سوف تشمل الكلمة تقريباً جميع الناشطين، من غير العلمانيين، في الحقل السياسي، وجميع المنافسين لمشروع الثورات المضادة. على هذا النحو يمكن لشيخ عاش طوال عمره منسوباً للسلفية، أن يتحول بين ليلة وضحاها لإخواني مرتد مهدَر الدم، بمجرد أن يدلي برأي سياسي أو بمجرد التعبير عن أي وجهة نظر ناقدة أو ناقمة.

حدود غزة هي أحد مسارح هذه الكوميديا السوداء، وفي مشهد درامي قصير سوف يتم تداوله عبر الوسائط الإعلامية المختلفة، سيقوم تنظيم «الدولة» بقتل «أحد المرتدين» المتهمين بمحاولة تهريب سلاح لكتائب القسام. مشهد يصل ذروته العبثية حين يظهر وجه «بطل» الفيديو، قائد التنظيم الفلسطيني الذي كان معروفاً حتى وقت قريب بسلوكه الإجرامي، وبخروجه عن الأخلاق والقانون.

هل كان هذا التنظيم يقصد أن يقدم خدمة مجانية للاحتلال، بمنع السلاح من أن يتوجه إليه؟ سؤال صعبة الإجابة عليه، لكن، وبغض النظر عن النوايا، فإن الواضح هو أن مشروعه الفوضوي يتماهى مع المشروعات الأيديولوجية والسياسية الأخرى، التي تعلن صراحة أنها في عداء مع جماعات الإسلام السياسي بما فيها تلك التي تحكم، أو التي تقاوم الاحتلال. يتولّد عن هذا السؤال سؤال آخر وهو: هل كان لهذه الجهات الأخرى دور في ولادة هذه التنظيمات، أو على الأقل تسهيل مهمتها، أو غض الطرف عنها على الطريقة الفرنسية «دعه يمر، دعه يعمل»؟ وهل تبقى دول الإقليم جادة في محاربتها، في الوقت الذي يمكنها فيه أن توظفها لخدمة مصلحتها الخاصة المتمثلة في الاستفادة من الفوضى التي تخلقها من أجل إعلان حرب مقنعة، لكن عشوائية بدورها، ضد الإرهاب؟ 

الثابت أن جهات كثيرة تستفيد من وجود هذا التنظيم وشركائه، من أجل وضع البيض في سلة واحدة، وتصفية حساباتها مع جميع الفاعلين السياسيين ممن يرفعون شعار الإسلام. هذه الجهات من مصلحتها ألا تقاطع هذا التنظيم وأن تسمح له بمواصلة مشروعه الفوضوي، الذي يضع الحركات الإسلامية، العدو المشترك، في قلب دائرة الاستهداف، إن لم يكن كعدو وحيد، على الأقل في الوقت الحالي. لكن إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه السياسة ناجحة على المدى البعيد؟ فبعد إعلان تنظيم «الدولة» بشكل صريح استهدافه لحركة حماس، يكون قد بات من الواضح للمراقب المحايد أن هناك فرقاً مهماً بين الطرفين. بين الطرف الذي يضع من قتل المسلمين وأبناء جلدته أولوية، والطرف الآخر الذي يحصر همه في قتال العدو وسلطة الاحتلال.

كل ما سبق يثبت أيضاً أن هذه التنظيمات ليست مجرد ذراع من أذرع الإسلام السياسي، وهي الفكرة التي ظل يروّج لها في الإعلام بربط هذه الجماعات بجماعة «الإخوان المسلمين» مثلاً، واعتبار أنها قد جاءت بهدف الانتقام واسترجاع حكمهم في مصر، بالتنسيق مع حركة حماس، حيث بدا واضحاً مما لا يدع مجالاً للشك أنها تناصب هذه الجماعة بالذات، وما تفرع عنها، عداءً لا نظير له. هل ستغير دول الإقليم المؤثرة نظرتها لهذه الحركات تبعاً لهذه الحقائق؟ الأيام المقبلة قد تحمل إجابة على هذا السؤال، وإن كان من الراجح أن تبقى الأمور كما هي عليه الآن، وأن يستمر كثيرون في اتباعهم سياسة «السلة الواحدة» خوفاً من إضفاء الشرعية على أي حركة ذات مرجعية إسلامية. 

في حالة قطاع غزة يبدو أن من مصلحة الكثير من الأطراف، وعلى رأسها طبعاً الكيان الصهيوني، أن تنشغل حركة حماس وغيرها من حركات المقاومة بحروب جانبية مفتوحة واستنزافية.

وسوم: العدد 756