سنجفف المستنقع لينبت فيه الزرع والشجر

ولن تقتل البعوضة

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

على حافة مستنقع كبير ومترامي الأطراف يقف شيخ كبير السن هرم تجاوز عمره المائة سنة

يحدث نفسه بأسى عميق , يقول لها :

كلما أنظر لهذا المكان المليء بشرور خلق الله من أفاعي وتماسيح وجراثيم وروائح عفنة , يخالجني خاطر , لو أن هذا المستنقع قد تم تجفيفه ودفنت شروره , وخروج تلك الرائحة العفنة منه

فهل من الممكن  الشعور بالراحة التامة ؟

صدقيني يانفسي لقد تعودت عليها ,تعودت على لسعة بعوضها وقرف رائحتها , حتى أصبحت أخشى رائحة الورد والمسك والعنبر

هل تعرفين فلان ؟

إنه كان في اليوم الذي يجبره أحد على غسل بدنه

 أتعرفين كيف كان يصبح ؟

كان يصحو مريضا تعسا مهموما , ولا يعود لحاله السابق من النشاط والقوة إلا من بعد أن يغطس في هذا المستنقع الكريه

إنها صوت تلك البعوضه, تئن فوق أذني لقد قطعت علي تفكيري

صوت مزعج حقا تفوح منه رائحة البعوض , ولسعاتها المزعجة

ويحاول قتلها ويحرك يديه ويضرب كفيه على بعضها لتهرب منه وتلتف لجهة أخرى ,وأخيرا قتلها وشفى غليله منها

أو لعله بقتلها قد استراح من هم المستنقع الكريه

في وطننا العربي تتكالب الحشرات حول مستنقعاتها , وتتعدد الوسائل لمكافحة تلك الحشرات والآفات

وبتعدد تلك الوسائل , منها الطارد لها مؤقتا ومنها القتل بالسم والموت البطيء

ولكن كيف تنجح تلك البدائل مع الكثرة المتكاثرة لتعيش في تلك البيئة المناسبة؟

من البديهيات عندما يمتلك شخص ما أرضا , فلا بد له من مراعاتها بكل الوسائل حتى يحصل منها على الهدف الذي من أجله امتلك تلك الأرض

والتفكير البديهي إخراج المستنقعات منها بوسائل الصرف والتصريف

يوجد اثنان وعشرون مزرعة , وكل مزرعة فيها يكاد المستنقع يغمرها كلها , والباقي منها يعيش على لسع بعوضها وفساد عضوياتها برائحة كريهة تشمئز منها حتى نفوس ذبابها

تناول معظم الكتاب العرب هذه الأيام موضوع السفن التي كانت متجهة لغزة المحاصرة , ودخول الدولة الجارة للأمة العربية , الدولة الناشئة حديثا بقوة, بعد أن كانت تغيب وراء تآمر أبنائها عليها , وقد هيأ الله لها زعماء مخلصين لأمتهم همهم الخروج من كنف الأقوياء ليصفوا معهم أو يكونون ندا لهم , وحملوا شعارهم الأول تركية أولا

ولم يطاردوا حشرات مستنقعاتهم , والرش على أجسامهم عطورا باريسية , للتخفيف من روائح المستنقعات

وإنما كان همهم القضاء على المستنقعات لتكون مزارع تنتج كل الخيرات التي منحها الله للبشرية جمعاء

ويأتي الخبر ليكون الضحايا بمعظمهم من هذا البلد المسلم

وكانت الدماء الطاهرة والتي سالت على ظهر تلك السفن من الأتراك , ونحسبهم شهداء إن شاء الله تعالى

وتسببت جريمة الصهاينة تلك المضافة لجرائمهم الكثيرة المستمرة والمتواصلة , بضجة عالمية كبيرة , جعلت من المعتدين الصهاينة يتخبطون بظلام الحقيقة في انكشاف إجرامهم للناس جميعا , وحتى من قبل المحسوبين عليهم وفي صفوفهم

هذه الضجة الكبيرة أفقدت أيضا توازن الكثير , ممن اعتادوا على المستنقع الكريه وحياة المستنقع

قتل الآلاف والآلاف من العرب ومن الفلسطينيين بأيدي المجرمين الصهاينة وبمالكي المستنقعات

ولم نسمع صوتا منددا

ولم نسمع صوتا معارضا

واختلف الأمر هذه المرة

وانبرى كتاب يقولون

فحاكم تركيه مثله كالذي سبقوه من ملاكي المستنقعات في الوطن العربي , كلام وإعلام وحلم بالعودة لربوع مصر والشام والحجاز

لأنهم يخافون من الرائحة الطيبة , والأشجار المثمرة والفواكه اللذيذة الخالية من السموم الفتاكة , فقد تعودوا عليها , ولا تهنأ حياتهم إلا بتلك المستنقعات

وكان خوف مالكي المزارع الموبوءة أشد خوفا وحرجا , ولسان حالهم يقول :

إن جففت تلك المستنقعات , وملئت بالخير والحياة النظيفة

لن يبق لنا ملكا بعد الآن!!!!!!!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ونعود للرجل المسن  الجالس على حافة المستنقع

ويقطع عليه سرحانه وحديثه مع نفسه حفيداه

 ولدا وبنتا

بعمر الورد والورد مرسوم على خدودهما ويقولان له بصوت واحد

غدا ياجدي نكبر إن شاء الله

غدا ياجدي سوف نمرح ونلعب على تلك الأشجار ونقطف من ثمارها وهناك سيكون بيتنا المنشود

بعد أن نجفف المستنقع ونطرد السوء ويعم الخير فوق هذه الربوع

وطبعا قبلتين على وجنتي الجد الحبيب