من تناسل موجتين
صالح أحمد
أقرب من أي وقت مضى من حافة الشمس
الأعين تغدو ومضات من نار بعيدة..
بكل وضوح ترى الخرافة عالقة في الأفق بلا أجنحة..
في الجو شيء ما ينعش الذاكرة
لا شيء يمنحنا جناحه... حين نصير بحاجة إلى أفق
والجرح يمكنه أن يفصلنا عن بقية الفصول
إذا نسينا لحظة أننا يمكن أن ننساه ..
و ننسى أن الأنفاس لا تحتاج إلى نوافذ للخروج
في الكهف تصير الأغاني مخدِّرًا لمن غرق بحلمه الكبير
وغمامةُ روحه تأبى أن تطير
وفي أعماقه صوت.. كم تمنى أن يتبيّنَ ملامحه!
وذاكرته جزيرةٌ بلا مدّ ولا جزرٍ... ولا قاع ولا قمّة...
كيف للموج ان يعلن براءته من مُراوَدَةِ الرمال عن سكونها...
أواه يا مشاعري...
ما كنت تبحثين عنه في الأمس ... لا تذكرينه الآن...
فما كنتُكِ بالأمس...
وأخاف أن أصيرك الآن...
نهارنا عادي...
والعادي لا يَلفِتُ إليه العابرين..
والوقت لا يكفُّ عن انتهاك احلامنا الخاصة..
وكيف للحلم أن يحفظ مواصفاتنا ...
ونحن ننتظرُ أن تَلتَحِقَ الأماكنُ بأحلامنا
وفي الكهف هناك ...
صرنا نستحي أن نشم رائحة جلودنا
نغري ضمائرنا بهدوئنا النّسبي ..
ويغرسنا التوتر في عمق السّكينة
حوارًا لا يشبهنا
ويعلن الحب قراره فينا:
مصائر الشعوب تجسيد لتضحياتها.
أين سنقضي أوقات فراغنا؟
والأماكن تبتعد كلما اتّسع الفراغ!
هكذا اعتدنا الانحناء لكل تجاعيد الزمن!
وبعيدا عن كلِّ فراغٍ يسكننا
يبدو اللّحن غريبا غريبا
يغرينا بممارسة الانطلاقِ حلما إلى مساحاتِ الفرح!
والخوف يغدو سيدا ...
حين يصيرُ صوتُ الظِّلالِ الهابطَةِ أقوى من موج نبضنا.
تحت جنح الظّلام ...
دائما يطيبُ للخوفِ أن يلبسَ ثوبا آخر
ويطيبُ للمرايا أن تعكسَ ذاتَها
وتجدُ الأوهامُ العاريةُ لها زاوية
وحيث لا تعودُ تخجلُ من عُريِها
تحت جنح الظلام
تَتَجَعَّدُ المساحاتُ... وتَتَقَهقَرُ الأخيِلة...
وتغدو البطولةُ رحلةً في مغامرةٍ هاجعة
والسّكوتُ والسّوادُ توأمين
تمتصنا الأرضُ في رحمها...
وتقتربُ السماء... حتى تلامسَ إحساسنا
وتُخرِجُ النَّفسُ أثقالها
تحت جنح اللّيل ندرك كيف يولد الزمن من تناسل موجتين
ليجعلنا نكذّب في الليل ما صدقناه في النهار
وننكر الأسطورة ...
فطروادةُ العظيمةُ لا يمكنُ أن يَفتَحَها حصان...
تحت جنح الظّلام...
وفي الطريق نحو هجعتنا؛ تنتصب ملامحنا...
وكم نبدو غرباءَ عنها!
كلُّ صدقٍ فيها... كذبٌ صار فينا!!
خرجنا عليها... وبقيت فينا
لا جلد لها نَتَسَتَّرُ فيهِ... وقد خَلَعَتنا جُلودنا
وبتنا نتسابق إلى أفقٍ مخنوقٍ بدخان أوهامنا
لا الهدهدُ جاءنا بخبرٍ يقين..
ولا قلوبنا سالمة لنا... ولا بنا
وعلينا باتت تتمرَّد المعجزة
فمتى سنمنح الزّمان أكثر من انتظاره وهو يعبرنا؟
متى سندرك انّ الزمان لا يكون إذا عشناهُ... بل إذا عاش بنا!
كأي شيء قادمٍ
سيكون ذاهبا...
إذا لم نسكنه...
إذا لم نجعله يسكننا...
بردٌ هنا...
برد يتصعّد من أفقنا... من ليلنا ... من صمتنا...
كثيرا ما سألت الموت: كيف نموت؟
وكان يمضي ساخرا...
الموت لا ينظر إلى الواء...
ها هم عُشّاقه دائما في المقدِّمة
آخذين بناصية الحياة إلى الحياة
هكذا صار لحن الأغنية!