الحبكة الروائية في "نطفة سوداء في رحم أبيض"
صدرت عام 2019 رواية "نطفة سوداء في رحم أبيض" للكاتبة الفلسطينية سماح خليفة، عن مكتبة كل شيء الحيفاوية، وتقع الرواية التي صمّم غلافها وأخرجها شربل الياس في 282 صفحة من الحجم المتوسط.
عنوان الرّواية: جاء في الرّواية أنّ أحد جنود الإحتلال في المسجد الأقصى جرّ "أمل" إلى ظلّ شجرة وضربها بقسوة حتّى أفقدها وعيها:"ثمّ جرّدها من ملابسها بوحشية،وأنزل بنطاله كاشفا عن عضوه المنتفخ بالسّمّ الصّهيونيّ، اقترب من أمل وأفرغه في رحمها الطّاهر دون هوادة أو رحمة"ص 168. وهكذ نجد أنفسنا أمام عمليّة اغتصاب، ليتبيّن لاحقا أنّ المغتصبة قد حملت سفاحا جرّاء ذلك، ومن هنا جاء عنوان الرّواية.
ملخص الرواية: تتحدّث الرّواية عن الحرب والإحتلال والمرأة، في زمن يمتد إلى أكثر من أربعين عاما، وتدور أحداثها في مدينة القدس بشكل رئيسيّ، وفي رام الله وبغداد والقاهرة.
وأمل إمرأة مقدسيّة في حرب حزيران 1967 قتل والدها وشقيقها أمام عينيها في ساحة البيت الواقع في واد الجوز في القدس، وهي طفلة لا تقوى على فعل شيء، ورغم تداخل الأحداث وتعدّدها بين حبّ وكراهية وحروب تنهي دراستها الثّانويّة بتفوّق، لترسل في بعثة دراسيّة لدراسة الطّبّ في جامعة بغداد، وهناك تقع في غرام زميل دراسة عراقيّ فيتزوّجها، وتنجب منه طفلة أسمياها حريّة، وتعود لزيارة عائلتها في القدس، وأثناء زيارتها للمسجد الأقصى اعتدى جنود الإحتلال على أخيها يوسف الذي كان برفقتها، وعندما شتمت أحد الجنود الذي اعتدى على أخيها، قادها إلى شجرة معمّرة، واغتصبها، لتحمل منه سفاحا، ورغم جراحها وعذاباتها عادت إلى زوجها العراقيّ، واعترفت له بما جرى لها، فتركها لتعود إلى القدس مرّة ثانية، وتنجب طفلها الذي لم تتقبّله، وأثناء زيارة أخرى للأقصى وأثناء اشتباكات مع المحتلين، ضاع ابنها في باحات المسجد، ليخبرها يوسف الذي بقي ليبحث عنه أنّه قتل، فلم تكترث لذلك، ولم يرد في الرّواية أيّ متابعة لذلك، أو التّحقّق من صحّة مقتله، أو دفنه! بل انتهى الحدث بخبر مقتله فقط! وتراه لاحقا جنديا عند حاجز قلنديا العسكريّ الواقع بين القدس ورام الله، لكنّها لم تتحقّق من شخصيته إن كان هو حقيقة أم أن الجندي يشبهه، لكنّه يطلق الرّصاص عليها ويقتلها.
البناء الرّوائيّ: تعدّدت أحداث وحكايات الرّواية وتشابكت بطريقة لافتة ومشوّقة، وإن ورد فيها مرّات تقارير إخباريّة بعيدة عن السّرد الرّوائيّ، كما تعدّد الحوار بين شخصيّات الرّواية بطريقة لافتة وهذا يسجّل لصالح الكاتبة. ومن هذه الأحداث حرب حزيران 1967، حريق المسجد الأقصى عام 1969، وفاة زعيم الأمّة جمال عبد النّاصر، الحفريات تحت المسجد الأقصى، انتفاضة النّفق تحت الأقصى، تهريب نطف من الأسرى لتحمل نساؤهم وتنجب أبناء، اقتحام شارون للأقصى عام 2000 وغير ذلك.
وواضح لمن يقرأ هذه الرّواية أنّ الكاتبة متمكّنة من الفنّ الرّوائيّ. لكنّها وقعت في أخطاء لا يمكن التّغاضي عنها، وقد يكون سبب ذلك هو عدم معرفتها للمدينة المقدّسة التي يمنعها المحتلّون من دخولها كما هو حال بقيّة أبناء الأراضي الفلسطينيّة المحتلة في حرب حزيران 1967. ومن هذه الأخطاء ما جاء في الرّواية عند إشعال الحريق المتعمّد في المسجد الأقصى يوم 21-8-1969، "دخان يتصاعد من مسجد عمر بن الخطاب، وكذلك من مسجد قبّة الصّخرة الواقع في الزّاوية الجنوبيّة الشّرقيّة للأقصى، ومنبر صلاح الدّين ومحراب زكريّا......إلخ". والحقيقة أنّ النيّران أُشعلت في المسجد القِبْليّ، ومنبر صلاح الدّين هو منبره، ولم تصل النيران قبّة الصّخرة، التي هي أحد المساجد القائمة في باحة المسجد الأقصى شماليّ المسجد القبليّ، ولم تصلها النّيران، ومسجد عمر بن الخطاب يقع أمام كنيسة القيامة على بعد بضعة مئات من الأمتار عن الأقصى، واستعمال الكاتبة اسم "مسجد عمر بن الخطّاب" عن الأقصى خطأ فادح، حيث أنّ المحتلين الإسرائيليّين يطلقون هذا الإسم على المسجد الأقصى.
والخطأ الثّاني أنّه عندما حاولت أمل ويوسف السّفر إلى مصر:" شغّل يوسف المحرّك، وانطلق بسرعة البرق، وفي حدود ساعة تقريبا كانا على معبر رفح"ص 95، وهذا كان عام 1970، ومعروف أن رفح تقع جنوب قطاع غزّة، ومن يسافر من القدس إلى قطاع غزّة، يدخل من شمال القطاع حاجز جباليا"حاجز إيرز". وفي تلك المرحلة لم يكن هناك ما يسمّى معبر رفح، لأنّ اسرائيل كانت تحتلّ صحراء سيناء.
والخطأ الثالث جاء في وصفٍ "لحرّيّة" : ترنو بنظرها نحو قبّة الأقصى الذّهبيّة الشّامخة" ص202، والقبّة الذّهبّيّة هي قبّة الصّخرة، أمّا قبّة الأقصى فهي رصاصيّة.
اللغة: استعملت الكاتبة اللغة الفصحى، والانجليزية في الحديث مع كلارا التي ترمز إلى بعض المؤسّسات الأجنبيّة التي تتجسّس على الشعب الفلسطيني تحت شعار مساعدته. وقد ورد في الرّوايّة أكثر من مئة خطأ لغويّ ونحويّ، وكان واضحا سوء استعمال الجملة بعد "أمّا" وهي حرف شرط وتفصيل وتوكيد، تأتي لربط جملتين، يجب أن تأتي الفاء بعدها كقولنا:"جاء محمد أما زيد فغاب."
وسوم: العدد 842