"الخاصرة الرخوة" رواية تنويرية
سماح خليفة
صدرت رواية "الخاصرة الرّخوة" للأديب المقدسي جميل السلحوت أواخر العام 2019 عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع الرّواية في 260 صفحة من الحجم المتوسّط.
قال تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً "
الوسطية في ديننا الحنيف هي الاعتدال في كل أمور الحياة، هي منهج فكري واضح وموقف أخلاقي وسلوكي علينا أن نلمسه في ممارساتنا الحياتية واليوميةK وفي تعاملاتنا، ومع أهلنا وبيتنا ومجتمعنا ومحيطنا، بل وأبعد من ذلك، دون الاقتصار على التنظير، فالإسلام وسط بين المادية المقيتة والروحية الحالمة، بين الواقعية المُرّة والمثالية التخيلية، بين الثبات الرتيب والتغير المضطرب، بين الحاجات الملحة والقيم البعيدة، بين العقلانية الباردة والعاطفية المتقدة، بين نوازع الجسد ومتطلبات الروح، بين القيود الخانقة والحرية الانحلالية، هو نقطة الجذب المركزية التي تحفظ توازن الإنسان وتقيه من الإنفلات إلى عوالم الشقاء، عالم الداعشية المتزمتة التي تظلم المرأة وتعتدي على حقوقها باسم الدين، لا كإنسان كامل له كافة الصلاحية في اختيار مصير حياته وشريك حياته وأسلوب حياته، دون وصي بالإكراه يجردها من عقلها وإحساسها وكيانها.
أو عوالم الانفلات والحرية الزائفة الشكلية المتمثلة في الخلع والعلاقات المحرمة، والتعامل مع المرأة كأنها قطعة حلوى مكشوفة، يتلذذ بها الرجل ثم يبصقها.
وبالتالي فإن المغالاة والتطرف في شتى القضايا ستودي في النهاية إلى نفس النتيجة، التطرف الديني المنغلق، والتطرف اللا أخلاقي المنفتح، يلتقيان في نقطة سوداوية واحدة تودي بهلاك المجتمع، وسببه في الحالتين الجهل؛ ليُخلق في كل حالة ضحايا تهز أركان المجتمع الآيل للسقوط.
النتيجة السابقة الذكر هي ما خلص إليها الكاتب جميل السلحوت في روايته "الخاصرة الرخوة"، والتي كان أبطالها نساء ضحايا، ولكن على طَرَفي نقيض.
عائشة التي تزوجت وطُعنت في شرفها فقط بسبب الجهل وذكورية الرجل المتمثلة في فض بكارة المرأة ورؤية دمها، لينتشي بفحولته؛ لتعاني هي نفسيا وجسديا، فتُطلَّق وتُزوّج من جديد، ليثبت جهل المجتمع بتكوين المرأة وأنواع غشاء البكارة.
جمانة التي حُرمت من استقلاليتها واختيار شريك حياتها، خوفا من هاجس العنوسة، لتنتقل من تهميش الأهل إلى تهميش الزوج أسامة الذي يفرض عليها الطاعة العمياء، بحجة الدين وتشبثه بالآراء المغالية المتطرفة لبعض السلف، ورفضه النقاش والبحث في الشريعة الحقة، خوفا من دحض ما يقول، وبالتالي إبقاء زوجته في قفص التنمر والاستغلال وتهميش إنسانيتها وحقوقها المادية والمعنوية، لتخلص في النهاية إلى إنجاب طفل وطلاق، طفل لا ذنب له في هذه الدنيا؛ ليجد نفسه بين تناحر وتشرذم علاقة والدين غير مسؤولَين، نتيجة أب متنمر وأُم لم تمتلك الجرأة؛ لتقول لا إلا بعد فوات الأوان.
وأمّا صابرين ابنة عمّ جمانة، فهي تخلت عن مبادئها وعذريتها من أجل شاب ثري تعلق به قلبها؛ فأحبته وأقامت علاقة معه، لتكون النتيجة طفل وطلاق ومعاملتها ككائن نفدت صلاحيته، فألقي به على قارعة الحياة، ليحل محله كائن آخر أو امراة أخرى.
التطرف الديني المتمثل في أسامة والتطرف المنحل اللا أخلاقي المتمثل في صابرين، يلتقيان في النهاية بزواج مشوّه مبتور، ليعود من جديد ليشوّه وجه العالم وينجب كائنات مريضة فكريا ونفسيا.
إضافة إلى جهل مستشرٍ في المجتمع، والذي يتحمله المرأة والرجل على السواء، فوالدة جمانة هي التي ضغطت على ابنتها للقبول بالزواج، بل واشتركت مع زوجها في تهميش رغبة ابنتهما في رفض العريس الذي لم تتقبله منذ اللحظة الأولى، لكنها رضخت، ولم تقوَ على الرفض حتى بعدما أدركت عقلية خطيبها الشبقة والمتمثلة في وظيفة المرأة كمتعة جنسية فقط، جسد بلا عقل أو روح.
وكذلك والدة صابرين التي وافقت ابنتها في زواجها فقط خوفا من الناس والفضيحة، فزجت بابنتها إلى أحضان شابّ شبق، تفكيره يقتصر على النساء والجنس. إلى والدة عائشة التي سكتت على طعن شرف ابنتها وهي مقتنعة ببراءتها، ولم تطالب بفحص ابنتها خوفا من المجتمع الذي لا يرحم.
هذه الرواية تربوية تنويرية أنصح الجيل الشاب بقراءتها، ولكن لي مأخذ عليها وهو كثرة إيراد الأدلة من الأحاديث النبوية وسندها، حتى خلقت شرخا في تسلسل أحداث الرواية وسلاستها، كان على الكاتب الإشارة للقارئ بالرجوع إلى المصادر، وليس حشو الرواية بهذا الكم من الأدلة، فهي ليست كتابا فقهيا.
وسوم: العدد 857