(السيرة النبوية – الصحوة – النهضة ) 7
مراحل الشمولية في الإحياء والنهضة والتجديد
1- المرحلة الأولى : (الشمولية العقيدية) ج1
الشمولية عقيدة يعتقدها كل مسلم في الإسلام، وتقوم هذه العقيدة على أساس خلاصته: أن الإسلام دين كامل شامل، صالح لكل زمان ومكان، لأنه دين رباني صادر عن علم الله سبحانه وتعالى، وهي عقيدة واجبة على كل مسلم في إسلامه، ومنكرها خارج من ملة الإسلام، إذا تعمد الإنكار لهذه العقيدة عن قصد وعمد، يقول الله سبحانه وتعالى: اليوم أكملت لكم دينكم.. المائدة،3 وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً سبأ: 28، ولكن رسول الله وخاتم النبيين الأحزاب: 40، وقد ظن كثير من الدعاة في أيامنا، أن مخاطبة الناس بهذه العقيدة - الموجودة لديهم أصلاً - من افضل وسائل الدعوة إلى الإسلام، فاستنهض الهمم للعمل لصالح الإسلام، ونحن لا ننكر فائدة ذلك في تعريف الناس بإسلامهم، وجلاء عقائده في صدورهم، ولهذا حصلنا على الصحوة الإسلامية، كثمرة لخطاب المسلمين، من خلال علوم العقيدة والتفسير والشريعة والسيرة وغيرها، ولكن ماذا بعد ذلك ؟!
لقد قنع هؤلاء الدعاة لأنفسهم بدور محدد، هو دور الوسيط الناقل لعلم التفسير وشروحه والحفظ والاستظهار للنصوص الشرعية وقصص السيرة، حتى وصلوا إلى مرحلة الاجترار وتكرار الذات، وفي ظنهم أن هذا يكون كافياً لدعوة المسلمين إلى تطبيق الإسلام، والنزول به إلى الواقع العملي، من خلال الخطب والدروس والمواعظ والتذكير، فكان عملهم أشبه بعملية تنمية عامة للوعي الجماهيري بالإسلام. ثم انكشف عجز هؤلاء، ولم يكن في جعبتهم شيئا غير هذه التنمية والتذكير بصلاح هذا الدين وكماله، ثم أصبحوا كالصفر الذي يدور حول نفسه، لا يعلمون ما هي الخطوة الثانية بعد هذه الصحوة. لم يتخل الإسلام عن صلاحه ولا تنازل المسلمون عن عقيدتهم بصلاح دينهم لكل زمان ومكان، ولكن ما سبب هذه الحالة من العجز المذهل؟!
والسبب كما أرى أن دعاة الإسلام لم يستطيعوا نقل المسلمين إلى التجربة التطبيقية التي تحول شمولية الإسلام وصلاحه إلى واقع ملموس، في الحياة المعاصرة، لأنهم فشلوا في تنزيل الإسلام على واقع الناس، وكان السبب في ذلك عائد إلى خلل في فهم الدعاة، يوم أن ظنوا انهم قادرون على النزول بالإسلام إلى التطبيق المباشر وبدون مراحل علمية، ومن خلال علوم التفسير وبدون علوم وسيطه.
لقد نسي كثير من الدعاة أن علوم التفسير، وعلوم الحديث، وعلوم السيرة، علوم متداخلة في طرحها، فعلم تفسير القرآن يحاول أن يصل إلى مقاصد الآيات في مواضعها، ضمن أسباب النزول، والموضوع الواحد المبثوث في عدة سور من القرآن الكريم، لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى، جعل علماء التفسير، يشرحون مقاصد هذه الآيات المبثوثة في أماكنها، لأنها هكذا وردت في القرآن الكريم. وجاء دعاة هذا القرن فنزلوا بالإسلام من منابعه الأولى (القرآن الكريم والسنة الشريفة) وتفسيرهما إلى الواقع مباشرة، وقد اعتمد هؤلاء نفس أسلوب علم التفسير، في الخطاب العام، وفي الدعوة للتطبيق، وكان علم التفسير علماً محكوماً بأسلوب الخطاب القرآني، الذي أرادته حكمة الله في مخاطبة النفس البشرية، حيث ينتقل بها القرآن الكريم أثناء خطابه الذي لا يسير على وتيرة واحدة - وإنما يتنقل بهذه النفس بين بساتين الحكمة الإلهية، بحيث لا تشعر بالسأم ولا يعتريها الملل، مرة يدفعها إلى التفكير في المخلوقات، ومرة يذكرها بالثواب، ومرة يهددها بالعقاب، ومرة يعظمها وأخرى يخاطب فيها عنصر الخير، ومرة يعرض أمامها خلاصة التاريخ الإنساني، انه خطاب متوازن، يشعر قارئ القرآن أثناء ترتيله براحة عجيبة ومنطق خاص، اسمه المنطق القرآني المعجز، فلما جاء علماء التفسير، وجدوا أنَّ علمهم محكوم بالتعرف على مقاصد الآيات، حسب أماكنها فالتزموا بذلك، وخيراً فعلوا.
وسوم: العدد 866