سُخْرِيَّةٌ حَادَّةٌ
من آثار ظاهرة النص القصيرِ السخريةُ الحادَّةُ، أي أن يجدَه متلقّوه قد نَبَّهَهُمْ على خَصْلة حقيرة تستحق الاستهزاء بها، لا يتحرَّج في ذلك من الإقذاع الواصم بها وَصْمًا لا يمَّحي، ولا إذا ما افتقدها فيمن حوله أن يدَّعيها بنفسه؛ فلا يكون أبلغ أثرا فيهم عندئذ منه، حتى إنهم لَيفتِّشون في أنفسهم عن مثلها خشيةَ أن يكون إنما عَرَّضَ بهم، ولا يعدمون إذا دقَّقوا أن يعثروا!
هذا نص قصير يعبر عن سخرية المستعبَد من المستعبِد، بثمان وعشرين كلمة، في ست جمل، على ثلاثة أبيات:
إِنْ أَكُنْ أَفْلَتُّ هَذِي الْجَزَرَةْ سَيِّدِي رَغْمَ الْعَصَا الْمُنْتَشِرَةْ
وَانْقَضَى عُمْرِي فَهَذَا وَلَدِي صَابِرًا مِنْ أَصْلِ قَوْمٍ صَبَرَةْ
حُمُرٌ تَحْتَكَ نَرْجُو إِنْ نَمُتْ فِيكَ أَنْ نُبْعَثَ خَيْلًا بَرَرَةْ
أما أبيات هذا النص القصير الثلاثة، فرَمَلِيَّة الأوزان الوافية المحذوفة الأعاريض المخبونة الأضرب المحذوفتها، رائيّة القوافي المفتوحة المجردة الموصولة بالهاء الساكنة:
والرَّمَل وزن ذائع معروف، ولاسيما هذه الصورة منه، يتيح لمن شاء أن يبطئ به أو أن يسرع، وقد أبطأ صاحب هذا النص القصير بالبيتين الأولين، ثم أسرع بالثالث؛ لعله يدل على رغبة الحمير من تحت المتسلِّط عليها، في أن تطرحه عنها أرضا، ثم كانت قوافي الأبيات كلها كأنها تَقافُزات الحمير بمن عليها!
وأما جمل هذا النص القصير الست -ومتوسط كلمات الواحدة منها "4.66"- فقد تَنَمَّطَتْ كلٌّ منها بمنزلة أركانها من التعريف والتنكير، على النحو الآتي:
لقد حرص صاحب هذا النص القصير على خلط الأحداث الماضية بالأحداث المستقبلة، وإدارة أكثرها على المتكلم، ومداخلة الجمل (إدخال بعضها في بعض)، والدلالة بالمذكور منها على المحذوف، مثلما يفعل كل ساخر يريد على ملأٍ من شهوده، خداعَ من يسخر منه، لكيلا يذهب عنه قبل أن يُنكّل به! ولم يكن يتحول عن حدث مُذِلٍّ، إلا إلى حدثٍ أشدَّ إذلالا، حتى لقد علق بالمستقبل من تخييل الأحداث المُذِلَّة ما لا سبيل إلى علاجه!
وسوم: العدد 872