حديثٌ عن اليمّ والبحر

ـ أرسلَ أحدُ الأصحاب، يسأل عن الفرق بين ( البحر، واليمّ )؛فأجبتُه بحسب ما بدا لي:

إنّ العرب تستعمل أكثر من لفظ حين حديثها عن البحر، فتقول:

ـ اللُّجة: وسطُ البحر وعميقُه.

ـ عُرْض البحر: الجزء الذي تسير فيه السفن.

ـ سيفُ البحر: الساحل في اليابسة.

ـ اليَمّ: ما بين وسطه وساحله، ويكون ذلك في البحر المالح والبحر العذب، تقول العرب: يُمَّ يُيَمّ، يَمًّا، والمفعول مَيْموم. يُمَّ الْوَلَدُ: طُرِحَ فِي الْيَمِّ، أَيِ الْبَحْرِ. يُمَّ السَّاحِلُ: غَطَّاهُ الْيَمُّ وَغَلَبَ عَلَيْهِ. يُمَّ الولدُ: إذا أدخلوه الماء من جهة الساحل ليعمدوه.

وهو في قصة موسى عليه السلام، بحر النيل، وكذا يسمّى في السودان ومصر، وأصدق ما يكون كذلك في وقت الفيضان، لسعته وعرضه، فأمُّ موسى استجابتْ لأمر الله، وألقتْ تابوته ( سريره ) في اليمّ، وليس وسط النيل، وطلبت من أخته أن تبقي نظرها عليه، فبصرت به وتابعته وهي على اليابسة، مما يدلل على أن اليمّ هو ماء النيل الأقرب إلى اليابسة. وواضح من سياق القصة الواردة بخصوص طفولة موسى عليه السلام، أنّ الأبنية كانت على طرف اليمّ النيلي، وذُكر أنّ قصور الفراعنة كانت شبه محاطة بالنيل.

وأمّا في قصة غرق فرعون، فهو في البحر المالح، سواء أكان لسان البحر الأحمر إلى سيناء في خليج السويس، أو العقبة، أو الذي اندثر وقامت عليه قناة السويس، وهو قريب من الساحل. فبنو إسرائيل شاهدوا غرق فرعون وهم على الساحل بعد نجاتهم، ما يعني أنّه قريب منهم، وليس في لجة البحر، وقذفُه إلى الساحل خير دليل على ذلك، لقربه منه.

جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة الخضر: " مَا عِلْمِي وَمَا عِلْمُكَ فِي جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا أَخَذَ هَذَا الطَّائِرُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ البَحْرِ "؛ لأنّهما كانا في السفينة، والسفينة في وسط البحر.

 وفي رواية: " وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ "؛ وذلك عندما يكون جالسًا على ساحله، وليس في عرضه.

وبهذا فإنّ ( اليمّ ) يكون في البحرين: المالح، والعذب. وهي المنطقة التي ندخلها بعد الساحل، وهي التي لا ترسو فيها السفن الكبيرة؛ لأن غاطسها يتطلب درجة معينة من عمق الماء. وهي تصلح للغوص والمشي والسباحة فيها.

وسوم: العدد 877