قراءة في ديوان "هواجس الزمن المفجوع" للشاعر عبدالزهرة لازم شباري
" بوح يترامى فوق جراحات الزمن "
حزن ينخر قلب الزمن مع بكاء ً يحرق القلب والروح ، يرتعش كالنخل عندما تجرفه الأمواج بعيدا ً ، وتبكيه طيور البحر عندما تسلبه أرادة الحياة مجدها ، وتعطيه القوة التي لا يضاهيها الكلمات ، يمد يده الى سلة الحياة لتنفرج على وسعها الأبواب عندما تعانق حروفه في صمت ويقتحم بكل صخب أفكاره مع هواجس أنتثرت في نفسه فمزقت هدوءها ولامست شغاف الروح المفعمة بالحنين الذي لا يفارق ذاكرته .
الأرض تمتد في الخلود
وتحكي قصة الوفاء
ونحن ياسيدي نرنو الى الشمس
ونبكي ضحى الدماء
مددت يدي الى الشفق الأعلى
لأروم صرح عرشك وهو يعلو
الى جنان العرش
يسمو يا شهيد
في أعالي الكون
الآم صادقة عندما تتعطر الأرض بروح طائر أخضر في مواجهة الموت ، لوطن ٍ غال ٍ يبقى شامخا ً كقنديل مضيء في ظلمة الحياة ، ويكتب بدمه أعظم كلمات الوفاء ، عندها تغيب الشمس خجلا ً وتشتاق الأرض للسماء فتبعث لها عبقا ً من ريح التراب أمام ظمأ الروح الذي يستهوي القلوب رغم عتمة الزمن ، ليشرق لنا الأفق أزرقا ً صافيا ً صفاء الروح ، وتزهر الأرض بلون العطاء الذي تنشره يداه لأنه الأمان في وحشة الطريق ولأنه الأمل عندما يشرق من بعيد ..
عن دار كيوان للطباعة والنشر / سوريا ، صدر للشاعر "عبدالزهرة لازم شباري " المجموعة الشعرية " هواجس الزمن المفجوع " وتضم (30) قصيدة ، يعالج فيها الشاعر هواجسه عندما يرحل مع أسراب الطيور نحو دفء القلب عبر مرايا الروح التي تعزف أنغاما ً تبدد هالة الصمت ، ويحمل قلبه على هدب الرؤى لينثر شعرا ً عبر شواطىء مجهولة ، تبحر فيها جزر تخرج من قوقعة موج غطى كل فيافي الكون ، يعيش العمر مع أحلام ذابت في همسات الظلام من جوع وقهر ومرارات على درب الشقاء ويجلس محتسيا ً خوفه ويدخن من قبضات الزمن المفجوع ..
عندما تتوغلين في جسدي
يلد الشعر في باكورة دمي
وتتوهج ثريات أيامي
تقاسمني سنى العجاف ،
ويكبر الحب في قلبي ،
ينفجر كبركان هائج ،
وتولد الكلمات فراقدا
في سماء مملكتي
بقايا من عشق سرمدي يهصر قلبه ، وتشرئب عروقه النازفة من فيض الجراح ، وتشد ّه الرياح الى ألق الصواري وموج البحار بلا أشرعة ، عندما يرسم تأريخا ً فوق تموجات البحر من وجعه التي حبلت بالدموع ، تطارده أحلام الأمس التي راحت تحاكي الأزمنة التي تصرخ من حوله أوجاعا ً وحنينا ً في شاطىء مجهول ، يقتله ألم الوطن المذبوح ويعصر قلبه الحزن مع وجع السنين .
حلم
في عيوني
ارهاصات الزمن المفجوع ،
تسبح في ذاتي
المجهول ،
تنسج من أوردتي النازفة
قميصا أبتل من دماء
لونت أصابع الوجع
في مخادع نومي
يفتح عينيه على أرق الطريق ، وهو يرسم الآلام من وجع السنين عبر صوته الدامي ، يردد يا عراق ، يا عراق !! يفتتح القصيدة فوق أكتناز الشعر في رحم المرؤة والاباء ، مع أسراب طيور النوارس الراحلة خلف قرص الشمس ، وتحوم عالية بقلق مزمن ، تبحث عن ذاكرة مفقودة في جدار الزمن المنسي ، موحشة تلك الأيام التي تحتضن أناشيدها الحزينة وتذيب ما تبقى من فؤاد فوق أردية السماء .
قرب نصب السياب بدر ،
وعلى مشارف شط العرب ،
تتأرجح النوارس في الطيران
والركون سابحة في الماء ..
والتيار الصاعد نحو الشمال ،
هنا في هذه البقعة بالذات :
تشتد صيحات الطيور
وهي تمتهن الجوع والضياع
تتكور قطرات الندى في متاهات العيون ، تبحث عن مأوى في شفق الليل المظلم ، فوق مواجع الزمن ، يخفق القلب وتشد ّه الرياح مع شظايا الطفولة التي تسري في واد من الأحزان ، يلم الشعر فيضا ًمن بقايا الروح عندما يبوح الحب في قلبه التي ترتوي منها قناديل الحياة ، وتدخل في مسارات تغرق بماء الأمواج التي تمضي به الى زفرات عمق الأحبة .
عندما أقول أقول
تتكسر الكلمات في فمي
ويلفظني الزمن في متاهات الدروب ،
حيث أتكأ عللا أرصفة
الشواطىء الظليلة
وأنام بين هياكل المحار ،
وانا عار من الحب !!
هكذا عشنا مع الشاعر في قلق وحزن وهو الواقف وحده ، يجمع قصائده التي حبلت بالدموع فوهبته وترا ً لانغامه كالطير في فنن الحياة حين يسمع رنين الأرض وهي تعانق أنفاس الأنين التي تخفق خلف أستار الليالي التي تغفو على شفتي الحنين , في خلوة النفس تتداعى الهواجس وتتضافر الرغبات في البحث عن رحلة تأخذه للبعيد ولأوقات مضت .
وسوم: العدد 879