أنفال، وفداء أسرى بدر، وعظمة سيّدتنا أمّنا خديجة، وحبّ سيّدنا عمر بن الخطاب لأسيادنا آل البيت من خلال كتاب نور اليقين 12
الأنفال لله وللرسول:
قال الكاتب: "ثمّ قفل رسول الله راجعا وهنا وقع خلف بين بعض المسلمين في قسمة الغنائم: فالشباب يقولون كنا ردءا لكم فنشارككم، فأنزل الله حسما لهذا الخلاف، أوّل سورة الأنفال: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"، سورة الأنفال". صفحة 118
أقول: من عجائب غزوة بدر، أنّ المسلمين الذين جيّشوا الجيوش والسرايا، والغزوات لأجل السيطرة على قوافل قريش، وحين مكّنهم الله تعالى من قريش، ومن غنائم قريش أثناء انتصارهم في غزوة بدر، أمرمهم الله تعالى أن لايقربوها إلاّ بحقّها، وأن يقدّم حقّ الله ورسوله على الجميع، ومهما كانت الأسباب.
والأمّة العظيمة التي تدافع عن دينها وعرضها وخيراتها، وبرجالها، وشبابها، ودمائها، لهي أسمى بكثير من أن تتقاتل من أجل غنائم هي أقلّ بكثير من التي ضاعت سابقا ولم تستطع إدراكها. والتنافس على الغنائم ظاهرة صحية مالم تؤدي إلى فرقة، واقتتال، وتهديد لأمن الدولة والمجتمع.
استشارة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أسيادنا الصحابة في أسرى العدو:
قال الكاتب: "ولما دخلوا المدينة استشار عليه السلام أصحابه فيما يفعل بالأسرى". 119
أقول: عظمة القائد في أنّه يستشير مجتمعه، وجنوده، وضباطه فيما يستوجب الاستشارة. وموضوع الأسرى موضوع كبير، وخطير لأنّه يتعلّق بدولتين، وبحالة حرب، ومع عدو متربّص، والخطأ فيه ممنوع، وحسن تسييره من عوامل تثبيت النصر، ودوامه، ورفع المعنويات، وربح المعركة، وغرس الثقة في المجتمع والجند. وهذه العوامل وغيرها من التي نجهلها، وقد تحقّقت في الدولة الفتية، بفضل استشارة رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلّحة، سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لمجتمعه، وضباطه، وقادته، وجنده.
سيّدنا عمر بن الخطاب يدافع عن أسيادنا آل البيت:
قال الكاتب: "فقال عمر بن الخطاب (بشأن أسرى بدر): يارسول الله قد كذبوك وقاتلوك وأخرجوك فأرى أن تمكنني من فلان لقريب له، فأضرب عنقه وتمكن حمرة من أخيه العباس وعليا من أخيه عقيل". 119
أقول: تكمن عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب رحمة الله ورضوان الله عليه، في كونه طلب من جهة أن يقتص من أحد أفراد عائلتك، لأنّ العظام يقدّمون أقرباءهم للمغارم، ويؤخّرونهم في المغانم. وفي الوقت نفسه، طلب القصاص من أسرى العدو لأجل أسيادنا آل البيت رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا. مايدلّ على حبّه، وتقديره لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولأسيادنا آل بيته. وهذا السّلوك العظيم يعبّر عن عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب.
الاختلاف بين أسيادنا الصحابة فيما يخصّ الأسرى لأجل نصرة الإسلام والمسلمين:
جاء في الكتاب: أبدى سيّدنا الصّادق الصّدّيق رحمة الله ورضوان الله عليه، رأيه فيما يخص الأسرى، والمتمثّل في الحفاظ على أرواحهم، وطلب الفداء، وكان مخالفا تماما لرأي سيّدنا عمر بن الخطاب. وأخذ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم برأي سيّدنا الصّادق الصّدّيق.
أقول: بعدما طلب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الرأي والمشورة، وأشار قادته ومستشاروه بالرأي، وفصل في الأمر واختار مايراه يناسب نتائج الحرب، والرّفع من المعنويات، ونصرة الإسلام والمسلمين، وحفظ أمن وسلامة الدولة والمجتمع، فاتّخذه القرار النهائي بالفداء، وتعليم كلّ أسير فقير لعشرة من المسلمين مقابل نيل حريته، وإطلاق سراحه.
الفداء لأجل سيّدتنا أمّنا خديجة:
قال الكاتب: "ولما أسر أبي العاص زوج سيّدتنا زينب، بنت سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. أرسلت السيّدة زينب في فدائه قلادة لها كانت حلتها بها أمّها خديجة ليلة عرسها، فلما رأى عليه السّلام تلك القلادة رقّ لها وقال لأصحابه: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا لها قلادتها فافعلوا، فرضي الأصحاب بذلك، فأطلقه عليه السّلام بشرط أن يترك زينب تهاجر إلى المدينة". 121
أقول: تكمن عظمة مكانة سيّدتنا أمّنا خديجة رحمة الله ورضوان الله عليها في النقاط التّالية:
بمجرّد مارأى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قلادة زوجه سيّدتنا أمّنا خديجة، تغيّر رأيه فيما يخصّ الأسرى وبشكل جذري لصالح إطلاق الأسير، ومهما كان، وبغضّ النظر عن كونه زوج ابنته أم لا.
سيّدتنا زينب رحمة الله ورضوان الله عليها، كانت تعلم علم اليقين، مكانة سيّدتنا أمّها وأمنا خديجة، لدى سيّدنا أبيها صلى الله عليه وسلّم، ولذلك اختارت حلي سيّدتنا خديجة، لتشفع لها أمام أبيها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وقد نجحت في اختيار حلي سيّدتنا أمّنا خديجة، كوسيلة لإطلاق سراح زوجها.
مكانة سيّدتنا أمّنا خديجة لدى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، مقدّمة وأعظم من مكانة بنت سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لدى أبيها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بدليل أنّ سيّدتنا زينب تقدّمت بحلي أمّها سيّدتنا أمّنا خديجة، للشفاعة ولأجل فداء زوجها، ولم تتقدّم باسمها الشخصي.
قال سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لأسيادنا أصحابه، بعدما رأى حلي سيّدتنا أمّنا خديجة بنت خويلد وهو القائد: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا لها قلادتها فافعلوا". مايعني: أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، تعامل مع زوج ابنته على أنّه أسير وليس زوج، أي أطلب منكم أن تتعاملوا معه كأسير وليس زوج ابنتي، لأنّ المسألة تتعلّق بحرب وأسرى، ولا علاقة لها بالأمور الشخصية والعاطفية والعائلية. ثمّ طالب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أسيادنا الصحابة وللمرّة الثّانية، "وتردوا لها قلادتها فافعلوا". مايعني، تعلّق سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بزوجه سيّدتنا أمّنا خديجة بنت خويلد، لأنّه لايريد القلادة أن تخرج من بيت ابنته سيّدتنا زينب، لأنّ وجود القلادة يعني وجود ذكرى سيّدتنا خديجة بنت خويلد، ولا يرضى أن تبتعد عنه بإبعاد القلادة عنه. وهذا من تمام وكمال عظمة وفاء سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لزوجه سيّدنا أمّنا خديجة، ولكلّ مايشعل ذكراها كالقلادة التي زيّنت بها صدرها الشريف، في أوّل يوم من لقائها بسيّدنا زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وفي أعزّ أيّام الحرب، وتبادل الأسرى.
وسوم: العدد 993