رواية "رحلة إلى ذات امرأة" وواقع المرأة المظلم
رواية "رحلة إلى ذات امرأة" للكاتبة المقدسيّة صباح بشير، الصّادرة قبل بضعة أسابيع عن دار الشّامل للنّشر والتّوزيع في نابلس، تقع في مئتين وثلاث وسبعين صفحة من الحجم المتوسط، يحمل غلافها الأوّل لوحة للفنّان جمال بدوان، أمّا الغلاف الأخير فحظي بكلمة للأديب الكبير محمود شقير، كما حظيت الرّواية بكلمة تقديم من الكاتب زياد جيوسي.
استوقفني الغلاف بلوحته المعبّرة والمنتقاة بعناية، نشاهد امرأة ترحل من قفص فُتح بابه، وكأن العصفور المختبئ في ذات المرأة فرّ هاربا تاركا باب ذلك القفص مفتوحًا.
يمثّل القفص تلك القيود المفروضة على المرأة من قبل المجتمع، وتمثّل الطّيور التي تحلّق بعيدًا في السماء التّوق إلى الحريّة، ويمثّل البحر المسافات والسفر، وتلك الغيوم المتلبّدة في الأجواء تمثل واقع المرأة، أمّا المرأة التي قرّرت الرّحيل بحثا عن ذاتها، فتحكي حكايتها وتصف شعورها بالاغتراب؛ تأخذنا إلى واقع النّساء العربيّات عبر عمل خياليّ إنسانيّ، يغوص في قلب المجتمع، ليفضح عيوبه ويعرّيها، ويكسر التابوهات المحرّمة على الكاتبة العربيّة.
هكذا بين تيه وتيه تنقلنا الكاتبة بلغة عذبة جميلة لا تعقيد فيها، وأسلوب سلس مشوّق؛ لتشدّنا إلى قراءة الرّواية في جلسة واحدة، فتخوض في اغتراب المرأة عن مجتمعها، وطموحاتها المؤجلة والمقهورة، وأحلامها المبتورة ومعاناتها، تستشف الحياة في صورتها الحقيقية، بثراء تعبيريّ بلاغيّ وتصوير لغويّ؛ لتصوّر دراسة اجتماعيّة للعادات والتّقاليد القديمة البالية.
بما يخصّ المكان (القدس) فقد كان عنصرا هامّا في البناء الروائيّ، عكس هويّة الكاتبة ورسّخ قيمها، ومنح الرّواية خصوصيتها، ثمّة أمكنة أخرى وأحاسيس كثيرة وعميقة، جُمِعَت في هذا العمل، وتجلّت في واقعيّة السّرد والتّصوير الشّعوريّ والوصف والحوار، ولقطات صورت الواقع بدّقة فائقة.
استوقفتني غيرة الأخت غادة التي وصلت إلى الحقد والكراهية، فهذه الشّخصيّة مألوفة في مجتمعاتنا العربية مع الأسف بشكل أو بآخر، وما أقساه من شعور تحياه المرأة من أقرب النّاس إليها! ثمّ تأخذنا الكاتبة الى مشهد حميم آخر مختلف وهو صديقتها المخلصة ماري، التي كانت مثالا يحتذى به في الصّداقة والمحبّة.
أُعجِبت بصورة الأب المثالي المحبّ الحاضن، أمّا الأمّ فمثّلت صورة الأمّ الخاضعة التّقليديّة، وعن زواج حنان فزواجها الأوّل كان من عمر، الذي مثّل دور الرّجل الرّجعي السلبيّ، أمّا زواجها الثّاني الذي حظيت من خلاله ولو لفترة قصيرة بزوج محبّ مخلص فقد انتهى بمفارقة كبيرة لم تتوقعها حنان.
كما طرحت الرّواية بعض القضايا والمواضيع، أهمّها النّظرة إلى المرأة وواقع حياتها في المجتمع العربيّ، وما تواجهه من صعوبات وتحدّيات، وكيف تُربّى الأنثى منذ الصغر على دور الأمّ والزّوجة وأدوار نمطيّة محدّدة أخرى، دون أن تمتلك نفسها أو جسدها أو خياراتها وقراراتها في الحياة، فهي الكائن الضّعيف الذي يتمّ التّسلّط عليه والتّحكّم به، باسم العادات والتّقاليد تارة، وباسم الشّرع وبعض النّصوص الدّينيّة تارة أخرى، تلك النّصوص التي تُفسّر تفسيرا متطرّفا خاطئا، فتظلم المرأة وتحطّ من قدرها؛ لتبدو وكأنها خلقت لخدمة الغير وإرضائهم، لا للمضي قدما والمشاركة في صنع الحياة وتحقيق طموحاتها وأحلامها، والمساهمة في بناء المجتمع والأسرة النّاجحة.
وعن الأسماء فقد لفت نظري الاسم شروق ابنة حنان الذي رمز إلى الأمل بشروق شمس جديدة في حياة الأمّ.
على الصّعيد الشّخصي كقارئة توقعت نهاية مغايرة تنقلنا إلى عالم يجب أن نرتقي إليه؛ لتعيش الفتاة حياة زوجيّة سعيدة، لكنّه الواقع المظلم الذي يكتبنا ويحدد مصائرنا.
"رحلة إلى ذات امرأة" رواية جديرة بالقراءة والإبحار في أعماق الذّات النسائيّة.
أبارك للكاتبة صباح بشير هذا العمل الرّوائيّ الرّائع وأتمنّى لها المزيد من الابداع والنجاح.
وسوم: العدد 1026