شخصية الإمام الشهيد حسن البنا في الشعر الإسلامي المعاصر -2

ghhgdhfgd1041.jpg

كان من أبرز تلاميذ الإمام حسن البنا، وممن تربوا على دعوته، وشبوا عليها، وشاخوا، وهو من رجالها، فضيلة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي.

وقد عرف القرضاوي أول ما عرف بالشعر، فكان يقال له: القرضاوي الشاعر، وهو رغم اشتهاره بالفقه والفتوى الا انه لم يترك الشعر، فقد اصدر ثلاثة اعمال شعرية: يوسف الصديق (مسرحية شعرية) ونفحات ولفحات (ديو ان شعر)، والمسلمون قادمون (ديوان شعر).

لهذا كان جديراً بنا أن نستقرئ شعر القرضاوي حتى نعرف حسن البنا ودعوته، وحتى نرى أثر استشهاد الامام في شعره.

يقول القرضاوي في قصيدة له بعنوان ""يا مرشداً" قبل استشهاده بقليل، موضحاً أثر دعوة الإخوان المسلمين في الأرض:

يا مرشداً قاد بالإسلام إخوانا ***  وهز بالدعوة الغراء أوطانا

يا مرشداً قد سرت بالشرق صيحته *** فقام بعد منام طال يقظانا

فكان للعرب والاسلام فجر هدى*** وكان للغرب زلزالا وبركانا

ثم يتحدث عن أثر دعوة البنا في الأمة:

ربيت جيلاً من الفولاذ معدنه    ***   يزيده العسف إسلاماً وإيمانا

أردت تجديد صرح الدين إذ عبثت ** به السنون فهدت منه جدرانا

ترسي الأساس على التوحيد في ثقة***وترفع الصرح بالأخلاق مزدانا

ثم يبين موقف المعادين للإسلام من البنا ودعوته:

وثلة الهدم في السفلى مواقعهم*** صبوا عليك الأذى بغياً وعدوانا

ترميك بالإفك أقلام وألسنة ***    خانت أمانتها، يا بئس من خانا

وتنشر الزور أحزاب مضللة ***    تغلي صدورهم حقدا وكفرانا

فماذا كان موقف البنا ممن نصب له العداء وسام أتباعه مر العذاب:

آذوك ظلما فلم تجز الأذى بأذى*** وكان منك جزاء السوء إحسانا

وكنت كالنخل يُرمى بالحجارة من***   قوم فيرميهم بالتمر ألوانا

قد أوسعوك أكاذيبا ملفقة       *** وأنت أوسعتهم صفحا وغفرانا

ويعلق الشاعر على هذه المواقف النبيلة التي وقفها البنا من خصومه، فيقول:

ومن تكن برسول الله أسوته كانت خلائقه روحا وريحانا

والقرضاوي الذي عاصر الامام في دعوته، وعاش اللحظات الأليمة في يوم استشهاده، وأودع السجن لأنه من رجاله، ظل يحمل في أحنائه هذا المخزون الهائل المتراكم من الظلم الذي حاق بالإمام ودعوته ورجاله، فكثف كل ذلك في أبيات جعلها إهداء للإمام البنا بمناسبة ظهور ديوانه الثاني (المسلمون قادمون)، والقرضاوي في إهدائه يشير إلى موقع البنا الإصلاحي وارتباطه الوثيق بالدعوة الأولى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لك يا إمامي يا أعز معلم *** يا حامل المصباح في الزمن العمي

يا مرشد الدنيا لنهج محمد  ***      يا نفحة من جيل دار الأرقم

أهديك نفسي في قصائد صغتها***تهذي وترجم، فهي أخت الأنجم

ليس مجال هذا المقال تحليل القصائد، وإلا فإن قول القرضاوي ""أهديك نفسي "" يحتاج الى وقفة نحلل فيها شخصية هذا الشاعر الملتحمة بشخصية البنا التحاماً كاملاً، فكأنهما نفس واحدة.

ثم يعرج الشاعر على استشهاد البنا، ويؤكد أن استشهاده لا يعني أنه غاب عن ميدان الدعوة، فهو قد ترك وراءه رجالاً يحملون الدعوة التي حملها، ويسعون لبلوغ الهدف الذي سعى إليه:

حسبوك غبت، وانت فينا شاهد ** نجلو بنهجك كل درب معتم

شيدت للإسلام صرحا لم تكن ***  لبناته غير الشباب المسلم

وكتبت للدنيا وثيقة صحوة    ***    وأبيت إلا أن توقع بالدم

إذن فإن الصحوة الاسلامية الحاضرة نتيجة لدعوة الإمام وثمرة من ثمراتها، هذه الدعوة التي بذل البنا روحه في سبيلها، والدعوة التي تراق  في سبيلها الدماء لا بد أن تنمو وأن تزهر وأن تثمر.

لقد كتب البنا للأجيال "وثيقة"" هي مرشدهم لهذه الصحوة، ""ووقع "" عليها بدمه حتى لا تمحى أو تزول أو تتلاشى.

ويختم القرضاوي إهداءه بمخاطبة البنا الذي يرقد (مطمئنا) في جوار "الرسول الهادي " جواراً فكرياً دعوياً، وكيف لا يكون مطمئناً، وهو قد شيد بناءً لم يستطع أن يهدمه العتاة الظالمون والكفرة الملحدون.

نم في جوار زعيمك الهادي فما *** شيدت يا ""بنّاء"" لم يتهدم

سيظلُّ حبُّكَ في القلوبِ مُسطَّرًا وَسَناكَ في الألبابِ واسمُكَ في الفَمِ

إلى روح إمامنا الشهيد حسن البنا:

وكتب الشاعر الداعية جمال فوزي قصيدة رثاء أهداها إلى روح إمامنا الشهيد حسن البنا يقول فيها:

ذكراك يا مرشد الإخوان نحييها     تعلو لها الرأس إكبارا لماضيها

خرجت للناس بالقرآن تعلنه           دستور حكم وفي شتى مناحيها

سيرة المصطفى درساُ تلقنه           كتائب الحق في صدق وترويها

كانت دعواته خالصة لله، وهدفه نشر رسالة القرآن الخالدة، وإحياء دروس السيرة النبوية العطرة، فأثمرت هذه الدعوة المياركة مما أرعب الأعداء:

وأثمر الغرس واجتاحت قوافله     شتى الحواجز فارتاعت أعاديها

وبرهنت صدقك الأيام فارتفعت             لدعوة الحق آيات تزكيها

وكان سيرة الإمام خير دليل على صدق دعوته، لقد أخرس المحلدين، وذلت له رقابهم، فأصبح جبروتهم تحت قدميه:

كفى بها مخرساً للجاحدين كفى         برهان حق أذلت هام شانيها

وكنت ترقب أشواك الطريق فما         غفلت يوما وفي حزم تنحيها

أعلنت يا مرشدي في صدق داعية       أن الدعاة سيلقون الأذى فيها

سجن وبطش وتشريد بساحتها           قتل الكرام وفي أقسى لياليها

لكنه الصقل إعداداً لقافلة           بالنفس والروح والأموال تفديها

ولكن الأعداء لم يهدأ لهم بال، فكادوا للدعاة كيداً تزول منه الجبال، وأقدموا على اغتيال القائد، وظنوا أن قد أخمدوا الدعوة...

رأى الذئاب لواء أنت رافعه         فهالهم ما رأوا من عزم بانيها

ودبروا في ظلام الليل مذبحة             فكنت فيها شهيداً لا يباليها

قد أطلقوها رصاصات وفاتهموا   أن الرصاصات لن تمحو مراميها

فدعوة الحق لا تخبو مسيرتها           لا تستطيع جيوش أن تواريها

مهما تعملق أقزام بساحتها                 مهما تطاول إجرام يجافيها

مهما تفر عن أغرار فرايتها             تظل تدحر في الدنيا أفاعيها

وكيف تموت الفكرة، وكيف تسحق الدعوة، والله من ورائها، وهو يحميها:

فالله صاحبها والله ناصرها                 والله حافظها والله مبقيها

والله أرسى قواعدها معمقة             في قلب أجنادها والله موحيها

والله برأها من كل ما وصموا           تبارك الله مجريها ومرسيها

أينكرون على الإخوان دعوتهم     شاهدت وجوه العدا شلت أياديها

ماذا جناه دعاة الحق من قدم       هل حللوا الخمر وارتادوا ملاهيها

هل عطلوا شرعة الرحمن في صلف ألغوا حدودا وجابوا أرضا تيها

لقد عطلوا الحدود الشريعة والدستور الإسلامي، وأسسوا حزباً لليساريين الملاحدة، الذين اتهموا الدين بالتخلف والرجعية:

هل أنشأوا حزب الحاد يمارسها       حرباً على ديننا مسخا وتشويها

هل صوروا الدين رجعيا يؤخرنا           عن التقدم إنكارا وتمويها

هل خربوا كل تشييد أقيم بها             هل حرقوا في حماقات مبانيها

يا دولة العلم والإيمان إن صدقت             إني وفي صيحة لله أبديها

من ذا الذي مكن الإلحاد في سفه     من ذا الذي ملك الحمقى نواصيها

من ذا الذي حارب الإخوان في قحة حتى ظننتم قرار الحل يرديها

ظنوا المشاعر ماتت فألهبها         عمى القلوب ضرام الحقد يكويها

ها قد جنيتهم ثمار الالتواء فمن       يغرس بساحتها الأشواك يجنيها

الله غايتنا تلقى عداوتكم             وبات ماركس يعبث في أراضيها

المنكرون لذات الله بات لهم                 حزب يحطم أمجاداً ويفنيها

الاشتراكية العرجاء مذهبهم       والدعر والفسق والإسفاف يكسوها

وتحت سمع من الحكام في بلد       باتت تعانى من الفوضى مآسيها

يا دولة العلم هذا العلم مهزلة           ما دام من شأنه الحمقى يواليها

شاركتموا من قريب صنع نكستها     حين احتضنتم حثالات بواديها

دعوا التشدق بالإيمان وانتبهوا         إن لم يفيقوا فغرقى في دياجيها

دعنى على صفحة التاريخ أرصدها       لكل جيل يروم الحق أحكيها

لمن أراد لدين الله عزته                   لينصر الحق دانيها وقاصيها

دعني أقص على أسماعهم صوراً       تندى الجبين وتدمى من مآقيها

وبعد أن فضح الشاعر مقولة الملحدين، وكشف حماقتهم، وأنذر الأمة بالفناء إذا هي انساقت وراءهم، ثم التفت ليناجي فضيلة المرشد الراحل الحاضر، وراح يخبره عما فعله جمال عبد الناصر بالدعاة:

يا مرشدي وتوالت بعدها محن     زاد الرجال بها صقلا ينميها

فالناصرية قد باتت تكيد لهم   سلوا السجون تحدث عن ضواريها

جاءوا بأحقر جلادي الطغاة لكى     ترى السجون رجالات تعانيها

جاءوا بحمزة فاندفعت قوافله       من الكلاب لتنهش أو لتدميها

جاءوا بسفاحها بدران فامتلأت         رمالها بدعاة الحق تطويها

جاءوا بجلادها الروبي يعلنها       مذابحها كانت الأحقاد تعلوها

لفد سلط عليهم الكلاب، وأذاقهم ألوان العذاب، ولكن شباب الإسلام بقوا صامدين، ثم يواصل الشاعر قوله:

يا مرشدي نم رعاك الله مرتقباً     في كل أجوائها زحفا يلبيها

لا السجن يرهبها لا الحل يحجبها   ولا المشانق والتقتيل يثنيها

الله أكبر دوت رغم أنفهموا       فالموت في ساحها أسمى أمانيها

وكتب الشاعر عبد اللطيف العيلي مندوب جوالة الإخوان بشعبة ملوى قصيدة بين فيها أركان البيعة في دعوة الإخوان:

بيعة الإخوان أسسها       عشرة فاحفظ في الفؤاد

تضحية، وفهم، وأخوة           والتجرد والجهاد

والعمل، وثبات، وطاعة   والثقة، وإخلاص متين

بالله بايع لأجل تبقى           من جنود المسلمين

وفي هذه الأبيات استطاع الشاعر ببراعة وعفوية، أن يضمن أبياته الأركان العشرة التي شرحها الإمام حسن البنا في رسالة التعاليم، وهي: الفهم، والإخلاص، والعمل، والجهاد، والتضحية، والطاعة، والثبات، والتجرد، والأخوة، والثقة.

لقد عاش حسن البنا مرشداً وقائداً للجماعة، وهم يجمعون على حبه والاعتزاز به، والإشادة به، في كل مناسبة ومن ذلك قول الشاعر:

النسيم عمال يهفهف   على كل الأرض جنة

والقلوب في الكون بتهتف   مرحباً أهلاً يا بنا

البلد نالت مناها

لك درر في الحق غالية   لك عمل فوق الكلام

يا حسن لك همة عالية     أمضى من حد الحسام

في السما ساكنة في علاها

مهما أمدح مش هاوفي   وابقى يا مرشد ظلمتك

يا حسن اسمك ذا يكفي   في الدلالة على عظمتك

بنا للإخوان بناها

البناء مرشد الإخوان:

كتب الشاعر إبراهيم عبد الفتاح قصيدة مطلعها:

الشمس تعلم أن الليل جلاها         فأرجعته نهاراً من محياها

قد داعبت أعين الوادي أشعتها       فأيقظتها وكل النوم غشاها

فلا نرى في بلاد النيل أجمعها   عيناً تلاقي على الأقذاء جفناها

ثم بخلص الشاعر بعد ذلك مباشرة إلى الحديث عن البناء مرشد الإخوان وعن دعوة الإخوان ومبادئها:

شمس تسلمها البناء مشرقة   وفي سماء الهدى للناس أعلاها

هداية وضياء سنة وسناً             وديعة الله للإخوان أهداها

شمس بلا فلك في راحتي ملك   مبارك حسن الأخلاق بناها

إذا بنى فمن الإسلام بنيته         ومن مبادئه بالحق أنشاها

دستوره من كتاب الله متخذ    كل الدساتير وحي الله ألغاها

ونلاحظ أن أغلب هذه الاستهلالات تعرض مشاهد الطبيعة، وتخلص منه ببراعة إلى المضامين الفكرية التي تمثل الغرض الأساسي من القصيدة.

مرشد الإخوان:

وكتب الأستاذ وليد الأعظمي ثلاث قصائد في ذكرى استشهاد الإمام البنا (رحمه الله)، منها قصيدة تحت عنوان (لينام أصحاب الكروش):

اشخص إلى البـــناء أكــرم باني ... "حسن " السريرة مرشد الإخوان

قم حي ذكـــراه العزيـــــــزة إنها ... للقـــلب مثل الـــري للظــــــــمآن

واهتف بدعوتك الكريــــمة عالياً ... رغم الأعـــــادي، رغم كل جبان

واحمل مصـابيح الهـــداية واتخذ ... من نــــورها نـــــوراً لـكل أوان

واصــبر إذا نزلت حمـاك نوائب ... أوما علـــمت تقــــلب الأزمــــان؟

وبهذه الذكرى والمناسبة الحزينة يتذكر الشاعر وليد الأعظمي أخلاق الإمام المرشد:

يا مرشـــدي ذكراك مرت بينــنا ... والقلب من ذكراك في خفـــــــقان

قد كنت يا حسن الســـريرة شعلة ... وقّـــادة بــــالنـــور والإيــمـــــان

كالدرة البيضاء يســــــطع نورها ... فيبـــــدد الظلــــــماء باللمـــــعان

أحييت مصر، ومصر قبلك ميتة ... لا يرتجــى منها نهـــــوض ثاني

فبعثت روح العـــز في أبنــــــائها ... وأعدت حب الدين للشـــــــــبان

ناديت "حي على الجهاد" بكل ما ... أوتيـــت من حـق ومن إيــقـــان

فتجاوبت أصداء صوتك في ربى ... نجد، ورن الصــــوت في بغدان

وعلى ربوع الشـــام رايات الهدى ... خفــــاقــــة تـــبدو بكــل مــكان

وتصافحت تلك القـــلوب، ولم يعد ... فضل لمصـــــري على إيراني

وكانت لدعوة الإمام أصداء واسعة في العالم، فاستجاب الأحرار لدعوته، ويذكر الشاعر دور الإمام الجهادي ضد الإنجليز وقوى الاستعمار...

تدعــــــو لطـــرد الانجـــليز لأنهم... أصل الفســـــاد ومصدر البهتان

وسعـــيت لم تهـــدأ بكل قضـــــية ...  مثل الهزبر تصول في الميدان

ومظاهرات صاخــبات خضــــتها ... للحق، لا لمناصــــب وأمـــــاني

وفضــــــــحت اوروبا وما تدعو له ... من باطــــل، بالحق والبرهان

وصرخت في وجه الطغاة ولم تخف ...أحفاد فرعــــــــون ولا هامان

لقد واجه الإمام السلاطين وفراعنة العصر، ونطق بالحق ولم يخش في الله لومة لائم:

هــددت فاروقاً بكل صـــــــــــراحة ... وسواك لم ينــــبس ببنت لسان

ظنوا بقتــــلك تنــــطفي أنــــــوارنا ... ويعود عهد الظلم والخســران

هيـــــهات نور الله لا يطــــفيه كيـد ... عصابة حمقى من الصبــــيان

سيعود عصـــــر النور رغم أنوفهم ... ويخيب كل منافق خـــــــــوّان

وللشاعر وليد الأعظمي قصيدة ثانية تحت عنوان (ذكرى الإمام)

ومطلعها (قف يا زمان معي بالله وانتحب)، وعدد أبياتها: 38 بيتاً:

قف يا زمان معي بالله وانتحب     واهتف لدمعك من عينيك ينسكب

قف يا زمان ولا تعجب فليس بما       أقوله لك ما يدعو إلى العجب

ذكراك يا مرشدي مرت ودعوتنا     بالنصر ترفل في ثوابها القشب

إن كنت يا مرشدي فارقتنا جسدا   ازهار نقص فإن عنا قط لم تغب

عشرون عاما بها يا خير داعية قد صغت للمشرق تاج العز من ذهب

دعوت للحق والأيام شاهدة         ما كنت تنشد غير الحق من طلب

فما قصدت بما تدعو لمنفعة           ولا دعوت إلى جاه ولا نشب

بل كنت ترجو من الباري مثوبته والأجر عن كل ما قدمت من تعب

يا منقذ الشرق من خطب ألم به     لولاك كاد يكون الشرق في لهب

دعوت والناس أخلاط منوعة    ما بين ذي جشع منهم وذي سغب

فما سئمت لما لاقيت من عنت           ولا وهنت أمام الدهر النوب

يا مرشد الناس نحو الجد في زمن   به نفوس الورى مالت إلى اللعب

يا باعث النهضة الكبرى وقائدها     بعثت روح التقى والعلم والأدب

في نفس جيل نأى عن كل مكرمة عار عن الصدق ميال إلى الكذب

لم يدر ما الدين من جهل ومن سفه   وإن دعاه دعاة الخير لم يجب

كأنه عن نداء الله في صمم     حتى اشتكى الصم شعبان إلى رجب

بعثت في الشرق روح العز ثانية     والعز لم يأت عفوا دونما سبب

فكنت للشرق حقا قطب نهضته   وهل تدور الرحى إلا على القطب

وتحدث شاعر الدعوة وليد الأعظمي عن جهاد الإخوان في فلسطين الذي أوشك على القضاء على اليهود هناك لولا تدخل بعض القادة العرب وخيانتهم...

يا قوم هذي فلسطين تحدثنا         حديث صدق الاخوان ذا عجب

بالله يا ثبة الاخوان كيف غدا         فيك اليهود أمام الخيرة النجب

يا قوم عشرون في الميدان ما وهنوا ولا استكانوا أمام الجحفل اللجب

يا قول عشرون جنديا قد اقتحموا معسكر الكفر حتى صاح واحربي

والله أكبر في الميدان تدفعهم     للانتصارات في ركض وفي خبب

لسان حال فلسطين يقول لنا             لله ما فعل الاخوان في النقب

ساروا لتطهير بيت الله ثانية         كما إليه سرى من قبل خير نبي

فمنبر المسجد الأقصى يهيب بهم         وظنه في جنود الله لم يخب

يا قوم عشرون في الميدان وحدهم والخصم منسحب في إثر منسحب

وتحدث الشاعر عن نبوغ الإمام وفطنته منذ الصفر، وكأن الله هيأ هذا الشاب لأمر جلل تنتظره الأمة..

سئلت في صغر كالناس مسألة         عن خير ما تتمناه من الأرب

وكنت بين رفاق قال أكثرهم         إني لأطمع في عال من الرتب

فكان همك إحياء الشريعة من         نوم فكنت أخا قلب وأنت صبي

ورحت تدعوا لما يدعو الرسول له   فكنت حقا إمام العجم والعرب

ظنوا بقتلك يخبو نور دعوتنا         فيستريحون هذا ظن كل غبي

كم من أبي جهل لاقي الموت مندحرا أمام دعوتنا كم من أبي لهب

أيحسبون بأن الله تاركهم           كما يشاؤون في لهو وفي طرب

من يبغ إطفاء نور الله به نقص     حتف ويرم به الجبار في اللهب

وما هزيمة فاروق بخافية             عنا وكيف غدا في شر منقلب

هذا حمى الله يا باغي وحرمته     والله يرقب من يعصيه عن كثب

أعد ربك ناراً لا مثيل لها               لكل دان له بالسوء مقترب

وكتب وليد الأعظمي متحدثاً عن مبادئ، وشعارات الدعوة التي جاء بها الإمام حسن البنا، وهي الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا:

هذي دعائم دعوة قدسية *** كتب الخلود لها مدى الأزمان

هذي مبادئنا التي نسعى لها *** في حالة الإسرار والإعلان

الله غايتنا وهل من غاية *** أسمى وأغلى من رضى الرحمن

وزعيم دعوتنا الرسول وما لنا *** غير الرسول محمد من ثان

دستورنا القرآن، وهو منزل *** والعدل كل العدل في القرآن

وسبيل دعوتنا الجهاد وإنه ***إن ضاه ضاعت حرمة الأوطان

والموت أمنية الدعاة فهل ترى *** ركناً يُعاب بهذه الأركان

وهذه المبادئ النبيلة لا ينكر عاقل أنها من لب الإسلام، وجوهر الدين.

الإمام حسن البنا، والشاعر عمر الأميري:

لقد كانت شخصية حسن البنا آسرة، لا يقابله رجل، ويستمع إليه إلا أقنعه بما يدعو إليه، أو أثار إعجابه واحترامه، يشهد على ذلك كتابات الذين اتبعوه وآمنوا بدعوته والذين استمعوا إليه، ولم يدعوا بدعوته، كلهم أجمع على احترامه والإشادة بأخلاقه وسحر بيانه.

وممن قابل البنا وأحبه ونادى بدعوته الشاعر الكبير عمر بهاء الدين الأميري، فقد حمل هذا الشاعر الكبير فكر الإمام البنا إلى القطر السوري، ونادى به وعمل له.

ولأن الأميري شاعر تسبق العاطفة إلى وجدانه فقد دفعه حبه للإمام إلى الإشادة به شعراً، وقد نشر قصيدته التي أشاد فيها بالإمام الشهيد ودعوته في العدد الثاني من مجلة "المسلمون" التي صدرت عام 1948م، وكان صاحب امتيازها الإمام الشهيد ومدير تحريرها الداعية سعيد رمضان، وقد توقفت هذه المجلة عن الصدور بمصر باستشهاد صاحب امتيازها.

القصيدة لا تجدها في دواوين الأميري المطبوعة، لهذا فهي تعد من نواد القصائد الإسلامية المعاصرة، وأحب هنا أن أثبتها كاملة كوثيقة تاريخية من وثائق الدعوة الإسلامية المعاصرة، لا بد أن تعرض على من يعمل على كتابة التاريخ الأدبي لهذه الدعوة التي أمتد تأثيرها إلى كل الأقطار على امتداد الكرة الأرضية.

يقول الشاعر عمر بهاء الدين الأميري واصفاً الإمام البنا([1]):

أنت لو أبصرت في       غور همِّ بسمته

أو لمست عقله           وهو يهدي حكمته

أو سمعت جرسه       وهو يدعو دعوته

أو رأيت خلسة           في صلاة وقفته

مشفقاً مستبشراً         كم يغالب عبرته

فالشاعر يصور إشراقة البسمة في وجه الإمام، وتثني على عقله وحكمته، ويشيد بصلاته وخشوعه وتضرعه وتبتله، ويسترسل الشاعر في الوصف، فيقول:

أو تأملت على         أهل خطب عطفته

من كريم عاثر           جد يمحو عثرته

ومصاب بأذى         راح يأسو كربته

لعشقت روحه         صاغ منها رحمته

وكان الإمام يقيل العثرات، ويغفر الزلات، ويأسو الجراح، فلكل فارس كبوة، ولكل عالم هفوة، ولكل سيف نبوة...

ثم لو شمت إذا           جد جد عزمته

وإذا الداعي دعا            لجهاد همته

وعلى الباغي على     أي حق غضبته

قلت هذا قسور     هاج يزجي ضربته

وهو في الواقع شهم   ثار يحمي أمته

وكان الإمام كالأسد الهصور يثور كالسيل إذا رأى الطغاة ينالون من كرامة الأمة.

واتخذ الإمام من السلف الصالح قدوته، فصاح بالأمة أن تنهض من كبوتها، وأن تستأنف مسيرتها لتكون خير خلف لخير سلف..

صيحة الأجداد في       الأحفاد حاكت صيحته

وأنين المجد في الأصفاد         أورى ثورته

إنه صورة شعب               هب يغزو وثبته

إنه جيل من الإسلام               يبني نهضته

أنت لو أبصرته                   لقدرت قدرته

بشر من ملك                     قد تلقى فطرته

فالإمام البنا يبتسم حين تشتد المحن وتتعاظم الهموم، إنه ابتسام الواثق من ربه، ومن قدرة الله على تفريج الكروب وجلاء الهموم.

والإمام البنا – على صغر سنة- ذو حكمة بالغة، أنضجها مبكراً هذا العقل الكبير الذي وهبه الله له .

ولقد وهب الله الإمام البنا صوتاً ساحراً متقبلاً، يدفع السامعين إلى الإنصات له، وهو يدعو إلى ما آمن به.

وكان البنا كثير الصلاة كثير القيام، إذا نظرت إليه في صلاته وجدته خاشعاً باكياً، يغالب العبرات وهو متفكر في قدرة الله، داعياً أن يعينه على المهمة التي حملها لبعث أمة الإسلام من مرقدها .

ثم إن البنا لا يشغله شاغل عن مواساة ذوي الخطوب والنوازل، فهو مع أهل الكرم الذين تصيبهم العثرات، يقيل عثراتهم ويقف إلى جانبهم، وهو إذا رأى مصاباً (بأذى) راح يواسيه ويعمل على مداواة جراحه ومآسيه.

هذه الصفات التي تحلى بها الإمام هي التي تحبب الخلق به، وتدفعهم إلى الإيمان بدعوته.

أو تأملت على     أهل خطب عطفته

من كريم عاثر   جد يمحو عثرته

ومصاب بأذى     راح يأسو كربته

لعشقت روحه   صاغ منها رحمته

هذا الرجل العابد، وهذا الرجل المواسي، أسد إذا جد الجدّ واشتد الخطب، لا ينام على ضيم ولا يسكت على بغي، إنه الأسد الهصور في حماية أُمته وفي الدفاع عن حقوقها:

ثم لو شمت إذا       جد جد عزمته

وإذا الداعي دعا         لجهاد همته

وعلى الباغي على     أي حق غضبته

قلت هذا قسور     هاج يزجي ضربته

وهو في الواقع شهم     ثار يحمي أمته

إن دعوة الإمام ما هي إلا دعوة الأجداد في الأحفاد، تجسمت في هذا الرجل الرباني، وما هي إلا صدى هذا الأنين الذي ينطلق من أولئك الذين صفدوا حتى لا يهبوا أو ينطلقوا لأهدافهم النبيلة، إنه آمال شعب تجسمت في شخصه.... في دعوته، إنه يمثل جيلاً كاملاً من هذه الأمة التي انطلقت تبني نهضة الإسلام المعاصرة.

إنك لو تمثلت مجموع هذه الصفات التي تحلى بها الإمام لأدركت أن هذا الإنسان قد صيغ في أخلاقه وصفاته صياغة ملائكية جعلها الله فطرة في نفسه وخلقه وجهاده.

صيحة الأجداد في         الأحفاد حاكت صيحته

وأنين المجد في الأصفاد           أورى ثورته

إنه صورة شعب                هب يغزو وثبته

إنه جيل من الإسلام                 يبني نهضته

أنت لو أبصرته                  لقدرت قدرته

بشر من ملك                     قد تلقى فطرته

إن الذين أجهدوا أنفسهم في وصف الإمام نثراً قد بزهم الأميري في وصف الإمام شعراً، وقد أصاب هذا الشاعر العبقري صفة الإمام الذي حمل هم الأمة وراح في شهامة يدافع عنها ويدفع بها نحو المجد.

وما لبث الإمام بعد هذه القصيدة الرائعة في وصفه أن استشهد، امتدت إليه يد البغي فأرسلت إلى قلبه رصاصات أوقفت نبضه، ولكنها ما أوقفت تأثيره ، فهيهات ، لقد أطلق البنا روح الإسلام في وجدان أمته ، فحمل هذه الروح رجال مضوا بها صعدا، ولا بد لهذه الروح أن تبلغ مداها.

كان وقع استشهاد البنا على الأميري أليما، فصاغ هذا الألم في قصيدة نشرتها جريدة الشهاب السورية، أحب أن أوردها أولاً كاملة لأنها أيضاً قصيدة عزيزة قلما تجدها معروضة لعشاق الشعر والأدب، وهي أيضاً ليست منشورة في دواوين الشاعر المطبوعة:

رثاء

كبلوا من حوله أبناءه   ورموه بين أشداق الأفاعي

جردوه خلسة في خسة     وتنادوا، وهو فرد، للنزاع

وذئاب البغي حامت، ونضى كل نذل حوله سيف القراع

والجماهير التي من ذاته   بذل الرفد لها دون انقطاع

حوقلت في خور وانطلقت     لا تبالي بجهاد وصراع

والألى كانوا يقولون له   ملقا، قد جئت بالأمر المطاع

خذلوه وبدت أوجههم     في الملا سوداء من غير قناع

وشرى الباغون منهم ألسنا   بذلوها ما دعا للمال داع

في بيوت الله سبوا فنداً     خير داع للهدى فيها وراع

هكذا فعلوا ، كبلوا أنصاره وتركوه وحيدا ،وأطلقوا خلفه أفاعيهم.

وصورة ثانية: جردوه من كل حماية، وقد وصف الأميري هذا الفعل بالخسة، ثم تنادوا ، نادى بعضهم بعضاً، هيا نازلوه ونازعوه!

وصورة ثالثة: هؤلاء البشر الذئاب حاموا حوله وقد شرعوا سيوفهم وأغمدوها في قلب الإمام!

وماذا كانت ردة فعل الجماهير التي بذل الإمام نفسه في سبيلها:

والجماهير التي من ذاته   بذل الرفد لها دون انقطاع

حوقلت في خور وانطلقت     لا تبالي بجهاد وصراع

هذه من الأميري نفثة غاضب، نعم لم تبد الجماهير غضبتها لأن السيوف كانت مشرعة للإطاحة بأي رأس يرتفع صوته محتجاً، ولكن هذه الجماهير التي بذل الإمام نفسه لها قد أخلصت له وأقبلت على دعوته.

ثم ماذا فعل هؤلاء (الألُى) الذين كانوا يقولون للإمام: قد جئت بالأمر المطاع؟!

والألى كانوا يقولون له           ملقا، قد جئت بالأمر المطاع

خذلوه وبدت أوجههم           في الملا سوداء من غير قناع

وشرى الباغون منهم ألسنا           بذلوها ما دعا للمال داع

في بيوت الله سبوا فنداً             خير داع للهدى فيها وراع

وكشف الحاقدون الذين كانوا يتملقون الإمام عن حقيقتهم السوداء، فبذلوا أموالهم لشراء الألسن التي انطلقت تسب الإمام حتى وصل بهم الحقد أن أمروا أتباعهم بسب الإمام على منابر الرسول في بيوت الله.

لست أدري لماذا ينتابني شعور بأن القصيدة لم تقف عند ما وقفت عليه كما هي منشورة في صحيفة الشهاب السورية، وأن لها أبياتاً تكمل المشاهد الناقصة، ولعل ثورة الأميري قد جمحت به إلى أبيات رأت المجلة أن لا تنشرها.

هذا شعور قد تكشف عن حقيقته مذكرات الأميري لو نشرت.

وعمر بهاء الدين الأميري شاعر كبير، وإذا أردت أن تصنفه في الهرم الشعري الإسلامي وضعته على قمته، وهو له من اسمه نصيب، بل أنصبة، فهو عندي وعند الدارسين غيري، أمير الشعر الإسلامي المعاصر.

وما قرأت نثراً لشاعر مهما كانت منزلته في الشعر إلا وجدت نثره دون شعره، إلا ما كان من الأميري ، فإنه حتى وهو يكتب نثراً يسمو بنثره إلى آفاق الشعر، فإذا قرأت نثره قلت: هذا ناثر يكتب شعرا .                                                                              

وحتى أدلل على صدق ما أقول أورد هنا نصين نثريين يصف فيهما الإمام البنا، الأول يصف فيه حقيقة الإمام، ويرسم له صورة متكاملة، فتشعر وأنت تقرأ هذا الوصف كانك تشاهد الإمام وتجالسه، والثاني يتحدث فيه الأميري عن الإمام كداعية يعشق دعوته ويتفاني في سبيلها.

ويقول الأميري واصفاً الإمام البنا كأنك تراه([3]):                        

"سمعت عنه كثيراً، ورأيت له في مرايا قلوب محبيه صوراً لامعة رائعة، فتراءى لعقلي عملاق هدى ورأي وحكمة ،وتخيلته أمام عيني عملاقاً في جسمه أيضاً جباراً في قسماته وسماته ،ولما رأيته بين صحبه، أول ما رأيته، ما ظننت أنه هو، ثم قدمت إليه فتلقانى في بشاشة، لا تكلف فيها ،ورحب بي ، منساقاً مع فطرة رحبة.

لم أجد له في مشاهدتي، صورته في مخيلتي..... كان أقرب إلى القصر منه إلى الطول ،وأدنى إلى الوداعة منه إلى الجبروت ، في صراحته إباء، وفي جرأته إغضاء ، لا يكاد يطالع الناظر إليه من الحزم الذي سمعت عنه إلا تقطيبة بين الحاجبين تصغر معها عين وتكبر عين، كلما تحدث في أمر هام.

زرته في بيته، فوجدته زاهداً بسيطاً، وأكلت في مائدته، فوجدته فقيراً كريماً, وصحبته في أسفاره ، فلم أر أكثر منه أنساً وإيناساً في مواطن الراحة ولا أكثر منه فناء في العمل ، وقت العمل.

ولزمت حياته أياماً، فوجدتها دأباً مستمراً، وجهداً مرهقاً، كلما اشتدت عليه زادت بشاشة روحه، فبدا أشد انهماكاً في السعى، وأكثر إمعاناً في التسليم ، وأقوى تآلفاً بالاستبشار .

ما رأيته مرة إلا زدت له إكباراً وبه تعلقاً وعليه إشفافاً وفيه أملاً.

ويقول الأميري متحدثاً عن البنا كداعية([4]):

"شاهدته يتكلم بين أفراد، فلم أجد صوته يتطاول على الأصوات ، ولاح لي أميل إلى الإصغاء منه إلى إبداء الآراء ، فإذا دخل الحديث طور المراء ، صمت في إعراض ، أو أقبل في ابتسام ، هو بين الإشفاق والشفقة ، حتى إذا انتهى الأمر إلى زبدته، كانت كلمته هي الفاصلة .

وأصغيت إليه وهو يخاطب ملأه فخيل إلي أنه يحاول أن يسكت لسانه، وينطق قلبه ،بل وكل جوارحه ،وإذ ذاك كان يمعن النظر في من أمامه، وكأنه يحدق في أفق بعيد فينبعث من عيونه شبه نور وهاج ، يتصل شعاعاً بقلب فقلب فقلب وإذا بالملأ تحت تأثيره المطلق ، قد أسلموا إليه عقولهم يهديها، وقلوبهم يخفق فيها، وسواعدهم وكواهلهم ، يحملها ما يرى من أعباء ، أعباء رسالته ورسالتهم ، وسمعته يخاطب الجماهير فوجدته الطب الخبير، يبدأ ويبدو معهم في أكثر الأحيان ، واحداً منهم محدثاً أكثر منه خطيباً.

يكثر من سوق التشابيه والأمثال ، يبسط بها فكرته ، فتتلقفها الأذهان بيسر، وقد يعالج في ثنايا حديثه شئوناً من صميم حياة المستمعين حتى ليظن أحدهم أنه كوشف بخويصة مشكلته، وأخذ يصف له الدواء فإذا آنس أن القوم قد ركنوا إليه ، اشتد عليهم في موعظته وبادرهم بإهابات خطابية وجلجل بصيحات الحق، تتخلل حديثه الدفاق ، المرصع بآى الله، فيضعون أنفسهم منه، دون اختيار ، موضع الرعية من الراعى.

وهكذا، يبلغ منهم لدعوته ما يريد وينتهي غير مملول، محبوباً مرهوباً.

كيف يسري النغم السائغ في الآذان نشره

هكذا من قلبه المؤمن يزجي الهدي دعوه

زاخر الأعماق بالإيمان في دعوته

منكر الذات حكيم السير في وجهته

طب أرواح، فلا تخفى عليه خافية

باسط الصدر بعيد الغور شهم داعية

هاتان القصيدتان، وهاتان القطعتان النثريتان جزء من تراث الإمام، وأنا قد اطلعت على التراث الذي نشر للإمام البنا، فلم أجد فيما نشر اهتماماً بالشعر الذي قيل في الإمام.... وهو غزير وبليغ يستحق الاعتناء به.

أقول: اطلعت على ما نشر من تراث الإمام البنا، ولم أجد ذكراً للتراث الأدبي الذي قيل في الإمام ولم أجد ذكراً للمواقف الأدبية التي وقفها الإمام، وللإمام رحمه الله مقدمات لبعض الكتب الأدبية وبعض دواوين الشعر التي أصدرها شعراء الدعوة في حياته.  

صحيح أننا كتبنا قبل ثلاثين عاماً كتابنا الموسوم "شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث" في عشرة أجزاء صغيرة الحجم، وكان ذلك جهد المقل مع ندرة المادة المتوفرة بين أيدينا ومع شح المصادر آنذاك، إلا أننا شرعنا حديثاً في إعادة صياغة الكتاب من جديد وقد توافرت المادة وتوافرت المصادر، وقد صدر منه مجلدان، والمجلد الثالث في طريقة للصدور ، ومن المقدر أن يصدر الكتاب في ثلاثين مجلداً، تتراوح صفحات المجلد بين أربعمائة وخمسمائة صفحة من القطع الكبير.

ومع ذلك فأنا أرى أن تراث البنا وتراث الدعوة الإسلامية الأدبي لازال بحاجة إلى المزيد من الجهد ، والمزيد من العناية ،والمزيد من الدراسة)[1].

([4] ) مجلة "المسلمون" العدد 63 .

الذكرى المئوية لميلاد الإمام:

وفي الذكرى المأوية لميلاد الإمام المجدد حسن البنا - رضوان الله عليه-، كتب الشاعر اليمني ( حسن بن يحيى الذاري ) قصيدة، يقول في مطلعها:

كوَّن الله القـــــائد البنَّاء               وحـــباه تفوقاً وضَّاءَ

حسن أحسنَ الإله اصطفاه             قائداً رائداً فنال ارتقاءً

فاض منه العطا فأعطى ببذل       للذي فضّله أفاض العطاء

صاغ منه القرآن أطهر روح       نور اشراقها تساما بهاءً

كوَّن الجيل وفق منهج رب           ومضى قائداً يبث النقاء

لقد اختار الله هذا الإمام، واصطفاه، وصنعه على عينه التي لا تنام، ورعاه بكنفه الذي لا يرام، ومنحه التفوق، وصاغه القرآن، وطهر روحه من الأدران، فكوّن جيلاً من الشباب المؤمن، الذين طهرت قلوبهم، وزكت نفوسهم، فكانوا رهباناً في الليل، فرساناً في النهار .

لقد جاءت دعوة البنا في عصر عجَّ بالذنوب والموبقات، وقامت فيه دول تعادي الإسلام ودعوته، وهدمت الخلافة وأصبحت رسماً بعد عين، وتولى شؤون البلاد الأقزام والعملاء، وصار الرويبضة يتكلم في شؤون عامة المسلمين:

جاء به العصر وهو عصر مليء   بشــــرور تلطخ الأجــواءَ

فيه للكفر دولة ونفـــوذ              كيد عدوانه طغى استعلاءَ

همه محو أمـة كوّن الله                  هـداها فطـالت الأنحاءَ

هُدم الصرح للخلافة حتى         شتت الشمل واحتسينا البلاءَ

وتولى شئوننا كل قزمٍ               من قطيعٍ لا يعرف الأجراء

كانت دعوة الإمام البنا إكمالاً لمشوار المصلحين والمجددين من أمثال الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، والحاج أمين الحسيني، وشكيب أرسلان، ....

وبوسط الطوفان دكت قلاع          لم تجد حامياً يصد اعتداءَ

غير فتيان دعوةٍ مِنْ أباةٍ                 قاوموا باطلاً فذاقَ العناء

من قوى الصادقين لله وعداً             بانطلاق لهم أثار رجــاءَ

كالحسيني* من تصدى بعزمٍ           أتحب الرائدين والأوفيــاء

ورشيد وشيخه وشــكيب                  إنهم قــوة أقامت بنـاءَ

وسار الإمام على درب الهداة الدعاة، وتسلح بعزيمة الإيمان، وربى الأجيال، وتصدّى لقوى الكفر والضلال، فتوالت عليه المحن، ونزلت على المصائب والنازلات، ولكنه بقي شامخاً كالجبل في وجه العواصف:

وعلى نهجهم مضى فارس الميدان         من أحرز النجاح ارتقاءَ

حسن من بعزمه هب جيل                 قاوم الكفر صامداً مضّاءَ

فأغارت عليه من كل صوبٍ               محن تقذفُ النكالَ اعتداءَ

غير أن الصمود كان مهيباً                 يتحدى المصاعب النَّكراءَ فتهاوى الطاغوت في كل قطر             وغدا الحق شامخاً معطاءَ

وقوة المؤمنين تستمد العون من الله سبحانه وتعالى، كما تستمد قوة الحجة من كتابه الكريم:

قوة الله في كتاب مبين                 روح اشراقه أقامت بناءَ

سوف يبقى مهيمناً باعتلاءٍ             نور اشراقه يذيب افتراء

هو أقوى القوى محالُ يصفى            من نفوسٍ تنفذ الأجراء

حسن البنا: إمام الجهاد:

ويقول في الإمام البنا الذي يعتبره حامل لواء الجهاد، وإمام الدعوة ورائد الإصلاح الذي بذل حياته لتحرير العالم المفتون بالمغريات:

ففقدنا البنـا إمــام جهـادٍ         حمـل العـبء ماضـياً في التزامِ

وأراد التـحرير للعـالم المفتو       ن بالـمغـريـات والأوهــــــــامِ

تحية المرشد والشباب:

وممن أدركوا اهتمام البنا بالشباب وعنايته بهم الشاعر أحمد حسن الباقوري، وقد أعجبه ذلك من الإمام، وقد أشار إلى ذلك في مذكراته في أكثر موضع.

بل إن الباقوري نفسه كان من بين الشباب الذين أولاهم الإمام عنايته، ووضع فيه ثقته، وكلفه بإنجاز عدد من المهمات المتعلقة بدعوة الإخوان، وكان ا شاهداً على اهتمام البنا بالشباب، وها هو يؤلف قصيدة رائعة في مدح المرشد ومن حوله من الشباب بقوله:

أيها المرشدُ الكريمُ شباـاً           تفتديه العلا وأنت إمامــه

عشت للحق مذ نشأت غلاماً     فببرديك شيخه وغلامـــه

فهو جندٌ إذا دعوت سميعــاً     يمنع الحق أن يُحَل حرامــه

بايع الله أن يموت وفيــاً           وعلى عهده استقر مقاـه

أسلمتك الأيام إياه غضـــاً       فانجلت عنه بالهدى أوهامه

فإذا نفحة النسيم رضاه           وإذا وقدة الجحيم ضرامه

وفي قصيدة متميزة ألقاها الشيخ أحمد حسن الباقوري في إحدى الاحتفالات، ويطلق عليها القصيدة العصماء، وفيها يمتدح الإمام البنا والإخوان وشبابهم، ويجعل من هذا الشباب المخلص جندًا تربى على السمع والطاعة، والإمام البنا مرشدًا لهذا الجند ينتظر الشاعر منه أن يرفع به الضيم والظلم،وقد نشرت فى جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية العدد (28)، السنة الثانية، 13رجب 1358ه 29أغسطس 1939م، ص(10)، وقد ألقاها في حفل الإخوان المسلمين بالواسطى في الصعيد. يقول الباقوري:

أذن النصر والتقت أعلامه وانجلى الكفر حين ريع ظلامه

أي ركب مظفر أينما را         ح ففي قبضة الإله زمامه

كلما حلّ واديًا راح يجري   في رباه الندى وفاض غمامه

وإذا صاح منشدًا رجّع الكو ن وأصغى في غابه ضرغامه

أي ركب وأي صحب كرام     بعدما جانب الزمان كرامه

إنهم سادة الشباب تلاقت       في ربا المجد والعلا أحلامه

فهم الخير فيضه وجناه           وهم الحق سيفه وحسامه

* *

أيها المرشد الكريم شبابًا           تفتديه العلا وأنت إمامه

عشت للحق مذ نشأت غلامًا فببرديك شيخه وغلامه

فهو جند إذا دعوت سميع يمنع الحقّ أن يُحل حرامُه

بايع الله أن يموت وفيًّا       وعلى عهده استقر مقامه

أسلمتك الأيام إياه غضًّا فانجلت عنه بالهدى أوهامه

فإذا نفحة النسيم رضاه     وإذا وقدة الجحيم ضرامه

ويخاطب في نهايتها شباب الإخوان مذكّرًا إياهم بالأمجاد الأولى، ويحثهم كذلك على العمل والاجتهاد:

يا شباب الهدى وقد جمعتكم   في رياض من التقى أرحامه

أي مجد لكم وأي فخارٍ       أن يُرى الدين حكّمت أحكامه

يا شباب الإسلام هزوا قناكم     صافحوا المجد إنكم قوّامه

وبعد أن يعرض العديد من الصور التي تعبر عن هذا التكالب وهذه المآسي، يرى أن النجاة الحقيقية في الصحبة الصالحة التي تعتصم بالله ودينه وكتابه –وبالطبع يقصد بهذه الصحبة الإمام البنا وإخوانه– فيقول:

ليس إلا فئة قد     رضيت حكم الكتابِ

زودوا النفس بطهرٍ     وأمانيٍّ عذابِ

محاربة الفساد:

إذا كان الإخوان حملوا على عاتقهم الإصلاح ومحاربة الفساد في كل الميادين وبجميع الوسائل، فقد جاء الباقوري ليكافح أيضا الفساد بشعره، وينتقد شيوع الرذيلة ومحاربة الفضيلة، وهو يرى أن فساد الأخلاق أدى إلى هوان الأمة وهزيمتها، وحمل كل ذلك إلى الرعاة الذين رعوا الرذيلة وحاربوا الفضيلة!

هي الأخلاق لا يرجى سواها

رعاة لم تنشئهم رباهــا

محاربة الفضيلة في حماها

لإنقاذ الشعوب ، وقد رعاها

وحكام رأوا جهلاً مناهــا

فساموها الهوان و أوبقوها

وبطريقة متميزة في التعبير الشعري يهدي أحد الإخوان قصيدة إلى الإمام البنا بعنوان: "النور المذاب"، وفيها يستعرض مآسي الحياة، وأنها كالمذبح، أو الغابة بسبب الانقضاض على الشهوات والملذات والمغانم الزائلة:

أ حياة هذه أم مذبح باسم الرغابِ؟!

كل من يشعر بالقوة يمسي كالذئابِ

كُتَلُ الإنسانِ تلقى كُلَّ يومٍ في العذابِ

أغرم القوم بدنيا هم وظلوا في انكبابِ

حسبوها طعمة الخلد فجدوا في انتهابِ

قصيدة بعنوان (تحيتي) نشرتها جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية في العدد (2) 28من صفر 1352هـ الموافق 22من يونيو 1933م، وهي للأستاذ أحمد حسن الباقوري أحد شعراء الإخوان الموهوبين، فهو يحيي جريدتهم بهذه القصيدة العصماء، وعدد أبياتها تسعة وثلاثون بيتًا يقول في مطلعها:

متى هتفنا طويلاً في مغانيها وافت توازن بالدنيا وما فيها

ويقول:

تكاد تنطق بالبشرى مظاهرها والبشر ينشر طورًا ويطويها

كأنا حين لاحت في نواظرها   صحيفة المبدأ السامي تحييها

مرحى بها وبيوم كان مطلعها       وبالحياة وقد وافت أمانيها

وبالشباب الذي يرى مبادئها ويطلب الموت إن طاشت مراميها

ويقول:

لسان جمعية الإخوان لا برحت   بك الحياة طهورًا من مخازيها

لا كان عز يرد اليوم دعوتها             ولا تمتع بالدنيا معاديها

ويختم بقوله:

روح النبي أطلى فانظري فئة   تفدي تراثك بالدنيا وما فيها

قد بايعتك على عيش تقر به أو إن تمت دفاعًا عن مباغيها

قصيدة بعنوان (شاعر الإخوان في اجتماع طما) للأستاذ أحمد حسن الباقوري، وهي من سبع عشر بيتًا وقد نشرتها جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية في العدد (26) 20من رجب 1355هـ الموافق 6من أكتوبر 1936م مطلعها:

مجد تراءى للمجد أثيلج   رقصت له مصر وغنى له النيل

ويقول:

يا أيها الرجل الذي جنت به   همم الصعيد بقبول حين يقول

أعلن مبادئ لا يزال لها إلى   همم الرجال المخلصين سبيل

من ذا الذي يستجيب لدعوة     سيف النبوة سيفها المسلول

وفي آخرها يقول:

لا يطمع المخدوع إن دنا له     أنا نعد الأمر ثم نقول

مصر بغير شعارنا مقتولة والشرق إن لم يستفق مقتول

وله قصيدة (نحو النور) للأستاذ أحمد حسن الباقوري وأبياتها تسعة عشر بيتًا، وقد نشرت بجريدة الإخوان المسلمين في العدد (24) 17من رمضان 1355هـ الموافق ديسمبر 1936م.

تحية دعوة الحق في عامها العشرين:

وكتب الشاعر الكبير علي أحمد باكثير قصيدةً عن الإمام الشهيد قال فيها:

عشرون عامًا بالجهاد حوافل     مرَّت كبين عشية وضحاها

ما كان أقصرها وأطول باعها في الصالحات إذا يقاس مداها

هي دعوة الحق التي انطلقت فلم   تقوَ الموانع أن تعوق خطاها

لله "مرشدها" فلولا صدقه         لم يغزُ آلافَ النفوس هداها

في قلبه وريت فشبّ ضرامها   بلسانه حتى استطار سناها

بالأمس نجوى في فؤاد واحد   واليوم في الدنيا يرنُّ صداها

أضحت عقيدة مؤمنين بربهم         ومبلغي أوطانهم رجواها

متسابقين إلى الجهاد ليحفظوا     عز البلاد ويكشفوا بلواها

ولينهضوا من طويل خمولها     ويقطفوها من عميق كراها

ويطِّهروا أرض العروبة كلها     من كل باغٍ يستبيح حماها

ويوحِّدوا الإسلام في أقطاره       ما بين أدناها إلى أقصاها

زعموا السياسة ذنبه يا ويحهم!!   ما فضل دين محمد لولاها؟!

دين الحياة تضيع أخراها على        أبنائه إن ضيَّعوا دنياها!

فليمضِ عند الهادمون فإنه         "بناء" نهضة قومه وفتاها

تكلمي يا كتائب:

وكتب محمود غنيم قصيدة بمناسبة جهاد كتائب الإخوان في فلسطين وفي قناة السويس:

غَضَّ المفاوضُ صوتَه، فتكلَّمي     بلسانِ نارٍ، يا كتائبُ، أو دمِ

لم يفهم المحتلُّ من خُطَبائنا           فلتُفْهموا المحتلَّ ما لم يَفْهَم

ما أيَّد الحقَّ المُضاعَ كمنطقٍ       تُدلي به شَفَةُ السلاح الأبكم

تتحرَّرُ الأوطانُ بالدم وحدَهُ       إن الخطابةَ رأسُ مال المُعْدم

اليومَ قد وضَحَ النهارُ لمُدلجٍ   ومَشَى الدليلُ على السبيل الأقوم

قل للشبيبة: أنتِ مصباحُ الحِمى     وصباحُهُ في كلِّ داجٍ مظلِم

قد دقَّ ناقوسُ الجهاد، فأنْصِتِي     ودعا الحمى أبطالَه، فتقدَّمي

مَنْ قال: أنِّيَ أعزلٌ وبكفه         حَجَرٌ فليس إلى الكنانة ينتمي

صِدْقُ العزيمة دِرعُ كلِّ مدرَّعٍ     عند اللقاء، ولأُمةُ المستَلْئِم

وأحَدُّ من سيف الجبان ورمحِهِ يومَ الوغَى، سوطُ الشُّجاع المُعْلَمِ

سَيفُ الكميِّ إذا تثلَّم أرهفتْ     يمناه غاربَ سيفه المتثَلِّمِ

من قاوم الأُسْدَ الغِضَابَ مسلَّحًا       بيقينه وبحقِّه، لم يُهْزَم

ما الضعفُ إلاَّ ما توهَّمَهُ الفتى ضعفًا، وبئس توهُّمُ المتوهِّم!

ما أضعَفَ «المكروبَ» في تكوينه لكنَّه يفري أديمَ الضَّيغَم!

لا يَنعَمُ المحتلُّ بين ظهوركم     بالاً، وكيف يقيمُ إن لم يَنْعَم؟

بثُّوا له الأشواك إذ يمشي، وإنْ   يشرَبْ، فشُوبوا ماءه بالعلْقَم

ودعوه إن يَيْقَظَ يعشْ فَزِعًا، وإنْ   يرقُدْ بغارات الكتائب يَحْلُم

حتى يظنَّ النار حشْوَ رغيفه         فإذا تناوله، تفجَّرَ في الفم

ما ضرَّ مصرَ ومصرُ دارُ الخلد لو صارت على المحتلِّ نارَ جهنَّم؟

المستبدُّ بمصرَ يَلقى حتْفَه         والضيفُ إنْ يَنزلْ بِمِصِرٍ يُكْرم

يا مصرُ، قد طار الإسارُ، فحطِّمي بيمينك الأغلالَ، أو فتحطَّمي

لا تحتمي من غاصبيك بهيئةٍ         دوليَّةٍ، لكنْ بنفسكِ فاحتمي

الذئب ليس على القطيع بحارسٍ والفأرُ ليس على القِرَى بمُحكَّم

سبعون عامًا، كان من أهوالها:   أن يهرَمَ الهَرَمُ الذي لم يَهْرَم

قالوا: القناةُ فقلتُ: إنْ تَكُ حُجَّةً       لخلودهم في مصرَ، فلتَتَهَدَّم

هم دنَّسوا بشهِيقهِم وزفيرِهِم         جوَّ الكنانة، وهْو مثلُ البَلْسَم

هم سمَّمُوا نيلَ الحمى بثغورهم     فمتى نذوقُ النيلَ غيرَ مسمَّم؟

يا مصرُ، وجُهك أين كنَّا قبلةٌ        فيها المسيحيُّ التقى بالمسلم

الكلُّ بعد الله حُبُّكِ دينُهُ                مَنْ كان حُبُّك دينَه، لم يأثَم

لا تندُبي شهداءَكِ الأبرارَ، بل      غنِّي على أجداثِهم، وترنَّمي!

لا تعصِبي جُرحَ الجريح، فإنه         في جسمه مثلُ الفم المتبسم

ما صال في المَيْدان منَّا صائلٌ وأصيبَ، إلا قال: يا مصرُ، اسلمي!

الإمام الشَّهيد / حسن البنــا:

وكتب الشاعر الداعية شريف قاسم قصيدة يقول فيها:

سلسلي من عطائِـه المدرارِ   يا مغاني التحنانِ في الأمصارِ

وانفحينا أطيابَه في ربوعٍ        قاحلاتٍ من عابقِ الأزهــارِ

فلنجواه في القلوبِ لَشَــوقٌ            يتثنَّى بالحبِّ والإكبارِ

قامَ من غفوةِ الشعوبِ ربيعًـا         يتهادى ببردِه المعطارِ

فاشرأبَّتْ له العيونُ وفاضتْ        بدموعِ الأفراحِ بعدَ عثارِ

يومَ أشجَتْهُ غُمَّـةٌ في بني مصرَ . وفي سائرِ الورى والديارِ

فالمغاني تباشرتْ عبقاتٍ       بانبعاثٍ الإسلامِ في الأقطارِ

(حسنُ البنـا ) يا إمامَ اعتدادٍ        بالمثاني وسُنَّةِ المختارِ

فالأماني بدريَّــةٌ مزهراتٌ   في وريفِ الشريعةِ المحبارِ

قمتَ والقومُ في الظلامِ حيارى بين زيفٍ وخيبةٍ واندحارِ

وفنونٍ تُقامُ مُمْتَهَناتٍ          بين فحشِ الأهـواءِ والمزمارِ

فكشفتَ الغطاءَ إذ أسفرَ الحقُّ .    ولاحتْ مشارقُ الأنوارِ

هجرَ النُّورَ قومُنـا فتهاووا        في دياجي كبائرِ الأوزارِ

يعبدون الأهـواءَ غيرَ مبالينَ . .       بيومٍ أُعــدَ للفجـارِ

حسبُهم من حياتِهم أيُّ لهـوٍ من حرامٍ وسقطةٍ في شَنَارِ

وفسادٍ في الحكمِ بين طغاةٍ واضطرابٍ على عروشِ الصَّغارِ

الخياناتُ طبعُهم وفلسطينُ . .    على ذلٍّ قد طمى والعارِ

هدموا صرحَ أمَّــةٍ ما توانوا عن خسيسِ التزويرِ في الأعذارِ

وتمادوا بالإثمِ في غلس البغيِ . ولجُّـوا بمذهبِ استكبارِ

واستظلوا بفلسفاتِ فسادٍ            جلبتْها مكائدُ الكفَّـارِ

لليمين المقيتِ نادى أُناسٌ     والأذلاءُ قد مشوا لليسارِ

وهُدى اللهِ منهمُ لَبَريءٌ حيث تاهوا على صحارى البوارِ

تلك أسماءُ غيِّهم حفظوها    في حنايا الآراءِ والأفكارِ

فشيوعيةُ الرعاع دمــارٌ     وعُلُـوُّ استعبادِها لانهيارِ

واشتراكيةُ الجياعِ ضـلالٌ وانكبابٌ للناسِ في الأمصارِ

والرزايا في عالَمٍ عربيٍّ بين موجِ الخطوبِ والأوضارِ

ويــدُ المصلحين في كلِّ قطرٍ بترتْهـا مُـدى الذئابِ الضَّواري

يومَ هبَّ الإمامُ كانت شتاتا    فكرُ المخلصين بالأوطارِ

فاستوى باللقاءِ فيهم منارا   بالرشادِ المبين في ألأسفارِ

وتنادى من حولِـه كلُّ حُــرٍّ   فيدُ البِــرِّ في يــدِ الأبرارِ

وتدلَّت آمالُ فجرِ رجاءٍ      بجهـادِ الشبابِ والأنصارِ

(حسن البنَّـا) أنشأ اليومَ مجدًا وأعادَ الفخارَ بعدَ اندثارِ

وحمى شرعةَ النبيِّ شجاعا وكصنديدِ موكبٍ مـغوارِ

حملَ الخيرَ مؤمنا لا يبالي       برياحٍ عتيَّـةٍ ومــرارِ

ودياجيرِ محنةٍ خاض فيهـا ــ مشمخرًا ــ بعيدةِ الأغـوارِ

جــدَّدَ الدِّينَ والفضائلُ جَدَّتْ وهْـوَ يدعو ربَّ الورى لانتصارِ

وتبدَّى مُجَدِدًا في زمانٍ        دمــرتْهُ عقائدُ الأغيارِ

فَعَلا بالإسلامِ فعلا وقولا       وتخطَّى مكائدَ الأشرارِ

ومضى ينصحُ الذين تعاموا عن ضياءِ الهُدَى بوجهِ النَّهــارِ

ويعاني من الأذى ما يعاني  ثابتَ الجأشِ هازئًا بالغمارِ

إنَّـه صوتُه الكريمُ يُدوِّي  في البرايا بالنُّصحِ والإنــذارِ

وأفاضتْ رسائلُ الشيخِ نورا    في بلادٍ تموجُ بالإنكارِ

وأقامَ الجهادَ فارتفعَ البنــدُ . . خفوقا ورفَّ تحتَ الشعارِ

في فلسطين زحفُه لقتالٍ      ودفاعٍ عن أهلِهـا الأخيارِ

وجهادٍ عن المقدسِ والدِّينِ . وردعٍ لصولةِ الإعصـارِ

يومَ باعَ الشبابُ عمرَهم اليومَ . . بجناتِ خالقٍ غفَّــارِ

جلَّ ربي سينصرُ الدينَ مهما قد تداعتْ حشودُهم في الديارِ

كم شهيد مضى بسابق فضلٍ وكميٍّ يدوسُ هـامَ العــارِ

قد تلظَّى معنى البطولة في عهدٍ . .عهدِ الساحِ .. كعهدِ الأشاوسِ الأحرارِ

وعلى مصرَ في القنالِ جهادٌ ليس تخشى ضراوةَ الإعصارِ

روَّعَ المؤمنون جندَ احتلالٍ           بعثتْهُمْ إنكلتَرا للدمارِ

فأفاقَ النيامُ من غفوةِ الذُّلِّ .     وهبُّوا في الموكبِ الكرّارِ

وعلا بالنداءِ كلُّ حفيٍّ            بانتصارِ الإسلامِ بعد إسارِ

وتقاضى الطغاةُ من ثمنِ البيعِ . سرابَ الوعودِ خلف ستارِ

وتنادوا في ليلةٍ مَكَرَ الشيطانُ .     فيهـا للغدرِ بالأبــرارِ

وعــدا منهم الشَّقيُّ بِطَلْقٍ    من رصاصِ على يّدّيْ غــدَارِ

فاستوى في قرارِ صدرِ إمـامٍ    ضمّختْهُ من الدمش الفوَّارِ

فتثنَّتْ على الضياءِ ورفَّتْ       روحُــه فوقَ عالَـمِ الأكدارِ

رفعتْهـا ملائكُ اللهِ إذْ للملأ .      الأعلى غادرتْ في وقـارِ

حيثُ فردوسُ ربِّهـا نُزٌلُ المؤمنِ .    في ظـلِّ رحمةِ الغفَّـارِ

واختفى الغادرُ اللعينُ ولكنْ     ليس تخفى شريعةُ المختارِ

واختفى المجرمُ الخسيسُ ولكنْ ليس تخفى جرائمُ استعمارِ

فرحَ المجرمون ساعةَ قتلِ الشيخِ في الغربِ يالـه من عــارِ

وأقاموا أفراحَهم رغم ذُلٍّ          يعتريهم وخسَّةٍ وانكسارِ

وبدا ( البَنَّـا ) شمسَ أُفْقٍ فخارٍ     يستثيرُ القلوبَ بالأذكارِ

وبإيمان جيلِ عهدٍ جديدٍ                لا يبالي بغلظةِ الكفارِ

وينادي الأجيال أن لايهابوا          أو يهونوا لمجرمٍ جـزَّارِ

إنَّ عرسَ الشهيدِ ومضةُ رضوانٍ . من اللهِ فوحُهـا من غــارِ

وإذا السجنُ فُتِّحتْ لأولي العزَّةِ .   يومــا أبوابُــه من شِرارِ

وإذا ضاقت البلادُ بخطبٍ       من شواظ الأضغانِ والإنكارِ

 

وعلى حبل رفعةٍ علَّقَ الظلمُ . رؤوس الأبرارِ مثل الدراري

فاعلموا أنَّ موعدَ الفتحِ وافى      بخلاصٍ مؤكَّــدٍ وانتصارِ

ومن الركبِ (سيِّدٌ ) ورجالٌ       من أساطينِ عـزِّنا الزخَّـارِ

والسباعي بشامنا والهُوَيْدي وأبو الأعلى في مدارِ الفخارِ

والهضيبي وللمقامِ رجالٌ لم يبالوا في السعي في المضمارِ

جلَّ ربي هـمُ الأماجدُ عاشوا     في ليالي الشِّدَّاتِ كالأقمارِ

ذكرُهم بات فوقَ كلِّ لسانٍ        إنْ تباهى الحديث بالأطهارِ

ها همُ المسلمون في هدأةِ الفجرِ .   قيامٌ مع الأذانِ الساري

يتنادون للجهادِ وهـاهم             يتخطونَ وطأةِ الأسوارِ

لـم تغبْ عن مدارجِ الحقِّ نفسٌ    حضنتْهـا مساحبُ الأقمارِ

فالشبابُ الوثَّابُ في كلِّ حَدْبٍ    يرفعون الراياتِ دونَ الثَّــارِ

وتراهـم لايسأمون بليلٍ          ونهــارٍ عن صيحـةِ الإنذارِ

عيشُهم للــهِ الذي يجتبيهم من بني الأرضِ للنهوضِ المُثَارِ

حملوا في سبيله رايةَ الزحفِ .  ولـم يعرفوا طريقَ الفرارِ

ذاك مسعى شهيدِنا (حسنِ البنا) .   وهذا الطريقُ للأبــرارِ

إنهـا سُنَّةُ الإلـه بدنيـا                  ملأتهـا مكائد الكفَّـارِ

وسبيلٌ للأنبياءِ ومَن آمنَ .        بالدّيِنِ بعدهــم في الديارِ

سيلمُّ الشتاتَ نـورُ المثاني      ليس فيهم من يائسٍ خــوَّارِ

ويعودُ التوحيدُ بالقبسِ القدسيِّ . يحــدو بالموكبِ الجــرَّارِ

ويسودُ الإسلامُ دانيةَ الأرضِ .   وقاصي رحيبِهـا كالنَّهـارِ

ويعودُ الزمانُ بالعدلِ والخيرِ .   ويُعلي من مجدِه المنهـارِ

ويزيلُ السجونَ، إنَّ طغاةً      عمروهـا للقهرِ في إصرارِ

 

حـذَّرَ البنَّـا من أذاهـا وأوصى مَن تآخوا بالصَّبرِ من ذي الضَّواري

فعلى المؤمنين أن لايهونوا             رغـم حقدِ السَّفاحِ والخمَّـارِ

ويوالوا ماجاءَ في الذكرِ بعدًا        عن كذوبٍ لهم وعن سمسارِ

بين ليل الأسى وبين الأماني              رحمــةُ اللهِ القاهرِ الجبارِ

وكأني بالصبحِ يجلو كروبا              بعظيم التأييدِ في الأمصارِ

لن تنامَ الجراحُ فالغدُ آتٍ                   بدمارِ السجونِ والأوكارِ

فعيونُ المرابطين الرواني                     تتملَّى مطالعَ الأقـدارِ

آهِ يا مرشدَ الشبابِ تآخوا           رغم طوقِ الأذى بهذا الغمارِ

ما قعدنا عن الجهادِ ولكنْ             نتهادى كالنسر حين انتظارِ

نرمقُ الصبحَ والوغى باشتياقٍ          ورفيفَ البنودِ عبرَ القفارِ

فالميادين أهلُهـا ماتخلوا              عن جهادٍ على مدى الأدهارِ

وتميسُ الأرواحُ حبًّـا وشوقا               للجِنـانِ النَّديَّـةِ الأشجارِ

حائمات حينا تناجي وحينا                تتحرَّى الدُّنُوَّ في الإبكارِ

لك طوبى يا أيُّهـا الشيخُ هاهم          جندُ إسلامنا حـذاءَ المنارِ

يرقبون الميعادَ في يوم فتحٍ            ولأهـلِ المنارِ أحلى جِـوارِ

خيرةُ الخلقِ في زمانٍ تولى          عنه ما في أيامِه من قرارِ

قد بذلنا قلوبَنا سالماتٍ             داعياتٍ للخيرِ جمعَ الشِّرارِ

وسقاها الكريمُ كأسَ وفاءٍ               لـم تُصَرَّمْ حبالُه بالمرارِ

تعبدُ اللهَ في النهـارِ وترجو          رحمة اللهِ في سنى الأسحارِ

لم تهبْ رشقةَ الرصاصِ ولم تخشعْ .   لأسيافِ طغمةِ الجــزَّارِ

واشمخرتْ تقاتلُ الكفرَ تبًّـا             لفسادِ الكفارِ بالأحجارِ

في فلسطيننا الرجالُ تنادوا               لثباتٍ فليس من إنكارِ

 

شوقُنا أن نرى الأذانَ يدوِّي          لا كأشواقِ رنَّــةِ القيثارِ

حين داست على الفسادِ وألقتْ        للمهاوي بقيَّةَ الأوتارِ

هي لولا الإيمانُ أضرمتِ النارَ .         وألقتْ ديوانَه للنَّــارِ

أنا بالشعرِ كافرٌ إن تناسى          دعوةَ اللهِ أو شــدا للعــارِ

يإ إمامَ الهداةِ في عصرِنا الواجمِ . مهـلا فليس من أعـذارِ

لـم نكنْ إن تملَّكتْ هفواتُ الزيغِ .  نبراسَ جمعِنـا الجــرَّارِ

سيُدوِّي أذانُنــا ذاتَ يومٍ         ويعودُ الهُدَى بإذنِ الباري

فزتَ يا سيِّدي بجنةِ خلدٍ          وأعاديك في لظى من نارِ

وتساميتَ بالمزايا حِسانًا        وتهاووا في أسفلِ الأغـوارِ

عشتَ ترجو نجاتَهم من عذابٍ وتجافوا بئسَ الجفا من شعارِ

وبكلِّ الظروفِ وجهُـك يبدو     باسما مشرقا كوجـهِ النهـارِ

وعليك السلامُ من كلِّ قلبٍ         قد تغنَّى بالجودِ والإيثــارِ

قد تركتَ الميثاقَ يُرجَى لقومٍ  وهـُمُ الأوفياءُ أهـلُ النِّجــارِ

وقصيدة شريف قاسم *نشرت في مجلة المجتمع الكويتية ــــ العدد 659 ــــ وتاريخ 1404 هـ ، على ماكنت أتذكر منها من خلال بعض الأوراق التي كانت معي . ثم وصل أصل القصيدة الذي كُتب في ديرالزور ، مع بعض القصائد الأخرى التي يحتفظ بها أحد الأحباب ، وأرسلها إليَّ ــ فجزاه الله خيرا ــ وذلك منذ بضعة أيام ، وأما بقية الدواوين وجميع مافي المكتبة من كتب فقد أُخذت ، وتم تدمير البيت بالكامل . وهذا أصل القصيدة .

باتت مسهدة الأجفان:

رأى الأستاذ "بدر الدين الجارم "، وهو نجل الشاعر الكبير المرحوم "علي الجارم"، وقد قال هذه القصيدة سنة 1947هـ، وقد قالها لمَّا رأى تكاثر الناس والمريدين حول الإمام "البنا" بعد إحدى صلوات الجمعة.

باتت مسهدة الأجفان ترتقب تشكو الصبابة والمحبوب مقتربُ

هو الحياة التي أحيا بنسمته      هو الحبيب ومالي دونه أربُ

ودعت أنس شبابي بعد فرقته وكيف تصفو حياتي وهو محتجبُ

لما ذهلت أشاروا بالنحيب عسى يخفف الدمع ما بالنفس يصطخبُ

أين الدموع فأدعوها لتسعفني  ضنت علي بها الأجفان والهدبُ

حتى بدا مرشد الإخوان فابتهجت به النفوس وكادت قبل تلتهبُ

هو الشهاب الذي نرنو لطلعته هو الدواء لمن قد مسه وصبُ

إذا تحدث فالقرآن عدته     وإن تحدى سرى في ركبه الغلبُ

فليبق كل حسود ما بجعبته     بدا اليقين وزال الشك والريبُ

بيضاء ناصعة في الكون صفحته قد زانه الدين والأخلاق والأدبُ

بسعيكم أمة الإسلام قد نهضت تبغي الجهاد وبالأحداث ترتقبُ

فسر بها اليوم والرحمن يكلؤها أرى السفينة بالأمواج تضطربُ

لأنت أول مَن يرجى لنصرتها فيُنْصَرُ الحقُّ والإسلامُ والعربُ

المصدر :إخوان اون لاين

في مئوية الإمام المجدد حسن البنا:

وبهذه المناسبة كتب الشاعر الإسلامي مأمون فريز جرار يقول:

الخالدون     مع    السماء    سماء

يمضي الزمان وهم شهود في الورى

هم     للقلوب     منائر     وضّاءة

رسل    مضوا    فيه    بهدي   نبوة

في   كل   عصر   كوكب   متلألئ

يا  باعث  الإيمان  في  زمن طغت

جددت  أمر  الدين  في  هذا الزمان

حسن   وبالإحسان   عمرك  عامر

نوراً     أتيت     وللظلام     معاقل

لا   همة   تعلو   بهم   نحو   العلا

أسرى    هوان،    والهوى    ميزانهم

فحملت    هم   الدين   ترجو   بعثه

وجعلت    عنوان    الأخوة    واحة

لله     درك    في    حياتك    عبرة

أعجزت  من جاراك في سبل الهدى

مئة  مضت  وطوى  الزمان زمانها

ومضى  الزمان  وما  طواك مضيّه

هذي  (  الرسائل  )  للمسيرة  منهج

وإذا    الخطا   تاهت   وتاه   دليلها

درب   الشهادة   قد   دعاك  فجزته

قتلوك  ،  واعتقلوا الدموع ، وسلسلوا

قرعوا    الكؤوس    وأترعوها   نشوة

نفضوا     أياديهم     وقرّت    أنفس

قتلوك  ،  ما  قتلوك  ،  لكن أوقدت

قتلوك  وانفلق  الصباح  على المدى

في    كل    ركن    للأخوة   شعبة

ما   ينقمون  من  الدعاة  ؟  أحبُّهم

هم    أنبتوا    فيهم   بذور   تطرف

واستكبروا      وتجبروا      وتفرعنوا

كم   في   السجون  شواهد  مكتومة

يا   قائد   الشهداء   ما  زال  المدى

لا   وحدة   بنيت   ولا   وطن  علا

شيعا  غدا  صف  الدعاة  فأين من

يا   حاملي   الإسلام   كونوا   أهله

وشفاء     أمراض    الورى    لكنما

ضاقت    عقولهم   فضاق   سبيلهم

مُدّوا   الجسور   فلستم   حزباً   فلا

في   صفّ  بيت  الله  سوّوا  صفكم

أنتم     طليعة     نهضة    منشودة

والوعد     وعد    رسولنا    بخلافة

والفجر    آت    لا    يكذب    نوره

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في      أفقهم     تتلألأ     الأضواء

مثل    الرواسي   ما   لهنّ   مضاء

والدرب     من     أنوارهم    وضّاء

والصالحون   على   خطاهم  جاؤوا

يُجلى     الظلام     بنوره    ويُضاء

فيه     العقول     وعمّت    الأهواء

فصحَّ      وصفك     أنك     البناء

فالدرب     طيب    والمدى    أنداء

والمسلمون   على   الدروب   غثاء

فهم      عبيد      مطامع     وإماء

وديارهم      من      فرقة     أشلاء

في    أمة    هي   للخلاص   رجاء

يأوي     إلى     أفيائها    الصلحاء

عمر   قصير   ،   والحصاد   نماء

وامتد     في     خطواته    الإعياء

مذ    لاح   نجم   قد   علاه   بهاء

فالذكر    بعد    الموت   فيه   بقاء

ومن ( الوصايا ) في الدروب ضياء

فضياء    فكر    ك   للمتاه   جلاء

وتتابعت     من    بعدك    الشهداء

الأحزان   ،  واحتمل  الشهيد  نساء

لما    استطارت    بالردى   الأنباء

منهم     فهذي    الطعنة    النجلاء

من   وهج   جرحك   شعلة  شهباء

وترددت    في    العالم    الأصداء

وبكل      أرض      للدعاة     لواء

لهداهم       أم      أنهم      شرفاء

لما    استحلّوا    عرضهم   وأساؤوا

وتنمردوا     وتوهموا     ما    شاؤوا

أخفى    بشاعة    وجهها    الرقباء

وطنا     تغشي    وجهه    الظلماء

وتحكمت      بمصيرنا      الأعداء

عين   الدعاة   محجة   بيضاء   ؟

فالدين     درب     هداية     وعلاءُ

بعض  الدعاة  – وسامحوني – داء

والدين      مما      يهرفون     براء

تأسركم        الحزبية        العمياء

بجماعة        للمسلمين       سواء

في      بعثها     للعالمين     شفاء

للعدل       فيها      راية      علياء

إلا    الذي    في    ناظريه   عماء

وتلك هوية الإخوان:

ويدافع الشاعر المغربي محمد فريد الرياحي عن منهج الإخوان فيقول:

هم  الإخوان  ما دانوا

لهم   بالذكر   إشراق

لهم  بالنصر صولات

وتلك   مواعد  الإخوا

وتلك   ملاحم  الإخوا

وتلك  مجالس  الإخوا

وتلك   عزائم   الإخوا

وتلك   جوامع  الإخوا

وتلك  مكارم  الإخوان

وتلك  مواهب  الإخوا

وتلك   مراتب  الإخوا

وتلك   منازل  الإخوا

وتلك   هوية   الإخوا

فهل  تسطيع  عسكرة

بقاء    من   جنايتها

لقد   خسرت  وفتواها

ومثواها   من   الداريـ

ألا  فلتستجب  للحق

هي   الدنيا   مواقيت

وهل تنفع في الأخرى

مضيا   فاخلدوا  فيها

جزاء   بالذي   فعلت

موازين    لها   بالقسـ

وقول  بالهدى  فصل

هم الإخوان في مصر

لهم   روْح  من  الجنا

فلا خوف على الإخوا

هي الجنات قد فتحت

ألا  فاغشوا  مساكنها

رعى  الله  بني مصر

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وما  ضعفوا وما هانوا

من   الرؤيا   وفرقان

من    اللقيا   وأركان

ن في الرمضاء ميدان

ن    أرواح    وأبدان

ن    تذكير   وتبيان

ن     أوراد     وقرآن

ن   بالآيات   عرفان

ن  بالإحسان  إحسان

ن    تعمير   وبنيان

ن   عند  الله  عنوان

ن   جنات  ورضوان

ن    إسلام    وايمان

لها   بالمكر  سلطان

وهل  يرجى لها شان؟

من   البهتان  بطلان

ن  خذلان  وخسران

إن    الحق   سلطان

وهل  يبقيها  طغيان؟

نياشين      وتيجان؟

وما  في  النار غفران

وعدل   الله    برهان

ط    أحكام    وأوزان

وأمر     منه    إقران

لهم   مصر  وأوطان

ت  باليسرى  وريحان

ن   والجنات   أفنان

وما    فيهن    أحزان

ورب   الناس  رحمان

وهم  في  الله  إخوان

 

الإمام الشهيد حسن البنا:

وكتب الشاعر د. جابر قميحة يقول: رأيت الإمام الشهيد (1906- 1949م)،واستمعت إليه مرة واحدة في حياتي في أواسط الأربعينيات، كنت في قرابة العاشرة من عمرى آنذاك، وترك في نفسى أثرًا عميقًا جدًا. وبعد استشهاده بعامين رأيت أحد تلاميذه يخطب في مدينة المنصورة بمصر، وفى نبراته وطريقته بعض من سمات الإمام الشهيد، فكانت هذه الكلمات التي سجلتها في يومياتي سنة 1951م. أنقلها كما هي دون تعديل أو إضافة , وقد مضى على نظمها أربعة وخمسون عاما.

رأيته..

أمامَهُ من القلوبِ ألفُ ألفٍ تَسْمَعُ

رأيتُه كأنما يلحن الضياءَ والشفقْ

ويرسلُ النشيدَ من نياطِ قلبِه الكبيرْ

ترتيلةً من الذهبْ

قلْ يا إمامُ قُلْ…

وحينما سمعتُه يقولْ

«الله غايةُ الغاياتِ يا صحابْ»

رأيت فجرَ النورِ في الأفقْ

وألفَ ألفِ محرابٍ يُسبِّحُ

وكلَّ عينٍ في الضياء تَسْبَحُ

والأرضَ -يا للأرضِ- أصبحتْ سماءْ

والليلَ فجرًا مائجًا بأقدسِ الأسماءْ

وبحرَ سرِّ الله .. لا يُحَدْ

الحيُّ، والقيومُ والجبارُ

والسميعُ والعليمُ والغفورُ والأحدْ..

**********

قلْ يا إمامنا حَسَنْ

فكلُّ ما تقوله حَسَنْ

«زعيمنا محمدٌ.. له الولاء

وغيرهُ في عصرنا ادّعاءْ

وحبه فريضةٌ مؤكدة

صلى عليه الله والملائكةْ»

وعندها.. رأيُتُه… محمدا

وراية «العُقابِ» تمخرُ

وتحتها جنوده- إذ يزحفون.

نحو بدر.

وكلهم يفْديه بالعيونِ والقلوبِ والوَلَدْ

وكلهم أسدْ

يقينه بالله لا يحده أمدْ

رأيتهم فى كرِّهمْ وكرهمْ

والكافرين فى انكسارهم وفَرّهمْ

وعندها.. رأيتها «العقاب»

فى ازدهائها العظيم تَبتسِمْ

«قد جاء نصر الله , فاسجدوا

وهللوا.. وكبروه.. واحمدوا..»

***********

قلْ يا إمامنا حسنْ

فكلُّ ما تقوله حسنْ

وإنك البنَّاءُ فى السرَّاء والمحنْ

«الموتُ فى سبيل الله ..

أسمى الأمنيات والمننْ

قد خاب قوم طلقوا الجهادَ والجِلادَ

واستجابوا للوهنْ»

************

ونلْتَ يا إمامنا العظيمَ ما اشتَهَيْتْ

إلى السماء – سيدى – قد ارتقيت

إلى جوار الله – سيدى – لقد علَوتْ

وأخيراً:

هناك قصائد أخرى لبعض شعراء الدعوة في الثناء على جهاد الإمام وجهوده في الإصلاح والتربية.

نرجو من الله أن تتاح الفرصة للوصول إليها وتحليلها.

-يتبع-

 

[1] - عمر بهاء الدين الأميري – مجلة المسلمون – العدد الثاني.

نقنقلاً عن كتاب: موسوعة الشهداء، تأليف: عبد الحليم الكناني – منشورات دار البشير طنطا ، ط1 1414هـ - 1999م ص 170.

(span>[2] ) جريدة الشهاب السورية العدد (30) ، 18 ربيع ثان 1375هـ 4 كانون أول 1955م.

([3] ) مجلة "المسلمون" العدوان الثاني والثالث .

وسوم: العدد 1041