الاتجاه الإسلامي في شعر د. محمد إياد العكاري
ونقصد بالاتجاه الإسلامي جميع الشعر الذي يتناول موضوعات إسلامية بحتة: شعر العقيدة، والعبادة كالصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، والجهاد، والإيمان، والمعاملة والأخلاق ..
والشاعر د. العكاري ابن أسرة مسلمة ملتزمة، ومن بيئة مسلمة، تربى على موائد القرآن؛ لذلك نجد شعره يطفح بالمعاني الإسلامية، فهو يقتبس من القرآن الكريم، والسنة النبوية، وينهل من التاريخ الإسلامي، ومع ذلك لا يغفل عن واقع المسلمين، فهو يهتم بنهضة الأمة، ويصور مآسي المسلمين، ويفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم؛ لذلك لا غرو أن جاءت قصائده ملتزمة شكلاً ومضموناً.
شعر العقيدة:
ويبدو للوهلة الأولى أنه قد تسلح شاعرنا الحبيب د. محمد إياد العكاري بعقيدة التوحيد الخالصة، ولنستمع إليه في قصيدة (سبحات) التي يمجّد فيها ربه، ويعدد فيها أسماءه الحسنى، وصفاته العليا، فيقول:
لك الحمد يا رباه والشكر والثناء بديعاً جليلاً واهباً ومكرما
إلهاً عظيماً قادراً متفضلاً عزيزاً كريماً مبدعاً ومنعما
خلقت فأحسنت الخلاق كلها فيالعظيم ذي جلال تكرماً
هديت فأبدعت الوجود وكوننا تباركت خلاقاً حكيماً ومحكماً
فأنبت في الأرحام خلقاً مصوراً فجل الذي أعطى وجلّ مقسما
فمنها ذكورٌ قد أهلّ ربيعها ومنها إناث طاب خلقاً مكرماً
تكريم الله للإنسان:
ولقد كرم الله الإنسان ووهبه العقل والذكاء، وسخر له جميع ما في الكون من جماد وحيوان وطير...ولم يطلب منه شيئاً غير الشكر والعبادة:
وأكرمت إنساناً ينطق وبالحجى وعلمته الأسماء كي يتكلما
وأهديت عقلاً لاين آدم فضله حقيق وفي الأرجاء ساد معلما
وأحييت فكراً بالنهى ومعارف فأبدع في البطحاء علماً مدعّما
وأثرى الفيافي بالكشوف وأرضه وحلّق في الأجواء كالنسر حوّما
وفي ظلمات البحر غاص لنفعه بحفر الأراضي أخرج النفط نجّما
وفي سبحات الفلك قرب أنجماً وفي حلقات الطبّ أبعد جُرثما
فسبحان من أهدى العقول تفكراُ وجلّ الذي أعطى اللسان تكلما
ويدعو الشاعر ربه أن يغفر ذنوبه الكثيرة، فيقول معلناً التوبة والرجوع إلى الله:
أتيتك يا إلهى ألتمس الهدى وأطلب غفراناً وعفواً مدوّما
أتيتك ملء الأرض ذنباً خطيئة فعفوك ياغفار والمن أعظما
قصدتك يا حنان جئتك راغباً ففضلك والغفران والجود في الحمى
وجئتك عبداً آيباً متضرعاً فعتقك يا الله جئتك مسلماً
العروة الوثقى:
وحين كتب إليه صديقه الذي يعيش في بلاد الغرب رسالة جاء في ثناياها ( فعقيدتي ما عشت أني مسلم)، فحركت وجدانه، فكانت الشرارة لهذه القصيدة (العروة الوثقى) التي يقول فيها:
القلب يلهج والجوارح تلهم والفكر ينطق والشعور يكلم
والروح تومض والضياء بكنهها والعين تسبح بالفضاء وتحلم
والنفس تخبت والكيان برعشة والنبض يحمد والفؤاد يسجمُ
فالعقل أسلم للإله وتاجه تاج الفخار لربه مستسلم
نبع الهداية:
وتعد مكة المكرمة منبع النور والهداية لكل مسلم، ففي غار حراء اتصلت الأرض بالسماء، وفيها ولد نبي الهدى، ودرج، وجاءه الوحي:
من مكة الغراء شعشع ديننا فافترّ ثغر للدنا يبتسمُ
وسرى إلى الوديان نور رسالة من بعدما كان الظلام يخيم
واستشرفت شمس الهداية تعتلي وسنا النبوة والضياء الأعظم
فتألقت كل المعالم وازدهت بالنور يشرق بالهدى يتكرم
مناجاة قلب:
يبدأ الشاعر محمد إياد العكاري مناجاته بالشكوى من قلبه الذي هو سر حياته ووجوده وحبه وإحساسه، فيقول:
يا رب أشكو والخصيم فؤادي قلبي ونبضي، خافقي ومدادي
هذا الذي سرّ الحياة محبة لولاه ما عرف الخليل ودادي
لولاه ما دفق الحنان بجنحه لولاه كان الحس مثل جماد
لولاه كان الدرب أقفر موحشاً لولاه كان الطعم مثل قتاد
وأما موضوع الشكوى فهو أنه يشكو من قلبه وغفلاته وتفريطه وشروده عن سبيل الحق، فهو يرجو من ربه إصلاح ذلك الفؤاد الغافل:
أشكوه ربي كم أقض مضاجعي هذا الذي جنباي منه تنادي
ألقاه يمضي غافلاً ومفرطاً طمعاً بدنيا طالباً لمداد
ألقاه يشرد عن سبيل للهدى يلهو ويكبو غارقاً بسهاد
ألقاه ينأى عن معارج همة ونيل كسب مسرعاً لمراد
مالي أراه بحسبة وبرغبة؟ مالي وقلبي ؟ ماله برقاد ؟
كما يطلب الشاعر من الله الثبات والسداد والعزيمة في الأمر والرشاد في الدنيا، ويتمنى لأمتنا الهداية والنصر والتمكين:
يا رب سدد في الحياة دروبنا وأنر بصيرتنا فأنت الهادي
والقلب ثبت والبصائر زكها يا رب بالقرآن والإرشاد
والفقه علمنا وزدنا بالتقى والنفس أشغلها بيوم حصاد
واشدد على درب الصراط عزائماً تبقى مجندة لخوض جهاد
وأعد لأمتنا شموس سعادة ليعود إسلام لنا لقياد
المديح النبوي:
ويعد المديح النبوي من أغزر الأغراض الشعرية حيث بدأ هذا الفن على لسان حسان بن ثابت، وكعب بن مالك الأنصاري، وعبد الله بن رواحة، والنابغة الجعدي، وكعب بن زهير صاحب البردة الشهيرة، ثم تطور هذا الفن حتى نضج على يد البوصيري، وشوقي، وعائشة التيمورية، وأحمد محرم في عصر البعث والنهضة، ويكفي أن تعلم أن خمسمئة شاعراً عارضوا بردة البوصيري، وقد جمع معظمها يوسف النبهاني في كتابه المدائح النبوية في عدة مجلدات، وآخر شاعر عارضها الشاعر الإسلامي المعاصر شريف قاسم في قصيدته الرائعة بين نسيج بردتين، وممن عارضها الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي في قصيدة جميلة، وقد أسهم الشاعر د. محمد إياد العكاري في المديح النبوي، فكتب يقول:
فرسولها خير الأنام محمد علم الهداية والنبيّ الملهمُ
فبطيبة الخضراء ألقى غرسه فنمت فروع للعلا تتقدمُ
واخصل نبت الحق فيها وازدهى وعلا صهيل المجد فيها يحسمُ
فأمة للبطحاء فئ عقيدة وتندت الغبرا ودانت أنجم
فالرسول هو علم الهداية، وملهم ومسدّد من الله، ولقد ألقى بذور غراسه في المدينة المنورة، فنمت، وزكت، وعلا فيها الحق على الباطل، وتسلح الأنصار بالعقيدة الغراء، ففتحوا بلاد الشرق والغرب.
رسالة القرآن:
وأشاد الشاعر د. محمد إياد العكاري بالرسالة الخالدة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، فرسالة القرآن هي الرسالة الخالدة، ومعجزة الإسلام على مرّ العصور، وهي التي تهدي للتي هي أقوم:
فمبادئ الإسلام خير للورى ورسالة القرآن تلك الأقوم
وشريعة الرحمن دين سعادة وعقيدة التوحيد جاءت تعصم
ومعالم الإحسان نور حضارة ومصالح للمجد ..هدى محكم
ومشارق للعز هذا ديننا دين الرشاد وما عداه مثلم
فهو يؤكد أن شريعة الإسلام، ودولة القرآن هي مصدر السعادة في الحياة.
شريعة الغاب:
ويقارن الشاعر المسلم بين شريعة الله الخالدة، وقانون البشر الذي حوّل المجتمعات إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف، ويعمها الظلم والجور:
حتى اعترى حجب الظلام عوالماً بشرائع الإنسان كم تتجشم ؟
فالشرق يحكم بالحديد مكبلاً والغرب يغرق والضلال يحكمُ
والناس في أرضي تتيه بظلهم هذا برب الناس كيف يترجم؟
لن يبزغ الفجر السعيد لأمتي إلا بهدي الله فلتستعصموا
فشاعرنا يؤكد أن المدنية في الشرق والغرب رغم التفوق العلمي هي مصدر التعاسة والشقاء؛ لأنها تطير بجناح واحد هو المادة، وتهمل الروح، وتحارب الأخلاق النبيلة، وتبيح الرذيلة.
شريعة الإصلاح:
ويؤكد الشاعر محمد إياد العكاري أنه لن يصلح الإنسان إلا شريعة الديان، ولن يصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فمصدر هذه القوانين هو الله سبحانه، وهو أعلم بما بصلح خلقه ( ألا يعلم من خلق، وهو اللطيف الخبير)، فالذي خلق الإنسان هو أدرى بإصلاحه:
هل يصلح الإنسان إلا ربه فهو الخبير بخلقه والأعلم
وهو الحكيم بأمره وبنهيه وهو الكريم بهديه والأكرم
يا ويحنا أين الجدود ليسمعوا ؟ وليشهدوا رفع المخازي تجثم ؟
وليصروا نار الفسوق وزهوها وليرقبوا الأحفاد كيف تسمموا ؟
انقلاب الموازين:
ولكن في هذا الزمان المتأخر انقلبت فيه الموازين، وساد الجهل بدلاً من العلم، وانتشر الذل مكان الكرامة، ..
فالحال تغشاه المذلة والخنا والناس من شرك الغواية تطعم
واليوم أصبح بالظلام مسربلاً والتبر أضحى كالتراب ويعدم
ودماؤنا هانت وعظم نحورنا وجسومنا بردت فلا تتألم
ولكم تراق لنا النفوس بساعد فتصافح الأخرى، ولا نتحشم
ولقد بلغ بنا الهوان حداً لا يطاق، فكيف نصافح الأيدي التي يطعننا أصحابها باليد الأخرى، فالعاقل لا يرحم عدوه.
الفخر بالماضي المجيد:
لقد كانت أمتنا منارة للعلم والعز والكرامة والمجد والعلياء، ترفض الضيم، وتأبى الهوان، تحكمها شريعة الله، ويسودها العدل، ويذكرنا الشاعر معتزاً بالماضي المجيد بعثاً للهمم في أبناء الجيل، ليكونوا خير خلف لخير سلف:
يا أمة كانت مناراً للورى كانت شموس العز منها تضرم
كانت على عرش الكرامة تعتلي كانت خطوط المجد منها ترسم
أو ترتضين الضيم ؟ ليس طبيعة عوداً إلى الإسلام ذاك الأحكم
عوداً إلى دين السعادة والهدى سبل المعالي هاهنا والمغنم
شباب الصحوة:
لقد شبّ جيل الصحوة عن الطوق إنه جيل الهدى، وجيل القرآن، يسعى لشريعة تسود، وعدل يحكم:
سأقول قول الحق إنا فتية شخصت بصائرها لرب يرحم
وأقول فصلاً إننا جيل الهدى نحيا بظل الدين بل نتنسم
نعلي لواء الحق لا نخشى الوغى فلغير رب الناس لا نستسلم
نشدو على وقع الصماصم والقنا ولنيل ما تهوى القلوب تدمدم
العروة الوثقى:
والعروة الوثقى عند المسلم هي كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة، والإيمان بالله، والكفر بالطاغوت:
فستبذل الأرواح تنصر دينها وتحرق الأنفاس إنا نقسم
وتراق أنهار الدماء فداءه فالحق ذاك، وكلنا مستعصم
بالعروة الوثقى وتلك وشائج فعقيدتي ما عشت أني مسلم
ورسالة القرآن دستور الهدى فيها السعادة كلها والأنعم- صدى الأعماق: ص 69، 70 ، 71 .
فشباب الأمة أقسموا على إراقة الدم الزكي حتى يعود للدين مجده، وطالما سمعناهم يرفعون شعار:
في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللواء
فليعد للدين مجده أو ترق فيها الدماء
من نفحات الهجرة:
والهجرة أنواع منها هجر السوء، وهجر ما نهى الله عنه، وهجرة الأوطان، وقد كانت هجرة الصحابة إلى الحبشة، وهجرة المصطفى صلى الله علية وسلم من مكة إلى المدينة ميلاد فجر جديد لدولة التوحيد، ويقول الشاعر مصوراً فرحة أهل المدينة بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم والصديق مهاجراً من مكة المكرمة:
هتف البشير وغردت أطيار وسرى الضياء وأشرقت أنوار
وأضاءت الدنيا بمقدم مركب خف الملائك حوله الأبرار
وتكشفت شمس العلا عن نوره فتحجبت وتخسفت أقمار
وتقلدت جيد الزمان قلادة فتألقت وتلألأت أطوار
وتسامت الدنيا بخير رسالة وبدولة يسعى لها الأحرار
وبعد الهجرة الشريفة بنى رسول الله المسجد منطلقاً للعبادة، ونشر خلق الأخوة بين المهاجرين والأنصار، وكتب وثيقة المدينة لتنظيم العلاقة بغير المسلمين، فساد الوئام، وعمّ العدل والسلام والمحبة:
مذ حل خير الخلق أحمد طيبة ساد الوئام وألفت أغيار
وتساندت بمحبة وأخوة وتعاضدت وتآثرت أنصار
فأطاب يثرب والمدائن حولها وتعطرت بالمكرمات خيار
وأبان للأزمان كيف بهديه أندى البرية فارتوى إقفار
وبوجه طغيان تصبر داعياً ومهاجراً وتآمر الأشرار
خسئوا وخابوا بل أشاه وجوههم وحمته جند الله والأطيار
حتى يبلغ دعوة وأمانة ورسالة شرف بها ووقار
لقد أرسى العقيدة الصحيحة التي هي أساس البناء السليم، ويقوم عليها العدل والهداية والخلق النبيل:
أرسى العقيدة والمكارم والعلا في جيل صحب كلهم أطهار
وأقام دين الله يحكم فوقها فعدالة وهداية وعمار
ومعالم لكرامة ولعزة وسيادة وقيادة وقرار
ومآذن ومنابر ومساجد ومناهل ومعارف ومنار
وتواصل وتراحم وملاحم ومفاخر ومآثر ما ساروا
ولقد ربى رسول الله جيلاً أقام من بعده صرح الحضارة الإسلامية في العالم:
فأشاد بالإسلام صرح حضارة شرفت بها الألوان والأمصار
وسمت بدين الله أنت كنت مبينه ورسوله أنت النبي المختار
ويحسّ الشاعر محمد إياد العكاري بعجزه عن الوفاء بحق النبي وصحبه الأبرار، ويعتذر عن التقصير في مديحه:
أي القصائد أستطيع فعجزها متبين وجمانها أحجار
ومدادها عن أن ينال صفاته حتى ولو كان المداد بحار
فالعذر إن قصرت أحمد سيدي خير الخلائق هامها المعطار
أنت العلا أنت الهدى أنت الندى أنت المدى أنت السنا النوار
أنت الملاحة والسماحة والوفا أنت الشجاعة والفدا والغار
شرف الرسالة والشفاعة والدعا تاج الفضائل للمكارم دار
فمكارم الأخلاق أنت ضياؤها وجمالها فالمكرمات تغار
فالرسول كان بين الناس رجلاً، وكان بين الرجال بطلاً، وكان بين الأبطال مثلاً، فهو رمز الهدى والعلا والندى، وهو مثال السماحة والملاحة والوفاء.
ورسالة الإسلام أنت منارها وشهيدها ونذيرها بشار
وختام صرح الدين بل مسك الألى نور الهداية عرسها ومسار
ولأمة شفع الحبيب محمد سمع المجيب الراحم الغفار
فاهنأ وطب، واشفع تشفع وعده حمداً إلهي قرت الأبصار
فبنوره جاء المسيح مبشراً وبذكره حفلت به الأخبار
وبفعله شهد الجميع عظائماً وبفضله كتبت به الأحبار
وبهديه ضاءت مفاوز أرضنا فمحمد شأو الورى إكبار
فجزيت من رب العباد كرامة وثناؤه من ربنا أذكار
حتى اعترت أزمان رشد كبوة دول الليالي والسنون تدار
وبهجرنا آي الكتاب وسنة حل الظلام وليله الغدار
ونحن حين نهجر القرآن والسنة نصبح لعبة بيد الشيطان والهوى، ويتكالب علينا الأعداء، وحين نحب الحياة، ونكره الموت نصبح فريسة للأقوياء، وما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا وغزوا في عقر دارهم:
فصحت أبالس جنهم وجنودها ظهر الفساد وعربد الفجار
وتفننوا في الكفر أبشع صورة وتهددوا وتوعدوا وأغاروا
يتآمرون لحجب نور رسالة خسئوا فناصرها هو الجبار
ويتفاءل الشاعر بالمستقل القريب، ويثق ثقة مطلقة أن المستقبل لهذا الدين:
سيعود فجر الحق بالإصباح بل ويزول ليل حالك عوار
ويقوم بالدين العظيم جنوده دستورهم قرآنهم أمار
مستمسكين به وهدي نبيهم ووليهم ونصيرهم قهار
لتشع بالدنيا شموس سعادة وتضيئ ألباب الورى أنوارُ
وهذه الأبيات الرائعة الجمال تذكرنا بقصيدة شاعر الإسلام في العراق:
سيعود عصر النور رغم أنوفهم ويخيب كل منافق خوان
قبسات من السيرة:
والشاعر محمد إياد العكاري لا يفتر في الكتابة عن السيرة النبوية الشريفة، وأخذ الدروس والعبر منها، فالرسول قدوتنا، فهو يقول في قصيدة له تحت عنوان (قبسات من السيرة) في ديوانه صدى الأعماق:
أسيرة طه ؟ يا لذكرى تخلّد رسول الهدى خير الأنام محمد
خيارُ خيارٍ الخلق فضلاً ورحمة ضياء ونبراساً بعثت ليهتدوا
هديت إلى درب الصراط بشرعة وآي بقرآن كريم ليرشدوا
ثم أشار الشاعر إلى نشأة النبي عليه السلام يتيماً، وكيف لقبه العدو بالصادق الأمين، والفضل ما شهدت به الأعداء:
ولدت يتيماً فالكرامة والهدى وجدت فقيراً بالمساغب تنجدُ
وكنت أميناً فالقبول بحكمه ودمت عزيزاً، للرسالة أحمد
أضأت طريق المجد والخلد داعياً إلى نهج ديان عظيم ليسعدوا
وعندما عرض عليه كفار قريش المال والملك والنساء، وأنهم لا يقطعون أمراً دونه على أن يترك الدعوة أجاب بصراحة المؤمن الواثق: (والله يا عمي لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه)، وليحيا الثبات على المبدأ، وليسقط النفاق:
فلا شمس دنيانا تحول طريقه ولو وضعوها باليمين وشددوا
ولا صد جهال وجور لظالم يقود رقاب الناس ظلماً يهددُ
وقفت أمام الناس جمعاً حبيبنا وعانيت منهم كم تمادوا وهددوا؟
وخضت صعاباً واعتليت ركابها فنلت خلوداً فالإله مؤيّد
لقد جاء النبي برسالة كالشمس وضحاها، وبشريعة كالقمر إذا جلاها، ففتح القلوب قبل فتح البلدان:
وسرت بدين الله للنور حاملاً رسالة توحيد وهدياً يسرمد
سلام وإسلام ودين وشرعة وحق وهدى فالوجود مغرد
وعلم وأخلاق ونور ورحمة وصدق وإيمان برب يمجد
وحلم وإيثار وعدل ودولة وعز وعلياء ومجد وسؤدد
ويعيب الشاعر د. العكاري، ويستغرب ممن يرضى بغير هذا الدين ديناُ ومنهجاً، فمن المستحيل أن يرضى العاقل الواعي بغير الإسلام ديناً:
فمن يا إلهي يرتضي غير دينه! ومن يا إلهي مثل أحمد برشدُ
فأرض بلاد الشام ضاءت بنوره ودانت لرب الكون تدعو وتعبدُ
وطيبة طابت فيك حياً وميتاً وذكر الثناء الجمّ مجداً تشيدُ
وشعّت ربوع الأرض بالصحب تزدهي وقائدهم فيها رسول موحّد
نجوم وأنوارٌ بشمس سعادة تضئ لهم درب العلا وتزوّد
أنار طريق الخير بالعدل والهدى وشعّوا بدين الله نهجاً يسددُ
فكانوا خيار الخلق بالبصائر والنهى وقدت فتوحاً فالهداية تنشدُ
الإسراء والمعراج:
وعندما سُدّت في وجهه -عليه الصلاة والسلام- أبواب الأرض، فتح الله له أبواب السماء، فأسري به من مكة إلى الأقصى، فصلى بالأنبياء إماماً، ومن ثم عرج به إلى سدرة المنتهى حيث فرض الله عليه الصلوات الخمس؛ لتكون معراجاً للمؤمن تقوّي صلته بخالقه:
فسبحان من اسرى بأحمد ليلةً إلى قبة الأقصى فأمّ ليقتدوا
وجل الذي أعطاك خمساً بمعرج ترى أي قهار بديع وتقصدُ
ختمت رسالة الإله بدعوة تنير دروباً للخلود وتسجدُ
وأنت شفيع في القيامة ترتجى وأمتك العظمى تسود وتحمد
غداة يحق الحق خالق كوننا فكل مجازى والنتائج ترصدُ
فهذا إلى جنات عدن وروضة وذاك إلى نار تفورُ وترعدُ
ويقرر الشاعر والمسلمون، ومعهم العالم أجمع أن رسول الله خير مبلغ، وأن دينه مسك الختام، فيحمل لواء الحمد يوم القيامة بعد أن يشفع بجميع الخلائق:
فحمداً عظيماً لا حدود ولا مدى ومنا جميعاً فالخلائق تشهد
بأن رسول الله خير مبلغٍ وأن ختام الرسل بشرى وسيد
وأن لواء الحمد أول بارق وأن جنان الخلد فوزٌ لمن هدوا
ويختم القصيدة بالاعتذار عن التقصير في أداء حق النبوة، ويدعو لنفسه بأن يمشي في طريق الخير، وأن ينهج نهج الرسول القدوة، فيقول:
وهب لي إلهي يا مجيباً لعبده يقيناً وإيماناً وهدياً يسددُ
لأمشي طريق الخير والنور والهدى أسير ودين الله نهجي أجسد
لأغدو سعيداً في مآلي وحاضري بهدي الإله الحق رب يخلّدُ-صدى الأعماق: ص 82، 83 .
أشواق إلى طيبة:
ويشتاق الشاعر إلى طيبة الطيبة، ومسجد رسول الله، ومرقده الشريف، ودار الهجرة، وبلاد المهاجرين والأنصار:
ما للفؤاد ونبعه حد ووجيبه والقلب ينقد ؟
والنفس ولها هاجت الذكرى والشوق فيها، والهوى وقد
والروح تسمو في تطلعها نحو المعالي، هزها الوجدُ
وبعده المقدمة التي تفيض بمشاعر الحنين يقول الشاعر معدّداً فضائل المدينة المنورة:
من طيبة الأطياب نأنسها حيث الندى، والجود، والودّ
حيث النبوة شمسها سطعت حيث الرسالة سطرها مجدُ
فتألقت من نورها الدنيا والأرض عرس للهدى وردُ
ويشبه تلك الربوع بجنة الفردوس، ولم لا وقد قال النبي ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة:
يا جنة الفردوس في الدنيا يا مركباً فيه الألى جدّوا
يا مسجداً فيه النفوس سمت روض القلوب هناك والسعدُ
يا منبراً قامت لهيبته كل الملوك ودانت الجند
يا روضة بالبر مترعة والهدى بحرٌ برّه الرّشد
ومرابع الخيرات بقعتها ومرافئ الجوزاء والرقدُ
فهنا الحبيب رسول عزتنا وهنا النبيّ شموسه تبدو-أشوق الروح: ص10، 11 .
والطُّهْرُ فيها والهُدى وَوَقَارُ:
وفي قصيدة أخرى يقول د. محمد إياد العكاري مصوراً جمال المدينة المنورة وبهائها وسحرها الفتان:
بِرؤى البُدُورِ تُشَعشِعُ الأنـــوارُ = وتُطُلُّ مِنْ شُرُفَـاتِهَا الأَقْمَــارُ
يَا لَلتَّأَلُّقِ !! أَيُّ إِشْراقٍ بها؟! = بَلْهَ السَّعادَةَ ، والرُّؤى إبْهارُ
والبَدْرُ يُبْرِقُ، والفُؤادُ تَلَهُّفٌ = والحِسُّ وَجْدٌ، والبَهَاءُ سِوَارُ
والنًّورُ يسري، والمَعَالِمُ بَهْجَةٌ= والأُفْقُ طَلْقٌ، والدُّجى أنوارُ
في مَشْهَدٍ والنُّورُ طيفٌ ساحِرٌ= والشَّاهدان الكونُ والأبصارُ
يا للمُحيَّا! فالعُيُونُ تكحَّلَتْ = بِسَنا الجمالِ ، وهُيِّجَتْ أَوتارُ
وَمَنَائِرٌ مَدَّت شَوَاهِدَ لَحْظِها= لِلْبَــدْرِ يلثُــمُ طُهْــرَها ويَغـــارُ
والمنظرُ اللَأْلاءُ يُبْهِرُ سِحْرُهُ = لترى اللقـــاءَ يحُفُّهُ الإكْبارُ
لمَّا تماهى الشَّوْقُ ضمَّةَ مولَعٍ=والحبُّ جَلَّى صَفْوَهُ الأقْمَارُ
والبَدْرُ يدنو ما استطاعَ مُرَوِّياً= شَوْقَ الفؤادِ، لِقُبَّةٍ يَخْتارُ
أَتُراهُ قد حنَّ الشَّبيهُ لمثلِهِ ؟!!=فالأرضُ نورٌ والفضاءُ دِثارُ
ولا يستطيع الإنسان أن يشيد بالمدينة ومعالمها، وينسى ذلك البدر المسجى قرب الروضة الشريفة، فهو سرّ الجمال في هذا الكون، ...
بـَـدْرٌ مُسَجَّى والمنـــائِرُ حَوْلَهُ = والرَّوْضَةُ الجَنَّاتُ والآثـــارُ
والقُبَّةُ الخضراءُ جَنَّةُ صُحْبَةٍ=والطُّهْرُ فيها والهُدى وَوَقَارُ
ومُحَمَّدٌ خيرُ الخلائِقِ كُلِّها = هذا النَّبيُّ وصحبُهُ الأبـرارُ
صلَّى عليك الله ُ، خيرَ مُبَلِّغٍ= شمسُ الهِدَايةِ، هامُهَا النَّوَّارُ
فالكوْنُ يُشْرِقُ يحتفي بِرِسالةٍ=للعالمين، وأَنتَ فيها الغَارُ
بَدْرانِ بدرُ التَّمِّ والمُختـــــارُ = والليــلُ صُبْحٌ، والدّجىُ أنْوارُ
والحُسْنُ يَنْطِقُ والوجوهُ تألَّقت=بسنا البُدورِ، وللجمالِ منارُ
ففي ليل المدينة يزينها بدران بدر السماء وبدر الوجود محمد، فتزداد القبة الخضراء حسناً وروعة:
في القُبَّــــةِ الخضراءِ يرْقُدُ سيِّدي والبدْرُ يجثو، والشُّموسُ تغارُ
وصُدَاحُ مِئْذَنَةٍ تُجَلْجِلُ للعُلا والحَقُّ فيها.. والمدى إكبارُ
هو سيِّدُ الدُّنيا ونورُ هدايةٍ ورسول دين الله، ذا المُختارُ
صلى عليكَ الله ما البَدْرُ احْتَفَى وانْزاحَ ليْلٌ واستفاقَ نهارُ
رابطة أدباء الشام - وسوم: العدد 923
هلال الرحمة:
ويستبشر الشاعر د. محمد إياد العكاري بقدوم شهر الصيام والخير والبركة، الذي تغفر فيه الذنوب، وتكفر السيئات، وتسمو الدرجات:
فطلّ هلال في السماء برونق يموج ويعلو في الفضاء كدرة
يسير ويسري في المنازل سابحاً ويمضي بآلاء الإله العظيمة
وذا بشهور الناس شهر مبارك وذا بليال الناس فاز بسورة
وإني هلال الصوم من ذا يفوقني أهل على الإنسان في خير طلعة
ويصور الشاعر فرحة الناس بقدوم الشهر الكريم، ذلك الشهر الذي فرض فيه الصيام، ونزل القرآن، وفيه ليلة القدر التي هي أفضل من ألف شهر...
ففي جهاد النفس تغدو كليلة وتسمو على دنيا المتاع الرخيصة
ويعلو هتاف العقل صوتاً مدوياً ليسري بقاعات الضمير برعشة
وفي تشف الروح ترقى لتعتلي لتنعم في وصل العوالي الزهية
وتضحي قلوب المؤمنين رهيفة وتشرق أغوار الفؤاد برفعة
وفي رمضان يكثر الخير، وتصفد الشياطين، وتكثر البركة والجود، ويتسابق المؤمنون إلى الجنان ورضى الرحمن، فيقوم الناس الليل، ويختمون القرآن..
أنا رمضان الخير بشرى إلى الورى أنا رمضان الزاد بين العشيرة
أنا رمضان البر جودوا ببركم أنا رمضان الفوز جدوا لجنة
وفي قيام الليل زلفى لخالق وفي تراويح العباد بذلة
وفي كتاب الله أنزل للورى ليحكم بالإحسان بين البرية
أتانا بنور الحق يسطع بالهدى لتشرق أعماق القلوب بحكمة
وتضاعف الحسنات في رمضان المبارك، فالحسنة بسبعين والنافلة تعدل الفريضة في غيرة، والعمرة في رمضان تعدل الحج، وفيه ليلة القدر التي تعدل ألف شهر:
أتانا بهدي الله والعدل حكمه أتانا بآيات الكتاب السنية
بليلة قدر لا تبارى وفضلها حري بأن يسعى إليها بعزمة
ففيها فيوض من كريم بفضله وفيها غياث للعباد برحمة
وفيها عظيم القدر والقدر عنده فيا رب وفقنا لتلك المثوبة
ويا رب فاقبلنا بشهر فضيلة ويا رب أعتقنا بشهر المبرة
لبيك ربي غاية العظماء:
وفي قصيدة أخرى عن مكة المكرمة وسحر جمالها، فهي قبلة الموحدين يكتب د. محمد إياد العكاري فيقول: (أثارتني هذه الصورة التي التقطها رحالة فرنسي من طائرة لقوافل الحجاج القادمين من دول المغرب الإسلامي المغرب الجزائر تونس ليبيا بالقرب من قرية الجحفة قرب مكة في الحجاز، وكأنهم قافلةٌ واحدة خلال توجههم للحج عام 1934م، فكانت هذه القصيدة (لبيك ربي غاية العظماء):
يـا لـلبهاء.. الـعيسُ فـي الـبيداء ... نـقشٌ بـديعٌ فـي ثـرى الصَّحراءِ
يـا لـلـتَّألُّقِ والـخـطـوطُ كـسُـبحةٍ ... سُـبُـحـاتها الـحُـجَّـاج بـالـبطحاءِ
جـمـعٌ غـفيرٌ كـالخميسِ تـناسقاً ...بـعـزائـمٍ تــرقـى إلـــى الـجـوزاءِ
وقـوافلٌ فوق الصِّعاب مسارها ...لــبـيـك ربـــي غــايـة الـعـظـماء
يـا للسَّعادةِ فـالجُموعُ قـلوبُها ... تـهـفـو لـتـلـك الـبـقـعة الـشَّـمَّـاءِ
بـاعـوا نـفوسَهمُ ،ولـبَّوا ذا الـنِّدا ... لـخـليل رحـمـنٍ وروحِ دُعــاءِ
أوْصَّوْا وأخْلَوْا.. والنُّفوسُ تعشُّقٌ ... لـلـكعبةِ الـشـمَّاءِ شـمـسُ ضـياءِ
وتعجب الشاعر محمد إياد العكاري مشاهد وفود الحجيج وضيوف الرحمن حيث تأتي على الجمال كالعرس قادمة للقاء الأحبة:
وقـوافـلُ الـحُـجَّاج يـالـجَمَالها ... كـمـدينةٍ تـمـضي لـعرسِ لـقاءِ
هـي أمَّـةٌ والـهديُ نـبضُ فـؤادها... والـدِّيـنُ صِـبْـغتُها بــلا اسـتثناءِ
مـن كـلِّ فـجٍ قـد أتـوْا ومـرامهم... تــرضـى إلـهـي يـاعـظيم رجــاءِ
أنــسـاق نـــورٍ يـالـروعةِ سـبـكها ... يـــافــرحــةَالإقــدامِ لــلــعــلـيـاءِ
هِــنْـدٌ مُـنّـضَّدةٌ ، مَـرَاسـمُ لـلـعُلا.. كـعـقودِ نـورٍ فـي لـظى الـبيداءِ
عـطشى وتـشدو والـحُداة ُ ترنُّمٌ ... ولـمـاءِ زمــزمَ شـوقـهم وحِــراءِ
ويصور المشاعر المقدسة في مكة منى والصفا والمروة والكعبة الغراء:
لـمـنى ومَــرْوَةَ والـحنينُ لـقصَّةٍ ... فـيـهـا الـمـآثـرُ تـحـتـفي بــفـداءِ
لــلـكـعـبـةِ الـــغَـــرَّاءِ يــالــتـألُّـق ... والـبـيـتُ مـعـمورٌ بـأفْـقِ فـضـاءِ
ومـلائـك الـرحـمن بَـلْـهَ تـحوطُهُ ... سـبـعـونَ ألــفـاّ روعـــةُ الإثــراءِ
ذي الـقبلةُ الأولـى وأوَّلُ مـنزلٍ ... والـهـديُ إشــراقٌ بـفـيض سـناءِ
والـمُكْثُ فـي عرفاتَ رحمةُ ربِّنا ... غـيـثٌ صـبـيبٌ يـا هـنا الـبـطحاءِ
ولـطـيبةَ الـمختار أشـواقُ الألـى... تهـفو الـقلوبُ لـواحةِ الـكُرماءِ
صـلـى عـليك الله مـا ركبٌ سـرى... بــقـوافـل ِ الـتـكـبـير بــالأرجـاءِ- وسوم: العدد 1038
ومن رحمة الله التي تتجلى في عرفات هطول الغيث يوم عرفة، فهو رمز للرحمة والرضا، فيا لسعادة الحاج والمعتمر.
وبعد:
هذا غيض من فيض من بحر شاعرنا الحبيب، وإلا فجميع شعره ودواوينه الثمانية تفيض بالروح الإسلامية، وتوهج الذات والوجدان، والمشاعر النبيلة، ولا غرو في ذلك فهو الشاعر الطبيب الداعية والإنسان، الذي عاش نصف عمره مغترباً مهاجراً في سبيل الله والعقيدة، ولا ذنب له سوى أنه أخلص لدينه، وعمل لرفع راية التوحيد، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، وهو الشاعر الصابر المحتسب.
وإنني أدعو الباحثين وطلاب الدراسات العليا أن يكتبوا الأبحاث والرسائل الجامعية عن حياته وشعره، فهو جدير بهذا، وما أظنهم إلا سيفعلون.
أطال الله في عمره، وربط على قلبه، ونفعنا بعلمه.
مصادر الدراسة:
- دواوين شعره .
- رابطة أدباء الشام.
- رابطة العلماء السوريين.
- معلومات شخصية عنه من خلال معرفتي الطويلة به.
- مواقع الكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1047