الاتجاه السياسي في شعر بدوي الجبل

fdsfsg1078.jpg

 (1903 - 19 أغسطس 1981) 

    هو محمد سليمان الأحمد الملقب ببدوي الجبل، شاعر وسياسي سوري.

    ولد في قرية ديفة في محافظة اللاذقية، سوريا، وهو أحد أعلام الشعر العربي في القرن العشرين.

وكانت الوفاة 19 أغسطس 1981 (78 سنة) في سوريا

وهو عضو في مجمع اللغة العربية بدمشق.

 وله من الإخوة والأخوات: أحمد سليمان الأحمد.

 ومن الأقرباء محمد كامل صالح (أبناء الإخوة).

 وهو شاعر، وسياسي، ينتمي إلى الحزب الوطني.

   وكان والده الشيخ سليمان الأحمد (عضو مجمع اللغة العربية في دمشق وشارح ديوان المكزون)

  وأبناؤه: منير، أحمد، الأستاذ عدنان، وله بنت واسمها جهينة توفاها الله في مقتبل العمر.

لقبه:

   «بدوي الجبل» لقب أطلقه عليه يوسف العيسى صاحب جريدة «ألف باء» الدمشقية في عشرينيات القرن الماضي.

    حيث دخلُ الشاعرُ الشاب إلى مكتب رئيس التحرير محتجاً على تذييل قصيدته بغير اسمه، فيقنعه “عيسى” بأن الناس يقرأون للشعراء المعروفين وأنه ليس مشهوراً بعد، بينما سيدفعهم الاسم المستعار إلى قراءة الشعر للشعر والتساؤل عن حقيقة كاتبه!

   «أنت في ديباجتك بداوة، وأنت ابن الجبل» بهذه الكلمات وُلِدَ لقب “بدوي الجبل” كما يروي “عزيز نصار” في كتابه “بدوي الجبل ذاكرة الأمة والوطن”.

حياته:

   انغمس بدوي الجبل في حقل السياسة فانتخب نائباً في مجلس الشعب السوري 1937م، وأعيد انتخابه عدة مرات ثم تولى عدة وزارات منها الصحة 1954 والدعاية والأنباء.

    غادر سوريا 1956 متنقلاً بين لبنان وتركيا وتونس قبل أن يستقر في سويسرا.

   ثم عاد إلى سوريا 1962م، وبقي فيها حتى توفي يوم 19 أغسطس سنة 1981.

    كان من أنصار الرئيس شكري القوتلي، مدح الفرنسيين ثم ذمهم، هاجم حزب البعث أثناء هزيمة حزيران كما أشاد بأبطال سوريين مثل: إبراهيم هنانو، ويوسف العظمة.

شعر بدوي الجبل: دراسة موضوعية، وفنية:

     شعر بدوي الجبل يمثل الشعر الكلاسيكي من حيث تحقيق التوازن بين الخيال والفكرة، من الناحية الروحية تأثر شعرياً بجده المكزون حيث انعكست بعض الإشارات الصوفية في ثنايا شعره، شعره السياسي المقاوم للاستعمار الفرنسي يصلح اليوم لمقاومة الاستعمار الغربي.

   يعتبر بدوي الجبل، والأخطل الصغير، وعمر أبو ريشة، والجواهري رموز الشعر الكلاسيكي العربي.

   وهو ينتمي إلى الطائفة العلوية، ويقول في ذلك:

مسلمٌ كلما سجدت لربي

فاح من سجدتي الهدى والعبير

وكان شديد الاعتزاز بعروبته حيث قال:

عربيٌ فلا حماي مباحٌ

عند حقي ولا دمي مهدور

  وقد هجا بدوي الجبل جمال عبد الناصر في قصيدته كافور.

   نالت الشاعر ازاء قصيدته من وحي الهزيمة المصائب والويلات حتى أنه اختطف من بعض العصابات ما أدى إلى جعله يغرق في الوحدة ويعتزل السياسة.

   ومن أشهر قصائده: اللهب القدسي، والكعبة الزهراء والبلبل الغريب، وابتهالات، وخالقة، وشقراء، وحنين الغريب.

    تأثر بالمتنبي شعرياً حتى قيل انه متنبي القرن العشرين. كتب عنه العضيمي دراسة تحت عنوان «هذا هو بدوي الجبل» وهي دراسة متحاملة عليه تفتقر إلى الموضوعية.

أمثلة من شعره:

أنا لا أرجّي غير جبّار السماء ولا أهاب

بيني وبين الله من ثقتي بلطف الله باب

أبدا ألوذ به وتعرفني الأرائك والرّحاب

لي عنده من أدمعي كنز تضيق به العياب

يا ربّ: بابك لا يردّ اللائذين به حجاب

مفتاحه بيديّ يقين لا يلمّ به ارتياب

ومحبّة لك لا تكدّر بالرّياء ولا تشاب

وعبادة لا الحشر أملاها عليّ ولا الحساب

وإذا سألت عن الذنوب فإن ّ أدمعي الجواب

هي في يميني حين أبسطها لرحمتك الكتاب

إنّي لأغبط عاكفين على الذنوب وما أنابوا

لو لم يكونوا واثقين بعفوك الهاني لتابوا

وله قصيدة لطيفة في الطفولة منها:

سلي الجمر هل غالى وجُنَّ وعُذبا

كفرتُ به حتى يشوقَ ويعذبا

ولا تحرميني جذوة بعد جذوةٍ

فما اخضلّ هذا القلبُ حتى تلهبا

هبيني حزنا لم يمرّ بمهجة

فما كنت أرضىَ منكِ حزناً مجرباً

وصوغيه لي وحدى فريداً وأشفقي

على سرِّه المكنون أن يتسربا

فما الحزن إلاّ كالجمال أحبه

وأترفهُ ما كان أنأى وأصعبا

خيالك يا سمراء مر بغربتي

فحيَّا، ورحبَّنا طويلاً ورحبا

أرى طيفك المعسول في كل ما أرى

وجِدتُ، ولكن لم أجد منه مهربا

سقاني الهوى كأسين: يأساً ونعمةً

فيالك من طيف أراح وأتعبا

وناولَني من أرز لبنان نفحةً

فعطر أحزاني، وندىَّ، وأخصبَا

وثنىَّ بريَّا الغوطتين يذيعها

فهدهد أحلامي، وأغلى وطيّبا

وهل دللت لي الغوطتان لبانةً

أحب من النعمى وأحلى وأعذبا

وسيماً من الأطفال لولاه لم أخف

على الشيب - أن أنأى وأن أتغربا

ود النجوم الزهر لو أنها دُمى

ليختار منها المترفات ويلعبا

يجور، وبعض الجوْر حلوٌ محببُ

ولم أر قبل الطفل ظلماً محبَّبا

ويغضبُ أحياناً ويرضى، وحسبنا

من الصفو أن يرضى علينا ويغضبا

ويوجز فيما يشتهي - وكأنه

بإيجازه دلاً أعاد وأسهبا

يزفُّ لنا الأعياد عيداً إذا خطا

وعيداً إذا ناغى، وعيداً إذا حبا

ويا ربّ من أجل الطفولة وحدها

أفض بركات السلم شرقاً ومغربا

وردّ الأذى عن كل شعب وإن يكن

كفوراً، وأحببه وإن كان مذنبا

وصن ضحكة الأطفال يارب إنها

إذا غردت في موحش الرمل أعشبا

ملائك لا الجنات أنجبن مثلهم

ولا خلدها - أستغفر الله - أنجبا

ويارب: حبّب كل طفل فلا يرى

وإن لج في الإعنات وجهاً مقطبا

من مؤلفاته:

البواكير - شعر 1925.

الأعمال الكاملة - 1979.

أصداء الرحيل:

“بدوي الجبل” الذي واجه الطغاةَ والجبابرة

    وكتب الأديب محمَّــــد عبد الشَّــافي القُوصِــي يقول:

إذا سألتني مَن شاعركَ المُفضّل؟ أقول لك: بدوي الجبل!

   وإذا سألتني مَن الشّاعر الذي كنتَ تتمنّى مصاحبته؟ 

أقول: بدوي الجبل!

   وإذا سألتني مَن الشاعر الذي ترجو مرافقته في الجنّة؟ 

أقول: بدوي الجبل!

   وإذا سألتني ما هو الديوان الذي تحفظه عن ظهر قلب؟ أقول: ديوان بدوي الجبل!

إنه أعظم شعراء العربيّة بعد “أبي الطيّب المتنبّي”!

   وقد دفع ثمن شجاعته في عصر الهزائم، وزمن الخيانات والتنازلات! وفي ظلّ شعوب لديها قابلية الاستعباد! وفي ظل مجتمعات تخشى أن تواجه نفسها بالحقيقة، لأنها استمرأتْ الظلم، وعشِقتْ الديكتاتورية!

   لقد دفع –شاعرنا- ضريبةً باهظة، فقد هاجم الطغاةَ والجبابرة، وهاجم “حزبَ البعث” بضراوة بعد هزيمة حزيران المُخزية … فعاقبته وزارات التعليم في الوطن العربي، ولم تنشر له بيتاً واحداً ضمن مقرراتها الدراسية، ولم تُذاع له قصيدة واحدة في الإذاعات العربية الكاذبة، والفضائيات الخاطئة!

   (بدوي الجبل) يُمثّل السقف الأعلى في الشّعر الكلاسيكي من حيث التوازن بين الخيال والفكرة، فامتزج شعره الروحي والصوفي بشعره السياسي المقاوم للاستعمار الفرنسي. كما أنه يُمثّل مدرسة شعرية مستقلة، حتى قيل: إنه متنبّي القرن العشرين!

   ولعلَّ شعره الجميل دليل على أنّ الشِّعر العربي مطبوع وليس مصنوعاً إلاّ لدى الشعراء المتكلِّفين. ومن أجمل قصائد “بدوي الجبل”: اللهب القدسي, الكعبة الزهراء, البلبل الغريب, ابتهالات, خالقة, شقراء, حنين الغريب, من وحي الهزيمة.

   ينتمي –شاعرنا- إلى أعرق بيوت العلم والفضل والكرم في أرض الشام، وقد ظهر أثر ذلك في شعره الدّيني، فاستمع إليه وهو يترنّم في ابتهالاته ومناجاته:

أنا لا أُرجّي غير جبّار السماء ولا أهابُ

بيني وبين الله مِن ثقتي بلطف الله بابُ

أبداً ألوذ به وتعرفني الأرائك والرّحابُ

لي عنده من أدمعي كنز تضيق به العبابُ

يا ربّ: بابك لا يردّ اللائذين به حجابُ

مفتاحه بيديّ يقين لا يلمّ به ارتياب

ومَحبّة لك لا تُكدّر بالرّياء ولا تشاب

وعبادة لا الحشر أملاها عليّ ولا الحساب

وإذا سألتَ عن الذنوب فإنّ أدمُعيَ الجواب

هي في يميني حين أبسطها لرحمتك الكتاب

إنّي لأغبط عاكفين على الذنوب وما أنابوا

لوْ لمْ يكونوا واثقين بعفوكَ الهاني لتابوا !

     كان “بدوي الجبل” معتزاً بعروبته اعتزازاً شديداً، وكان لا يَكفّ عن تحريضه الشعوب للأخذ بالثأر ممن اغتصبوا الأوطان، فيقول في قصيدة (إني لأشمتُ بالجبّار):

يا سامر الحيِّ هلْ تعنيكَ شكوانا؟

رقَّ الحديدُ وما رقّوا لبلوانا!

ويلَ الشعوبِ التي لم تُسقِ من دمها

ثاراتها الحمر أحقاداً وأضغانا

ثاراتُ يعربَ ظمآى في مراقدها

تجاوزتها سقاة الحيّ نسيانا

لا خالد الفتح يغزو الروم منتصراً

ولا المُثنّى على رايات شيبانا

     إنّ الخيط الذي يربطني بالشاعر “بدوي الجبل” عداوة الطغيان، وكراهية الاستبداد، ومن أروع قصائده في هذا الباب، قصيدة (فرعون) التي وجّهها للرئيس عبد الناصر، مُتهكّماً من سياسته الخرقاء، ومُعرّضاً به وبزبانيته، وبالجرائم التي ارتكبها في حق أُمته، وعدّد أخطاءه وخطاياه، كحرب اليمن، وغيرها، يقول فيها:

فرعون عاد فكيفَ .. كيفَ

وقد عصفتَ به يعودُ؟!

أرض الكنانة ما بها

إلاَّ المتوّجُ والعبيد

فرعونُ مصر، وأنتَ مَنْ

رشَقَ المصاحف، لا الوليدُ

فرعون مصرَ، وأنتَ مَنْ

قتلَ الهواشم، لا يزيد

فرعونُ ذَلَّ به اليهودُ

وأنتَ عزَّ بكَ اليهود !

الغدرُ طبعكَ والدسائسُ

والخيانة والجحود !

باد الطغاة جميعهم

أمّا الشعوبُ فلا تبيد !

    كما عارضَ سياسة (أنور السادات) وهجاه هجاءً مُرًّا، بسبب تصالحه مع الصهاينة، ومن ثمّ قطيعته للشعوب العربية. كما تنبأ باقتراب رحيله وزوال جبروته، وذلك في قصيدة طويلة بعنوان (كافور) التي نشرناها كاملةً في كتابنا (شعراء في مواجهة الطغيان) فقد استلهم “الشَّاعر” التاريخ برموزه ودلالاته التاريخية والسياسية، يقول:

كافورُ قد جُنَّ الزمانُ

وإليكَ آل الصولجانُ !

كافورُ طاغية، وفي

بعض المشاهد بهلوانُ !

مَنْ أنتَ؟ لا المجدُ

الأصيلُ، ولا شمائله اللدانُ !

لا العبقريةُ فيكَ مُشرِقة

ولا الخُلُق الحِسانُ !

كافورُ عرشكَ للفناءِ

وربما آنَ الأوانُ !

الخالدان -ولا أعدُّ الشمسَ-

شِعــري والزمـــانُ!

   رحمَ الله الشاعر الفذ (بدوي الجبــل) وعوّضنا شاعراً مثله … حتى لا تضيع ذاكرةَ الأمة!

الاتجاه السياسي في شعر بدوي الجبل:

قصيدة كافور:

    وكتب الشاعر الكبير بدوي الجبل في هجاء جمال عبد الناصر عدة قصائد منها قصيدته المشهورة كافور وقصيدة فرعون ...ولقد جلبت له قصيدة من وحي الهزيمة في هجاء طاغية سورية الويلات، وها هو يقول في قصيدة كافور ....

كافور قد جنّ الزّمان وإليك آل الصولجان

خجل السّرير من الدّعيّ وكاد يبكي الأرجوان

أين الأهلّة والكواكب والشوامح والرّعان؟

الهاشميّون انطووا وأميّة كانوا فبانوا

كافور جمّع حول عرشك كلّ من حقدوا وهانوا

مجد البغيّ تعاف بهرجه المخدّرة الرزان

حرّك دماك فإن أردت قسوا وإن آثرت لانوا

الخاضعون لما تشاء وما دروه وما استبانوا

النّاعمون على اليهود على رعيّتك الخشان

للعفّ تخوين بدولتهم وللصّ ائتمان

   لقد جمع عبد الناصر حوله الضباط الأشرار من مثل صلاح وجمال سالم وعبد اللطيف البغدادي والمشير الأحمر عبد الحكيم عامر...الذين كانوا قساة وأشداء على الشعب المصري ورحماء باليهود ..

    ويعيب على عبد الناصر أنه أشبع المصريين بالخطب الرنانة والكلام المعسول، وعندما وقعت الواقعة انكشف زيفها..

أشبعت بالخطب الجياع فكل هادرة خوان

حفل السماط ومن فرائدك الموائد والجفان

خطب الرئيس هي الكرامة والعلى، وهي الضمان

هي للجياع الطيبات وللعراة الطيلسان

هي للعفاة النازحين لبانة وهوى وحان

خطب مصبّغة وتعرف من مباذلها القيان

من كلّ عاهرة وتحلف أنّها الخود الحصان

إلحن وكرّر ما تشاء فإنّها الخطب الحسان

وإذا رطنت فإنّها عرباء خالصة هجان

كافور قد عنت الوجوه فكيف لا يعنو البيان؟

   لقد انقلبت الموازين في عهد طاغية مصر، فأصبحت العاهرة طاهرة، وأصبح الغلط واللحن فصاحة وبلاغة .

***

  ولقد استخف الرئيس بالفكر ودوره في بناء الأمم وفسح المجال للطرب والفنانين...وأصحاب المواخير ...

الفكر من صرعى هواك ومن ضحاياك الحنان

يغني الشام عن الكرامة والنعيم المهرجان

حشدت لطلعتك الجموع فهوّن الخبر العيان

هتفوا فبين شفاههم وقلوبهم حرب عوان

غرثى ويتخم من لحوم الأبرياء الخيزران

عضّت ظهورهم السياط فكلّ سوط أفعوان

الرّاكعون، السّاجدون عنوا لك والمناهل والجنان

القاطفون كرومهم ولك السلافة والدنان

الحاضنون شقاءهم ولك المتارف واللّيان

الظامئون ويومهم شرس الهواجر إضحيان

المالكون قبورهم لمّا عصفت بهم فحانوا

لك عذرة العرس الحزين فما تعز ولا تصان

ولك الظلال فبعض جودك أن يفيّئهم مكان

ودماؤهم لك والبنون فما الأباطح والرّعان

ولك العبادة لا لغيرك والتشهّد والأذان

كافور أنت خلقتهم كونوا _ هتفت بهم _ فكانوا

   لقد أصبحت المرأة الشريفة مهانة في عهد الطاغية ..

كافور من بعض الإماء زبيدة... والخيزران

مروان عبد من عبيدك لا يزان ولا... يشان

للسّوط جبهته إذا استعلى وللقيد البنان

يا مكرم الغرباء والعربي محتقر... مهان

   لقد زور التاريخ الاسلامي المجيد، وشوه صورة العظماء ...

تاريخ قومي في يديك يدان حسبك ما يدان

زوّرته وسطا على الأقداس أرعن ألعبان

ما عفّ في الموتى هواه ولا الضمير ولا اللّسان

يا عبقري الظّلم فيه لك ابتداع وافتنان

   وكان عبد الناصر عبقريا في الظلم والجور، وكان أسداً هصورا على شعبه، وجبانا أمام العدو .

***

وأصبح الشعب عبيدا لا يحسون بالذل والهوان ...

نحن العبيد فلا تحرّكنا الضغينة واللعان

لا الفقر يلهب في جوانحنا الإباء ولا الهوان

فاسجن، وعذّب، واستبح حرماتنا ولك الأمان

همدت حميّتنا على الجلىّ ومات العنفوان

من رقّ فتحك حازنا سيف، وأحرزنا سنان

والذلّ أطياب العبيد فما البخور وما اللّبان

والظلم من طبع الجبان، وكلّ طاغية جبان

   ولله دره على هذه الحكمة الباهرة التي نطق بها في البيت الأخير ..

***

   ولقد رفع شعراء البلاط عبد الناصر حتى ألهوه، فقال قائلهم:

للناس رب وللعرب ربان. الله أول والناصر الثاني

   لقد أصبح جمال عبد الناصر صنما يعبد عند الطابور الخامس...وزمرة النفاق ...

يا أيّها الصنم المدلّ فما مناه وما المدان

إن الّهوك فربّما فضح الألوهة ثعلبان

***

   ويمجد الشاعر الكبير بدوي الجبل الطبيعة على عادة شعراء الرومانسية، فيقول:

بأبي السّهول جمالها كرم ونعمتها اختزان

المذهبات كما تموّج في الضّياء الزعفران

عهدي بها أخت الرّبيع وللمهور بها إران

تلك المروج شذا وافياء وساجعة وبان

وسنابل للطّير ينقذها فينفرط الجمان

وثغاء ماشية ويصهل في مراعيها... حصان

لا خصبها غبّ ولا سقيا غمامتها... دهان

زهراء تجذب كلّ أرض وهي مخصبة عوان

وشي الغمام فما الطنافس والحرير وأصفهان

سلمت جباتك، قطننا عاف وحنطتنا والهيلمان

سلمت جباتك لا الخماص من الشياه ولا السمان

أغلى من الفرس الجواد _ ولا شمات به _ العنان

لا الزرع يضحك في المروج ولا يضوع الأقحوان

خرس البلابل والجداول دلّه الشكوى حزان

***

الضارعات إلى السماء ولا تجاب ولا تعان

كالأمهات الثّاكلات فعزّ شم... واحتضان

وأد الهجير بناتهنّ فكل روض صحصحان

بين السماء وبينها ثدي الأمومة واللبان

نسيت أمومتها السماء فما يلمّ بها حنان

***

أممزّقّ الأرحام لا يبني على الحقد الكيان

غرّب وشرّق في هواك وخن فمثلهم يخان

واغز الكواكب بالغرور فأنت منصور معان

بالخطبة العصماء تقتحم المعاقل والقنان

والشتم من آلات نصرك لا الضراب ولا الطّعان

ولك الفتوح المعلمات ومن بشائرها عمان

كافور طاغية وفي بعض المشاهد بهلوان

من أنت في الحلبات تقحمها إذا احتدم الرّهان

فضح الهجين بشوطه لؤم المنابت والحران

من أنت؟ لا المجد الأصيل ولا شمائله اللّدان

لا العبقرية فيك مشرقة ولا الخلق الحسان

لا الفكر مؤتنف العطور ولا البيان ولا الجنان

لا السرّ عندك أريحي المكرمات ولا العلان

من أنت؟.. إن ذكر العظام ورنّح الدّنيا افتنان

من أنت؟.. لولا صوبة الطّغيان، أنت إذن فلان

***

كافور عرشك للفناء وربّما آن الأوان

الخالدان _ ولا أعد الشمس _ شعري والزّمان

   ويؤكد بدوي الجبل خلود الحق، وزوال الظلم والطغيان إلى غير رجعة ..

***

فرعون:

     وكتب بدوي الجبل هذه القصيدة منددا بفرعون مصر جمال عبد الناصر يقول فيها:

يا نجد جنّات و بيد بكليهما سكر النشيد

ألرملة الظمأى حنين الشّوق و الرّوض المجود

أرجت صباك . يجيد _ حين يشمّها _ من لا يجيد

و عرائس الأحلام نعمان الجزيرة و النفوذ

وقوافل بمتاهة، ألنجم قائدها الوحيد

وهوادج لحمى السيوف وحولها العدد العديد

رنّ الحليّ بها وجرجر في مباركه قعود

ألجهد هدّ قلوصها بالرّمل والمرعى الجهيد

والشيح قاطعة النسيم فلا يميل ولا يميد

وأشعّة كالنار . تبر ، ما لسائله جمود

ثمّ الضّحى فاذا عيوا فبظلّ عيسهم الرّقود

حتّى إذا أخفى الضّياء غدائر لليل سود

فالبدر والحادي وخطو بين سحرهما وئيد

وعلى الرّبى النيران عطّر وهجها غار وعود

هي والصباح له عمود ضاحك ولها عمود

وصهيل أفراس وراغية واضياف وجود

ونسيمة هفهافة ثم المناهل و الورود

ومدلّهان نأت ديارهما وما نأت الكبود

حملت حنينهما الصبا بأبي الرسالة و البريد

رضوى خيال قصائدي و طيوف أجفاني زرود

أنا ملك إلهامي فلا أبدي هناك ولا اعيد

ما رحت أحكم بالقصيد و راح يحكمني القصيد

إن شاء تمّ لنا اللقاء وإن يشأ كتب الصدود

والأمر ما يختاره هو سيّد وأنا المسود

وأريده فيفوتني ويزور ساعة لا أريد

سرّي واجهل كنهه فقديم صحبتنا جديد

والرّوح أقرب ما إليك وغيبها الدّاني البعيد

***

ألشعر أنغام معطّرة ولؤلؤة وجيد

فيه الهوى والأريحية والسلافة والمزيد

فرح مقيم في سرائرنا وقافية شرود

وأوزانه عقد الحرير على العرائس لا القيود

الصائنات له كما صينت بعفّتها النهود

نور تحدّده الحروف وتخطئ النور الحدود

أحلة الصّعاب قصائد ونواعم كالورد خود

ومن التّمنّع ما يدلّه بالجمال وما يزيد

الشعر والحسن المدلّ كلاهما طاغ عنيد

***

أنا من تغنّيه النجوم على السلاف فيستعيد

وعلى المشيب و عبئه ممّا يؤود ولا يؤود

لتصيدني نجل العيون وقد أغير وقد أصيد

ما كان يقنعني اللقاء فصرت تقنعني الورود

سمراء كالأحلام : جفناها وجفن اللّيل سود

ألحسن يحسد نفسه فيها ، لقد كرم الحسود

و يغار من شهديّها جاراه : سالفة و جيد

***

سمراء حبّك صحوي السكران و الغيّ الرّشيد

لفّي على الجسد البرود تؤرج الدّنيا البرود

ألروح فيك فريدة يزهو بها جسد فريد

ذكراك إن عزّ اللّقاء للوعتي كأس وعود

***

أنا ساحر لمس الغصون وضمّها فهي القدود

ومن الشقائق حين أقطفها المراشف والخدود

ومن الدّموع وقد ضننت بها اللآليء والعقود

وغمزت عطر الأقحوان فنوّرت شفة برود

عندي الكنوز فكيف تسألني النّجوم ولا أجود

أعطي وتسأل _ لا نملّ _ فتستزيد و أستزيد

شهب السّماء تفرّقت في الأفق تنقص و تزيد

كتب الضّياء لبعضها ولبعضها كتب الهمود

والعبقريّة كالضحى من بعض نعمته الوجود

وأنا الغريب بموطني وأنا المشرّد والطريد

***

قل للّدات بتدمر عزّ المفاخر والنديد

سجن تضيق كهوفه والسهل منبسط مديد

ألدهر أقعدني ولم يك من شمائلي القعود

والسقم فوّت أن أشارككم وذروته كؤود

شرفا على عضّ القيود فشارة الشرف القيود

أسمى القلوب هو الرّحيب على النوازل والجليد

نحن الحماة الأوّلون . قبور صرعانا الشهود

نحن العقيدة والرسالة والمعارك والحشود

إن يصرع البطل النجيد تقدّم البطل النّجيد

وتقاسم الكوخ الوديع النصر والفصر المشيد

أيّام لا الطبقات مزّقت الصفوف ولا الحقود

كفرت جهود كالضحى لله و الوطن الجهود

أنا و العهود فلم يضع حبّ ولم تنكث عهود

عيني الضنينة بالدموع و قلبي المضنى العميد

ماد الطغاة بكم ، فيا فلك السماء ألا تميد ؟

فلك يدور ولم أجد فلكا أتيح له الرّكود

بيني وبين الظّلم نار وغى يشبّ لها وقود

ألحبّ عدّتي الوحيدة لا السّلاح و لا الجنود

وتهون عندي النائبات فلا ألين ولا أحيد

يا ربّ عفوك إن سألت وأنت تعلم من أريد

من أيّ طين أنشئ الظمآن للدم و الحقود

أللّينون على العدوّ وبأسهم فينا شديد

جلّ الوداد فكان من أسماء عزّتك الودود

ألغير وجهك في كنانتك العبادة والسجود

فرعون عاد فكيف كيف وقد عصفت به يعود ؟

ما للطّغاة سيادة ، يخشى الظلام و لا يسود

دنيا العروبة رجّها بالهول شيطان مريد

صبغت بألوان الأذى فخطوبها حمر وسود

أرض الكنانة ما بها إلاّ المتوّج والعبيد

***

فرعون مصر : وأنت من رشق المصاحف لا الوليد

فرعون مصر : وأنت من قتل الهواشم لا يزيد

سمّيت فرعون الكنانة وهي تسمية كنود

فرعون ذلّ به اليهود وأنت عزّ بك اليهود

طامن غرورك . لم تدم عاد ولا بقيت ثمود

ولئن ذكرت فإنّ ذكرك لا الزكيّ ولا الحميد

ولئن حكمت فإنّ عيشك لا الهنيّ ولا الرّغيد

تتناهب الأشلاء نومك والعواصف والرّعود

وهواجس اليمن السّعيد . ورجّك اليمن السّعيد

***

مغرى بحبّ الإمّعات طريف حكمك و التّليد

من كلّ أبله عاثر وغد يضرّ و لا يفيد

الغدر طبعك والدسائس والخيانة و الجحود

يتسلّل النذل الجبان دجى وتقتحم الأسود

***

أميتّم الأطفال: لا جدّ عناك و لا حفيد

أمّ ممزّقة وفي أحضانها هشم الوليد

شكت الأرامل والثّكالى والطفولة والمهود

يا قاتلا بأخ أخاه . كلا قتيليك الشّهيد

أولا تخاف على بنيك وقد تعثّرت الجدود

أن يستجاب دعاء ثاكلة وأدمعها تجود

فترى بنيك مصرّعين ولا تضمّهم اللحود

مكد للنّبي ودينه ألله فوقك إذ تكيد

باد الطّغاة جميعهم أمّا الشعوب فلا تبيد

خلّ الكرامة وشأنهم خلق الكرام لكي يسودوا

 من وحي الهزيمة:

     وكتب الشاعر بدوي الجبل قصيدة بعد نكسة حزيران عام ١٩٦٧م فكانت القاضية عليه وعلى أسرته حيث خطفه الأمن وضرب حتى فقد الذاكرة وأصيب بصعوبة النطق حتى مات.

رمل سيناء قبرنا المحفور

وعلى القبر منكر ونكير

كبرياء الصحراء مرّغها الذلّ

فغاب الضحى وغار الزّئير

لا شهيد يرضي الصحارى، وجلّى

هارب في رمالها وأسير

أيّها المستعير ألف عتاد

لأعاديك كلّ ما تستعير

هدّك الذعر لا الحديد ولا النار

وعبء على الوغى المذعور

أغرور على الفرار؟! لقد ذاب

حياء من الغرور الغرور!

ألقلاع المحصّنات – إذا الجبن

حماها – خورنق وسدير!

لم يعان الوغى (لواء) ولا عانى

(فريق) أهوالها و(مشير)

رتب صنعة الدواوين.. ما شارك

فيها قرّ الوغى والهجير

وتطير النسور من زحمة النّجم،

وفي عشّه البغاث يطير

جبن القادة الكبار وفرّوا

وبكى للفرار جيش جسور

تركوه فوضى إلى الدور، فيحاء،

لقد ضمّت المساء الخدور!

هزم الحاكمون – والشعب في

الأصفاد، فالحكم وحده المكسور

هزم الحاكمون. لم يحزن الشعب

عليهم، ولا انتخى الجمهور

يستجيرون! والكريم لدى الغمرة

يلقى الردى ولا يستجير!

لا تسل عن نميرها غوطة الشام

ألحّ الصدى وغاض النمير

وانس عطر الشام، حيث يقيم

الظلم تنأى.. ولا تقيم العطور

أطبقوا.. لا ترى الضياء جفوني

فجفوني عن الضياء ستور

بعض حرّيتي السّماوات والأنجم

والشمس والضحى والبدور

بعض حرّيتي الملائك والجنّة

والراح والشذا والحبور

بعض حرّيتي الجمال الإلهيّ

ومنه المكشوف والمستور

بعض حرّيتي ويكتحل العقل

بنور الإلهام، والتفكير

بعض حرّيتي. ونحن القرابين

لمحرابها، ونحن النذور

بعض حرّيتي، من الصّبح أطياب

ومن رقّة النسيم حرير

نحن أسرى، ولو شمسنا على القيد

لما نالنا العدوّ المغير

لاقتحمنا على الغزاة لهيبا

وعبرنا وما استحال العبور

سألوني عن الغزاة فجاوبت:

رمال تسفى ونحن الصّخور

سألوني عن الغزاة فجاوبت:

ليال تمضي ونحن الدّهور!

هل درت عدن أن مسجدها الأقصى

مكان من أهله مهجور

أين مسرى البراق، والقدس والمهد

وبيت مقدّس معمور؟

لم يرتّل قرآن أحمد فيه

ويزار المبكى، ويتلى الزّبور

طوي المصحف الكريم، وراحت

تتشاكى آياته والسطور

تستبى المدن والقرى هاتفات

أين.. أين الرّشيد والمنصور!

يالذلّ الإسلام. إرث أبي

حفص بديد مضيّع مغمور

يا لذلّ الإسلام: لا الجمعة الزه

راء نعمى. ولا الأذان جهير

كلّ دنيا المسلمين مناحات

وويل لأهلها وثبور

لبست مكّة السّواد، وأبكت

مشهد المرتضى ودكّ الطور

هل درى جعفر؟ فرفّ جناحاه

إلى المسجد الحزين يطير!

ناجت المسجد الطّهور، وحنّت

سدرة المنتهى وظلّ طهور

أين قبر الحسين؟ قبر غريب!

من يضمّ الغريب أو من يزور

أين آي القرآن تتلى على الجمع

وأين التهليل والتكبير؟

أين آي الإنجيل؟ فاح من الإنجيل

عطر وضوّأ الكون نور

أين روما؟ وجلّ حبر بروما

مهد عيسى يشكو ويشكو البخور

ألنصارى والمسلمون أسارى

وحبيب إلى الأسير الأسير

صلب الرّوح مرّتين الطّواغيت!

جراح كما يضوع العبير

يا لذلّ الإسلام والقدس نهب

هتكت أرضه فأين الغيور

قد تطول الأعمار لا مجد فيها

ويضمّ الأمجاد يوم قصير

من عذولي على الدّموع؟ وفي المروة

والرّكن والصفا لي عذير

وحرام عليّ أن ينزل البشر

بقلبي وأن يلمّ الحبور

كحلت بالثّرى الخصيب جفون

وهفت للثرى الحبيب ثغور

لا تشقّ الجيوب في محنة القدس

ولكنّها تشقّ الصدور

حبست أدمع الأباة من الخوف

ويبكي الشذا وتبكي الطيور

أنا حزن شخص يروح ويغدو

ومسائي مع الأسى والبكور

أنا حزن يمرّ في كلّ باب

سائل مثقل الخطى منهور

طردتني الأكواخ، والبؤس قربى

وتعالت على شقائي القصور

يحتويني الهجير حينا، ولا يرحم

أسمال فقري الزمهرير

وعلى الجوع والضنى والرّزايا

في دروبي أسير ثمّ أسير

نقلتني الصحراء حينا.. وحينا

نقلتني إلى الشعوب البحور

حاملا محنتي أجرّر أقدامي

ويومي سمح الغمام مطير

حاملا محنتي أوزّعها في

كلّ دنيا وشرّها مستطير

محنتي الغيث إن أرادوا وإلاّ

فهدير البركان والتدمير

حاملا محنة الخيام، فتزورّ

وجوه عنّي وتغلق دور!

ألخيام الممزّقات وأمّ

في الزّوايا وكسرة وحصير

وفتاة أذلّها العرى والجوع

ويلهو بالرمل طفل صغير

كلما أنّ في الخيام شريد

خجل القصر والفراش الوثير

خجل الحاكمون شرقا وغربا

ورئيس مسيطر ووزير

هيئة للشّعوب تمعن في الذنب

ولا توبة ولا تكفير

شارك القوم كلّهم في أذانا

ومن القوم غيّب وحضور

من قوانينها المداراة للظلم

ومنها التغريب والتهجير

ويقام الدستور، أضحوكة الساخر

منّا ويوأد الدستور

كلّ علم يغزو النجوم ويغزو

بالمنايا الشعوب علم حقير

والحضارات بعضهنّ بشير

يتهادى وبعضهنّ نذير

نعميات الشعوب شتّى، فنعمى

حمدت ربّها ونعمى كفور

لن يعيش الغازي وفي الأنفس

الحقد عليه، وفي النّفوس السّعير

يحرق المدن، والعذارى سبايا

وصغير لذبحه وكبير

دينه الحرق والإبادة والحقد

وشتم الأعراض والتشهير

صوّرته التوراة بالفتك والتدمير

حتى ليفزع التصوير

من طباع الحروب كرّ وفرّ

والمجلّي هو الشجاع الصبور

ليس يبنى على الفجاءات فتح

علمي في غد هو المنشور

تنتخي للوغى سيوف معدّ

ويقوم الموتى وتمشي القبور

عربيّ فلا حماي مباح

- عند حقدي – ولا دمي مهدور

نحن أسرى، وحين ضيم حمانا

كاد يقضي من حزنه المأسور

كلّ فرد من الرّعية عبد

ومن الحكم كلّ فرد أمير

ومع الأسر نحن نستشرف الأفلاك

والدائرات كيف تدور

نحن موتى! وشرّ ما ابتدع الطغيان

موتى على الدّروب تسير

نحن موتى! وإن غدونا ورحنا

والبيوت المزوّقات قبور

نحن موتى. يسرّ جار لجار

مستريبا: متى يكون النشور

بقيت سبّة الزمان على الطاغي

ويبقى لنا العلى والضمير

سألوا عن ضناي، محض تشفّ

هل يصحّ المعذّب الموتور

أمن العدل أيّها الشاتم التاريخ

أن تلعن العصور العصور؟

أمن النبل أيّها الشاتم الآباء

أن يشتم الكبير الصغير

وإذا رفّت الغصون اخضرارا

فالذي أبدع الغصون الجذور

إشتراكيّة؟! وكنز من الدرّ

وزهو ومنبر وسرير

إشتراكيّة تعاليمها: الإثراء

والظّلم والخنا والفجور

إشتراكيّة! فإنّ مرّ طاغ

صفّ جند له ودوّى نفير

كلّ وغد مصعّرالخدّ لا سابور

في زهوه ولا أزدشير

يغضب القاهر المسلّح بالنّار

إذا أنّ أو شكا المقهور

ينكر الطّبع فلسفات عقول

شأنهنّ التعقيد والتعسير

كلّ شيء متمّم لسواه

ليس فينا مستأجر وأجير

بارك الله في الحنيفيّة السمحاء

فيها التسهيل والتيسير

ورقيب على الخيال.. فهل يسلم

منه المسموع والمنظور؟

عازف عن حقائق الأمر لوّما

وكفى أن يلفّق التقرير

فيجافي أخ أخاه ويشقى

بالجواسيس زائر ومزور

لصغار النّفوس كانت صغيرات

الأماني وللخطير الخطير

يندر المجد، والدروب إلى المجد

صعاب، ويكثر التزوير

علموا أنّه عسير فهابوه

ولا بدع فالنفيس عسير

محنة الحاكمين جهل ودعوى

جبن فاضح ومجد عثور

نهبوا الشعب، واستباح حمى المال

جنون النعيم والتبذير

كيف يغشى الوغى ويظفر فيها

حاكم مترف وشعب فقير

مزّقوه، ولن يمزّق، فالشعب

عليم بما أرادوا خبير

حكموه بالنّار فالسيف مصقول،

على الشعب حدّه مشهور

محنة العرب أمّة لم تهادن

فاتحيها وحاكم مأجور

هنكوا حرمة المساجد لا جنكيز

باراهم ولا تيمور

قحموها على المصلّين بالنّار

فشلو يعلو وشلو يغور

أمعنوا في مصاحف الله تمزيقا

ويبدو على الوجوه السّرور

فقئت أعين المصلّين تعذيبا

وديست مناكب وصدور

ثم سيقوا إلى السّجون، ولا تسأل،

فسجّانها عنيف مرير

يشبع السوط من لحوم الضحايا

وتأبّى دموعهم والزفير

مؤمن بين آلتين من الفولاذ

دام، ممزّق، معصور

هتفوا باسم أحمد فعلى الأصوات

عطر وفي الأسارير نور

هتفوا باسم أحمد فالسّياط الحمر

نعمى وجنّة وحرير

طرف اتباع أحمد في السّماوات

وطرف الطاغي كليل حسير

عبرة للطغاة مصرع طاغ

وانتقام من عادل لا يجور

ألمصلّون في حمى الله يرديهم

مدلّ بجنده مخمور

جامع شاده في حمى الله يرديهم

أمويّ معرّق منصور

لم ترع فيه قبل حكم الطّواغيت -

طيور ولا استبيحت وكور

مطلق النّار فيه، في الجمعة الزهراء

شلو دام وعظم كسير

والذي عذّب الأباة رأي التعذيب

حتّى استجار من لا يجير

قدماه لم تحملاه إلى الموت

فزحف على الثرى لا مسير

وخزته الحراب وهو مسوق

لرداه، محطّم مجرور

ويجيل العينين في إخوة الحكم

وأين الحاني وأين النّصير؟

كلّ فرد منهم لقتل أخيه

يصدر الرأي منه والتدبير

وإذا يذبح الرّفيق رفيق

منهم والعشير فيهم عشير

يأكل الذئب، حين يردى، أخوه

ويعضّ العقور كلب عقور

إرجعوا للشّعوب يا حاكميها

لن يفيد التهويل والتّغرير

صارحوها فقد تبدّلت الدّنيا

وجدّت بعد الأمور أمور

لا يقود الشعوب ظلم وفقر

وسباب مكرّر مسعور

والإذاعات! هل تخلّعت العاهر؟

أم هل تقيّأ السكيّر؟!

صارحوها.. ولا يغطّ على الصدق

ضجيج مزوّر وهدير

واتّقوا ساعة الحساب إذا دقّت

فيوم الحساب يوم عسير

يقف المتّهمان وجها لوجه

حاكم ظالم وشعب صبور

كلّ حكم له – وإن طالت

الأيّام – يومان: أوّل وأخير

كلّ طاغ – مهما استبدّ – ضعيف

كلّ شعب – مهما استكان – قدير

وهب الله بعض أسمائه

للشعب، فهو القدير وهو الغفور

يبغض الظّلم ناصحيه، وإنّي

لملوم في نصحكم معذور!

يشهد الله ما بقلبي حقد

شفّ قلبي كما يشفّ الغدير

وجراحي ينطفن شهدا وعطرا

أدمعي رحمة وشعري شعور

يرشف النّور من بياني فإنّ

غنّيت فهو المدلّه المخمور

وطباعي على ازدحام الرزايا-

لم ينلها التبديل والتغيير

مسلم.. كلّما سجدت لربّي

فاح من سجدتي الهدى والعبير

ومع الشيب والكهولة قلبي

- كعهود الصّبا – بريء غرير

بي حرّيتي وإيماني السمح

فحلمي هان وجفني قرير!

لم أهادن ظلما وتدري اللّيالي

في غد أيّنا هو المدحور!

لم أهادن ظلما وتدري اللّيالي

في غد أيّنا هو المدحور!

لم أهادن ظلما وتدري اللّيالي

في غد أيّنا هو المدحور!

الكعبة الزهراء:

     يحمل شعره تلك النبرة القوية وتلك الجزالة التي لاتجدها إلا في شاعر مطبوع، ولا يخفى على القارئ تأثره بالمتنبي، وكل المعاني التي تناولها فيها روح الشاعر القوي المتمكن من لغته المعتز بشاعريته، يحلق بك في سماء الخيال حينما تقرأ له، وله تمكن من اللغة يمد تلك المعاني المتألقة فلا يكاد ينقطع نفسه في قصيده، يقول الشاعر عمر أبو ريشة عن شعر البدوي: (ديباجة مشرقة، وأسلوب متين، وإحساس مرهف يقف في الصف الأول من شعراء العالم العربي) وقد صنف هو والأخطل الصغير وعمر أبو ريشة والجواهري بأنهم رموز الشعر العربي الكلاسيكي.

   ومن شعره الاسلامي قصيدته المشهورة (الكعبة الزهراء):

     فإن هذا هو عنوان القصيدة التي كتبها الشاعر، يتشوق إلى بيت الله الحرام والكعبة المشرفة، سرة الدنيا ومغناطيس المحبين وقطب رحى العالم الإسلامي، حيث يفيض النور على تلك القلوب والأرواح، فتغتسل من أوضار الدنيا وأوحال الذنوب، وكأنها ولدت من جديد ولادة روحية خالصة، إنها شعائر الله المعظمة، ورموز الدين التي ارتضاها لعباده، فالكعبة والحجر والركن والمقام وزمزم وعرفات ومنى، أية معان تغمر الروح وهي تتنقل بين هذه المقدسات العظيمة؟ ياله من شعور يعيد للحياة نقاءها، ويعيد للمؤمن تلك الصلة بخالق الكون جل جلاله، لأن الجسم يطوف بالكعبة والفم يقبل الحجر واليد تلمس الركن والعقل يتأمل في معانيها ولكن القلب متعلق بخالق الكون وبرب البيت جل جلاله ومتوجه إليه متجردا ملبيا مستجيباً لأمره : (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، وسواء حج الشاعر أو لم يحج - وهو الراجح- فقد صور شوقه للأراضي المقدسة بقصيدة من مطولاته شرح فيها كل أشواقه وتأملاته عنوانها (الكعبة الزهراء) قال فيها:

بنور على أم القرى وبطيب

غسلت فؤادي من أسى ولهيب

لثمت الثّرى سبعا وكحّلت مقلتي

بحسن كأسرار السماء مهيب

وأمسكت قلبي لا يطير إلى (منى)

بأعبائه من لهفة ووجيب

     وكأن ذلك الوادي، وادي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، والمدينة التي احتضنت ذلك النور، لاتغيب عن خيال الشاعر وهو يذكر هذه المشاعر، ولعله أراد أن ينبه تلك المهجة الغارقة في هيامها حتى تتمتع بدار الحبيب صلى الله عليه وسلم، ويقول لها: إن الخصب الحقيقي هو خصب الهدى وما سواه دنيا فانية:

فيا مهجتي : وادي الأمين محمد

خصيب الهدى : والزرع غير خصيب

   وقبل أن يطول التفاته يعود إلى الكعبة الغراء لتذوب الروح في سنا ضيائها:

هنا الكعبة الزّهراء . والوحي والشذا

هنا النور. فافني في هواه و ذوبي

ويا مهجتي : بين الحطيم وزمزم

تركت دموعي شافعا لذنوبي

وفي الكعبة الزهراء زيّنت لوعتي

وعطّر أبواب السماء نحيبي

      إنها مشاعر الشوق وناره المضطرمة تتراكم على ذلك الخيال المتوثب فتراه يتنقل بسرعة بينها، وكأني به بعد أطفأ لوعة الشوق من تلك الأماكن، عاد يتلمس أسراراً أخرى من تلك الفريضة فريضة الحج:

وردّدتِ الصحراء شرقا و مغربا

صدى نغم من لوعة ورتوب

تلاقوا عليها، من غني ومعدم

ومن صبية زغب الجناح وشيب

نظائر فيها: بُرْدهم بُرْدُ محرم

يضوع شذا: والقلب قلب منيب

أناخوا الذنوب المثقلات لواغبا

بأفيح – من عفو الإله – رحيب

وذلّ لعزّ الله كلّ مسوّد

ورقّ لخوف الله كلّ صليب

     وليت! ولكن هل تنفع شيئا (ليت) ليت هناك بقية للشباب ليخف ذلك العاشق فيقف في ظل كل حِجْروحَجَر، وعند كل عين ماء، فيخاطبه ويبثه لوعته:

ولو أنّ عندي للشّباب بقيّة

خففت إليها فوق ظهر نجيب

ولي غفوة في كلّ ظلّ لقيته

ووقفة سقيا عند كلّ قليب

هتكت حجاب الصّمت بيني و بينها

(بشبّابة) سكرى الحنين خلوب

     ثم يتتبع الشاعر بخياله تلك الخطى المباركات، وهي ترسم معالم هذه الحضارة على صفحة الصحراء الجرداء، وتلك الخيام التي ضربت أطنابها في عمق تلك الرمال، وحمحمات الخيول وتكبيرة الفجر، والملائكة وهي تتنزل بل وهي مرابطة على كل ثغر، ورائحة الرمل ومنظر المغيب،وناراً أوقدت لملهوف، يالها من لوحة شعرية، تتراكض فيها الصور، تعجز عنها يد أمهر عباقرة الفن،

أرى بخيال السّحب – خطو محمد

على مخصب من بيدها وجديب

وسمر خيام مزّق الصمت عندها

حماحم خيل بشّرت بركوب

ونارا على نجد من الرمل أوقدت

لنجدة محروم وغوث حريب

وتكبيرة في الفجر سالت مع الصّبا

نعيم فياف واخضلال سهوب

أشمّ الرمال السمر: في كلّ حفنة

من الرّمل ، دنيا من هوى وطيوب

على كلّ نجد منه نفح ملائك

وفي كلّ واد منه سرّ غيوب

    وبهذه الترنيمة الخاشعة يقف الشاعر خاضعا لخالقه، راجياً عفوه، هارباً منه إليه:

ويا رب: لم أشرك و لم أعرف الأذى

وصنت شبابي عنهما ومشيبي

وإنّي – و إن جاوزت هذين سالما

لأكبر لولا جود عفوك حوبي

وأهرب كبرا أو حياء لزلّتي

ومنك ، نعم ، لكن إليك هروبي

وأجلو عيوبي نادمات حواسرا

وأستر إلاّ في حماك عيوبي

وأيّ ذنوب ليس تمحى لشاعر

معنّى بألوان الجمال طروب

ولو شهدت حور الجنان مدامعي

ترشّفن في هول الحساب غروبي

   وهل ينسى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو بابنا إلى الله تعالى؟

مدحت رسول الله أرجو ثوابه

وحاشا الندى أن لا يكون مثيبي

وقفت بباب الله ثمّ ببابه

وقوف ملحّ بالسؤال دؤوب

صفاء على اسم الله غير مكدّر

وحب لذات الله غير مشوب

وأزهى بتظليل الغمام لأحمد

وعذب برود من يديه سروب

فإن كان سرّ الله فوق غمامة

تظلّ و ماء سائغ لشروب

ففي معجز القرآن والدولة التي

بناها عليه مقنع للبيب

    ولابد من سفح الدمع عند ذلك القبر الشريف والدعاء لهذه الأمة الضائعة التائهة، وكأنه يعايش ماتمر به بلاده الآن:

ويا رب عند القبر قبر محمد

دعاء قريح المقلتين سليب

بجمر هوى عند الحجيج لمكّة

ودمع على طهر ( المقام ) سكوب

بشوق على نغماه، ضمّ جوانح

ووجد على ريّاه زرّ جيوب

ترفّق بقومي واحمهم من ملمّة

لقد نشبت أو آذنت بنشوب

وردّ الحلوم العازبات إلى الهدى

فقد ترجع الأحلام بعد عزوب

وردّ القلوب الحاقدات إلى ندى

من الحبّ فوّاح الظلال عشيب

    وما حيلة المشوق إن أقعده الضنى، وما وسيلة العاجز إن حالت دون الوصول إلى حبيبه العوائق إلا أن يبعث نفثات من ذلك الفؤاد المحترق، تتنسم أطياب الحبيب، تسترشد بها لتحط رحالها بساح جوده:

وأقعدني عنك الضّنى فبعثتها

شوارد شعر لم ترع بضريب

وترشدها أطياب قبرك في الدجى

فتعصمها من حيرة ونكوب

وعند أبي الزهراء حطّت رحالها

بساح جواد للثناء كسوب

   تلك هي مشاعره التي أراد أن يجلوها قصيدا على وادي العقيق:

جلوت على وادي العقيق فريدتي

ففاز حسيب منهما بحسيب

تتيه حضارات الشعوب بشاعر

وتكمل أسباب العلى بأديب

مصادر الدراسة:

١_ الموسوعة التاريخية الحرة.

٢_ ديوان الشاعر بدوي الجبل.

٣_ موقع الجزيرة نت .

٤_ مقالة محمد عبد الشافي القوصي .

٥_ موقع أحباب الكلتاوية : إبراهيم حمدو العمر .

٦_ مواقع إلكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1078