هوامش على مقال (رأس) للشيباني(8)
الشيباني والشاعر عبد الرحمن عبد الوافي
شمس الدين درمش- الرياض
ويقدم لنا الأخ عبد المنعم الشيباني مثالا آخر من النماذج الضعيفة من الشعر (برأيه) في مجلة الأدب الإسلامي بطريقته نفسها في عدم ذكر العدد الذي نشرت فيها القصيدة، وإغفال اسم الشاعر، وتكنيته (دكتور حُمادي)، فيقول:
"ومعنا شاعر آخر (دكتور حُمادي) من المغرب بارك الله فيه، لم يُحسن رثاء أبيه رحمه الله وأسكنه فسيح الجنات، كتب قصيدةً في الرثاء، وما هي برثاء مطلعها:
أيا صاحبي دعني أبثك ما بيا لقد حل بي شيءٌ فغير حاليا
وتصرخ أختي باتصالٍ وتشتكي أبونا مريضٌ وانثنى الصوت واهيا
عندنا امرأة أمية بالقرية اسمها (هدية سعد سعيد) رثت أمها بثلاثمائة بيت من الشعر الشعبي يقطر عاطفةً وألماً وشعراً، الحجة هدية سعد أمية لكنها شاعرة."
وبطريقتي في الهوامش في وضع النقاط على الحروف، وإيضاح الغامض، والتعريف بالمجهول، أقول:
(الدكتور حمادي) صاحب قصيدة الرثاء هو الشاعر د.عبد الرحمن عبد الوافي من المغرب، وقصيدته في رثاء والده نشرت في العدد (41) من مجلة الأدب الإسلامي، في الصفحة (46)، وتتألف القصيدة من (32) بيتا. والشاعر عضو رابطة الأدب الإسلامي، وهو أستاذ جامعي، له ديوانان شعريان، وشارك في العاليات الشعرية في إحدى دورات (الجنادرية) المهرجان الوطني للثقافة والتراث بالمملكة العربية السعودية.وترجم له معجم البابطين الشعري في الكويت، ونشر له قصيدة (ضياع في أحد الدروب).
وبالعودة إلى القصيدة فقد اختزل عبد المنعم الشيباني الحكم على القصيدة وصاحبها كما يلاحظ القراء من بيتين في مطلع القصيدة من أصل 32 بيتا، فهل يصح في المنهج النقدي أن يتعامل الناقد مع النص بهذه الطريقة!؟
النقد رصد الإيجابيات والسلبيات في مستويي الشكل والمضمون، والناقد لم يفعل من ذلك شيئا، إنما أخذ البيت الأول وغير فيه كلمة (خطب) إلى (شيء)، وفرق كبير ما بين الكلمتين، فكيف حصل هذا!؟
أما البيت الثاني في المطلع عند الشيباني فهو البيت الرابع في القصيدة، وقد تغير الشطر الأول منه من: (أتاني وقلبي غافل صوتُ هاتفٍ) إلى (وتصرخ أختي باتصالٍ وتشتكي)!! فكيف حصل هذا أيضا!؟ فليس في القصيدة أثر لهذا الشطر! فهل يجوز أن ننسب إلى الشاعر كلاما لم يقله، أو نغير كلمة إلى غيرها، رضينا شعره أم رفضناه!؟ ثم نحكم عليه من خلال كلام ليس له!؟ ماذا نسمي هذا الفعل!؟ أترك الجواب للقراء الكرام.
والبيتان كما في سياق القصيدة في مجلة الأدب الإسلامي:
(أيا صاحبي دعني أبثك ما بيا لقد حل بي خطب فغير حاليا
أيا صاحبي قلبي يضعضعه البكا فلا تعتبن الشعر إن جاء باكيا
ولا تعتبنْه إن نزى الدم حرفه فقد شاء ربي أن يخوض المراثيا
أتاني وقلبي غافل صوتُ هاتفٍ: أبونا مريضٌ، وانثنى الصوت واهيا)
ومن أبيات القصيدة:
فقلت لها: أختاه أُنْطِقْتِ بالذي به صرت أنوي أن أشد رحاليا
فطرنا كعصفورين نستبق الردى إلى شيخنا المحبوب نطوي الفيافيا
ويبدو أن الناقد الشيباني لم يجد خللا في الأوزان هنا، كما في قصيدة (سمو الطين) لربيع عبد الحليم، فلجأ إلى (التزوير) في كلمات القصيدة مكتفيا ببيتين من 32 بيتا، اقتناعا منه أن القراء لن يصلوا إلى أصل القصيدة، وهو الحاصل في معظم الأحيان، إذ يصعب على القراء ذلك لعدم وجود المادة موضع النقد في متناول اليد، أو لعدم امتلاكهم الوقت للبحث والقراءة والمقارنة للتأكد من صحة ما يكتب، من عدمها.
وهنا يتحتم على الناقد أن يكون أمينا، وموضوعيا، فيوثق ما ينقل ويكتب، متذكرا حكمة طرفة بن العبد: (ونص الحديث إلى أهله/ فإن الوثيقة في نصه).
والقصيدة شكلا وموضوعا معارضة لقصيدة مالك بن الريب الشهيرة في رثاء نفسه، وهذه بحد ذاتها تعطي للناقد مساحة أوسع في دراسة القصيدة الحديثة على ضوء القصيدة القديمة في المباني والمعاني، ولكن عبد المنعم الشيباني أغفل ذلك، أو لم يخطر له، ولم ينتبه إليه، فلجأ إلى نوع آخر من المقارنة، وهو مقارنة شعر فصيح لشاعر مغربي؛ بشعر عامي لشاعرة يمنية! وهذه منهجية جديدة ما أظن لجأ إليها سابق، أو يلجأ إليها لاحق من النقاد، فقال: "عندنا امرأة أمية بالقرية اسمها (هدية سعد سعيد) رثت أمها بثلاثمائة بيت من الشعر الشعبي يقطر عاطفةً وألماً وشعراً، الحجة هدية سعد أمية لكنها شاعرة".
ما علاقة (الحجة هدية..) يا أخ عبد المنعم بالموضوع!؟.
نعم؛ في الشعر الشعبي، أو العامي، أو النبطي.. على اختلاف مسمياته في العالم العربي، معان راقية، وصور محلقة، وعبارات مبتكرة، وعواطف متأججة، وهو نفسه في مجاله بين شعرائه، مثل الشعر الفصيح في مجاله بين شعرائه، مستويات تبدأ من القاع لدى المبتدئين، وتصل إلى القمة عند أصحاب الموهبة والمراس فيه. ولكن لا يقارن بين الفصيح والعامي، ولا يحكم بأحدهما على الآخر!. أم الأمر يحتاج إلى مثال!؟ فلنذكر إذاً قصة علقمة الفحل وامرئ القيس حين تنازعا، وادعى كل منهما أنه أشعر، فاحتكما إلى أم جندب امرأة امرئ القيس. فقالت لهما: قولا شعرا على روي واحد، وقافية واحدة تصفان فيه الخيل.
ففعلا، فأنشد امرؤ القيس قائلا:
فَلِلساقِ أُلهوبٌ وَلِلسَوطِ درَّةٌ *** وَلِلزََّجرِ مِنهُ وَقعُ أَهوَجَ مُتعَبِ
وقال علقمة بن عبدة الفحل:
فأدركهن ثانيا من عنانه * * * يمر كمر الرائح المتحلب
فقضت أم جندب لعلقمة على امرئ القيس، لأن فرس امرئ القيس يبدو كليلا بليدا لم يدرك الطريدة إلا بالضرب والزجر والصياح، خلاف فرس علقمة الذي انطلق بسرعة الريح ولم يحتج إلى الإثارة، فهو أبرع، وسرعته طبيعية أصيلة.
ويلاحظ أن أم جندب، اعتمدت في حكمها على بعض القواعد وهي: المعاصرة، ووحدة الروي والقافية، ووحدة الغرض؛ حتى تبدو بحق براعة كل شاعر في إطار الشروط المحددة.
وإذا تحققت وحدة الغرض في موضوعنا بين الشاعر المغربي عبد الرحمن عبد الوافي والشاعرة اليمنية الحجة هدية، وهي الرثاء، فأين العناصر الأخرى يا أخ عبد المنعم الشيباني!؟ وهل يرضى عبد المنعم الشيباني أن يسقط ناقد مغربي قصائده بموازنتها بقصائد شاعر أمازيغي يكتب بلهجته المحلية مثلا!؟ وإن جاز لنا مثل هذه الموازنة جاز لنا أن نأتي بقصيدة من قصائد المعلقات لنضعها إلى قصيدة حداثية مما يسمى بقصائد النثر، ثم نحكم بتفوق إحداهما على الأخرى فنيا! هل هذا منهج نقدي مقبول!؟ أترك الجواب عليه للقراء الكرام أيضا! فللناس فيما يعشقون مذاهب! فقد نجد من يقول: نعم، يجوز!. ولكن ما جوابك أنت يا أخ عبد المنعم بعدما حملت لقب الدكتوراه في الأدب والنقد الإنكليزي من الهند!؟ هل هذا موجود في المناهج النقدية الإنكليزية أو الهندية!؟ فهو غير موجود في المناهج النقدية العربية حسب علمي، وإن كان موجودا ليتك تدل القراء عليه!.
وقد أغفل الأخ عبد المنعم هنا بعدم حشر (كرفتة) الشاعر المغربي ولقبه الأكاديمي (دكتور) في المسألة! ولعل ذلك سقط سهوا منه!.
وبالمناسبة يحق لي أن أسأل: هل وازن الشاعر عبد المنعم الشيباني شعره الفصيح أو أشعار شعراء اليمن الأجلاء من أمثال الزبيري؛ بقصيدةالشاعرة اليمنية الأمية الحجة: هدية سعد سعيد، العامية!؟ وكيف كانت النتيجة؟ فهذه الدراسة أحرى وأقرب للمعقول من مقارنتها بقصيدة لشاعر مغربي!.