قضايا أدبية في كتاب "نظرات في الأدب" لأبي الحسن الندوي
قضايا أدبية في كتاب "نظرات في الأدب"
لأبي الحسن الندوي
الطيب أحمد رحماني
يعد كتاب "نظرات في الأدب" واحدا من أهم الكتابات الإسلامية التي سعت إلى التنظير للأدب الإسلامي وإحيائه من جديد، فهو – على صغر- حجمه يكتنز آراءا دقيقة من عالم خبر الأدب، وكابد من أجل إنجاح الكلمة الصادقة التي تحمل الفكر الإسلامية، في وقت كان دعاة التغريب يحملون حملات قوية للقضاء على الصوت الإسلامي، وإخماد شعلته قبل أن تظهر إلى الوجود.
وفي هذا المقال الموجز عرض لأهم القضايا الأدبية التي نالت اهتمام أبي الحسن في الكتاب المذكور، وهي قضايا بعضها قديم يرتبط بتاريخ الأدب ويشير إلى امتداده الزماني، وبعضها حديث يناقش ما استجد في الساحة الأدبية ويقدم وجهة نظر إسلامية فيه.
ومن تلك القضايا:
1 - تدوين الأدب:
في النظرات اهتمام كبير بظروف تدوين الأدب العربي القديم، ويرى أبو الحسن أن ذلك الأدب لم يصلنا إلا جزء منه ضمته كتب متخصصة، بينما ضاع الكثير منه إما ضياعا كاملا أو أنه ظل طي النسيان (على الأقل من قبل المهتمين بالأدب) في بطون الكتب غير المتخصصة، وقد تناول المؤلف هذه القضية في مقاله المطول" نظرة جديدة إلى التراث الأدبي العربي " حيث يقول :"إن هذا الأدب الطبيعي الجميل القوى كثير وقديم في المكتبة العربية، بل هو أكبر سنا و أسبق زمنا من الأدب الصناعي ، فقد دون هذا الأدب في كتب الحديث والسيرة قبل أن يدون الأدب الصناعي في كتب الرسائل والمقامات، ولكنه لم يحظ من دراسة الأدباء والباحثين وعنايتهم ما حظي به الأدب الصناعي "([1])
فهذا النوع الأدبي الذي يسميه أبو الحسن بالأدب الطبيعي كان ضحية المنهجية التي دون بها الأدب العربي، ومن هنا وجب إعادة النظر في مدونته وفق نظرة جديدة.
2- إعادة استعراض المكتبة الأدبية العربية:
يقترح أبو الحسن لاستدراك النقص الذي شاب المؤلفات الأدبية المتخصصة، إعادة استعراض مكتبة الأدب العربي برؤية جديدة تأخد بعين الاعتبار القطع الأدبية التي ظلت مطمورة في بطون كتب لا تحمل عناوين أدبية بحتة، يقول:"إن مكتبة الأدب العربي في حاجة شديدة إلى استعراض جديد وإلى دراسة جديدة وإلى عرض جديد"([2]).
وكانت دعوة أبي الحسن هذه متوجة بعمل تطبيقي تمثل في مؤلفه "مختارات من أدب العرب"، وفيه يقول:" على هذا الأساس، وعلى هذه الفكرة ألفنا كتابينا "مختارات من أدب العرب" وهاهو الجزء الأول من هذه الكتاب يجمع بين الطبيعي والفني – ولكل قيمة أدبية – يجمع بين القديم والحديث، نرجو أن يقع من الأدباء والمعلمين موقع الاستحسان "([3]).
ويفهم من سياق آخر أن أبا الحسن يقصد بإعادة استعراض مكتبة الأدب العربي، كتابة تاريخ الأدب العربي من منظور جديد، وهذا ما يدل عليه مقال :"كتاب جديد في تاريخ الأدب العربي" الذي يتحدث فيه عن بعض سلبيات المؤلفات الأدبية ويقترح تأليفا جديدا يسد الثغرات الموجودة في تاريخ الأدب العربي، وقد تبني هذه الدعوة كثير من رواد الأدب الإسلامي منهم محمد حسن بريغش في كتابيه "الأدب الإسلامي أصوله وسماته" و" في الأدب الإسلامي المعاصر" ونجيب الكيلاني في كتابه "آفاق الأدب الإسلامي"([4])
3- توثيق الأدب:
وهو توثيق للنسبة والمتن معا وشاهده قول المؤلف: "...فكتب الحديث تسد هذا الفراغ الواقع في تاريخ الأدب العربي، وتنقل إلينا هذا الذخر الأدبي الذي أعتقد أنه قد ضاع، وتمتاز بأنها اتصل سندها وصحت روايتها فهي أوثق مصدر للغة العربية البليغة..."([5])
4 – الطبع والتكلف والتصنع:
يفتتح أبو الحسن مقاله الأول " نظرة جديدة إلى التراث الأدبي العربي" بالحديث عما أسماه محنة وهي" تسلط أصحاب التصنع والتكلف على الأدب"([6]) ويفهم من نصوص أخرى أن أبا الحسن يقصد بالتصنع والتكلف الأسلوب الأدبي الذي ارتبط بأدب المقامات، وما اعتمده من سجع وبديع ومحسنات لفظية،([7]) وهو أسلوب غير محمود في نظر أبي الحسن، ويقابله أسلوب محبذ موصوف بالطبيعي ويرتبط بالنصوص الأدبية التي قالها أصحابها من دون تعمل ولا تفعل، يقول: " إن ما كتبه هؤلاء العلماء، غير معتقدين أنهم يكتبون للأدب ولا زاعمين أنهم في مكانة عالية من الإنشاء هو الذي يسعد العربية ويشرفها، وأخاف أنهم قصدوا الأدب وتكلفوا الإنشاء لفسدت كتابتهم "([8])
5- مقومات الأدب وشروطه:
في النظرات اهتمام كبير ببيان مقومات الأدب وشروطه الضرورية،ومنها:
5-1- الإخلاص والصدق والواقعية([9])
5-2- أن يصدر عن شخصية قوية، يقول أبو الحسن:" إن الأدب لا يقدر على التأثير حتى يكون وراءه شخصية قوية..."([10])
5-3- أن يعبر عن عاطفة جياشة كعاطفة الحب، ويصرح بذلك أبو الحسن بقوله: " إن الأدب إذا تجرد من العاطفة القوية كان محاكاة أو مضاهاة وكان أشبه بمسرحية تمثل"([11]).
5-4- المضمون الهادف: يتحدث أبو الحسن على غرار الأدباء الإسلاميين عن رسالية الأدب، فهو حامل رسالة الإسلام العالمية.
5-5- شروط فنية: وينبغي أن تأتي سلسة من دون تعمل، وكلما كان الأدب طبيعيا يصدر عن سليقة وموهية كان أكثر تأثيرا وأدعى للجمالية والفنية. أما الأدب الذي يتتبع أصحابه دروب الصنعة والتعقيد فيكون فارغ المحتوى بارد التأثير نظرا لغياب المقصدية (أو ضعفها) وتشهد لهذا نصوص كثير سبق ذكرها فيما مضى، منها قوله: "... وقد بقيت طائفة من العلماء ...غير خاضعين لأسلوب تقليدي في عصرهم، متحررين من السجع والبديع والصنائع والمحسنات اللفظية، يكتبون ويؤلفون في لغة عربية نقية، وفي أسلوب مطبوع يتدفق بالحياة..." ([12]).
6- أجناس الأدب:
الأدب في النظرات مفهوم عام تنضوي تحته عدة أجناس ومنها :
6-1- الشعر : خصص المؤلف عنوانين للحديث عن تجربتين شعريتين، وذلك بقوله:" أدب الحب والعاطفة واحترام الإنسان والإنسانية في شعر مولانا جلال الدين الرومي"([13]) وقوله :" دور محمد إقبال في توجيه الأدب والشعر"([14]) بالإضافة إلى إشارات متفرقة إلى الشعر بوصفه جنسا أدبيا مستقلا.
6-2- أدب التراجم والتقدميات: يرى أبو الحسن أن أدب التراجم فن دقيق يحتاج إلى التحري في اختيار الألفاظ وتوصيف الشخصية المترجم لها. أما أدب التقديمات فهو شهادة وتزكية ينبغي أن تراعي فيها أحكامها وآدابها ومسؤوليتها ...
6-3- أدب الرحلات: وهو فن عرفته العربية منذ القديم، يقول أبو الحسن:" إن مكتبة اللغة العربية – القديمة والحديثة – غنية بكتب الرحلات والأسفار، وبكتب سجلت فيها الخواطر والانطباعات ، فقد امتاز العرب والمسلمون بالشغف بالأسفار البعيدة والمغامرات الخطيرة... " ([15])
6-4- أدب المقامات : يعرفه أبو الحسن يقوله: "هو أسلوب الكتابة المسجعة المختمر"([16]) ومن سماته السجع والبديع وتتبع دروب التصنع والزخرفة اللفظية...
6-5- الأدعية المأثورة: يجعلها أبو الحسن الندوي لونا من ألوان الأدب وينص على قيمتها بقوله " قيمة الأدعية النبوية المأثورة الأدبية والبلاغية والنفسية والاجتماعية"([17])
7- اتجاهات الأدب:
ومن أمثلها مدرسة شبه القارة الهندية، فهي خط متميز في الكتابة الأدبية وقد خصها المؤلف بمقالين هما: "مدرسة شبه القارة الهندية العربية والأدبية ميزاتها ومنتجاتها"([18]) و " لمحة عن المدرسة الأدبية الإسلامية الهندية كيف نشأة وتكونت، وبماذا تميزت؟"([19]) ويقول متحدثا عن ظروف نشأة هذه المدرسة :" لقد تفاعلت في الهند عدة عوامل ثقافية، وعنصرية ، وحضارية وسياسية، فالهند مهد اللغات والثقافات والفلسفات القديمة، ومن الطبيعي أن يتأثر الشعب المسلم بكل هذا في قليل أو كثير، ونتيجة لهذا التفاعل تكونت مدرسة مستقبلة ذات نفسية خاصة وطابع خاص في الأدب الإسلامي...."([20]).
8- الدين والأدب:
في كتاب "النظرات" حديث عن علاقة الأدب بالدين، وذلك في قول المؤلف: "لم يكن في الهند ذلك الفصال النكد بين علوم الدين والأدب العصري ولغة البلاد ، ولم تكن تلك الفجوة التي وقعت في بعض البلاد بين علماء الدين، والشادين بالأدب والشعر والهائمين بهما تلك الفجوة التي جنت على الدين والأدب في وقت واحد"([21]).
فالعلاقة الطبيعية التي تجمع بين الدين والأدب هي علاقة انسجام، بحكم أن الأدب تعبير عن رسالة تبث فيه الحياة، وقد رجع أبو الحسن إلى القرآن والسنة ليثبت ذلك حيث يقول: "وقد أشاد القرآن بقيمة اللسان البليغ وقوته فوصف نفسه بأنه قرآن عربي مبين... وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ..."([22]).
[1] نظرات في الأدب، ص22.
[2] نفسه ص 34.
[3] مختارات من أدب العرب، ص 18.
[4] المنهج الإسلامي في النقد الأدبي سيد عبد الرازق ص 93.
[5] نظرات في الأدب، ص 23
[6] نفسه، ص 21
[7] نفسه،ص 29
[8] - نظرات في الأدب،ص31.
[9] - نفسه ، ص36
[10] نفسه ، ص 108
[11] نفسه ص نفسها
[12] نفسه ص 30.
[13] نظرات في الأدب ، ص 92.
[14] نفسه ، ص 104.
[15] نفسه ، ص 63.
[16] نفسه ص 29..
[17] نفسه ص 36 .
[18] نظرات في الأدب، ص 68.
[19] - نفسه، ص 77
[20] نفسه ، ص نفسها
[21] نفسه، ص 89.
[22] نفسه ص 111.