اللغة العربية لغة الإسلام

الفريق يحيى بن عبد الله المعلمي

اللغة: أي لغة، هي لسان كل الشعب المعبر عن أفكاره وآرائه ومشاعره وأحاسيسه وأماله وآلامه وتطلعه وطموحه.

كما أن اللغة وما دوّن من آثارها من شعر ونثر وفكر وأدب، هي تاريخ الأمة وتراثها الذي تعتز وتباهي به.

ولذلك فكل أمة تفخر بلغتها، وتعتز بها، وتحرص على انتشارها ومنع اختلاطها بغيرها من اللغات لتظل نقية صافية.

وأمة العرب تتميز عن جميع الأمم بأن لغتها ليست لغة شعب أو وطن أو إقليم، وإنما هي لغة أمة عظيمة العدد، متعددة الأوطان، منتشرة على مساحة كبيرة من رقعة العالم. فهي لغة الإسلام: الدين الحنيف الذي يدين به مئات الملايين من البشر في مختلف بقاع المعمورة وبها تقام شعائر الإسلام في كل بلد، فالأذان يرتفع خمس مرات من المآذن في كل مدينة أو قرية في كل وطن به عدد من المسلمين، والقرآن الكريم يرتل كل يوم على أفواه القارئين وتنقله الإذاعة المرئية والمسموعة إلى المسلمين في كل بلد.

والقرآن الكريم يتلى أيضاً في كل بيت فيه مسلم. ومن لا يجيد قراءة القرآن باللغة العربية فهو يحفظ على الأقل سورة الفاتحة أم الكتاب، وسوراً أخرى من قصار السور في القرآن الكريم يقيم بها صلاته، ويؤدي بها ما فرض عليه من شعائر ومناسك.

ولذلك فإن تعلمها، وإجادة النطق بها، وإحسان ترتيل القرآن بها، أمر يحتمه الدين قبل أن يكون واجباً وطنياً أو قومياً.

ونحن نرى الأمم من حولنا تعمل الكثير من أجل نشر ثقافتها عن طريق الإذاعات أو الأشرطة المسجلة، أو إنشاء المعاهد في الدول التي لا تتكلم لغاتها، إضافة إلى إنشاء المعاهد العالية والكليات المتخصصة لتعليم اللغة، وآدابها، وتاريخها، ونحوها، وصرفها، وما تحويه من المعاني وأوجه الإبداع.

والدول العربية تبذل في هذا الاتجاه جهوداً مشكورة، بالمدارس والمعاهد التي تنشر اللغة العربية وتعلمها لغير الناطقين بها وتجعل الناطقين بها أكثر إجادة لقواعدها وتطبيقاتها، وبمدارس تحفيظ القرآن الكريم المنتشرة في المساجد والزوايا والأحياء، وبالمسابقات التي تنظم للتشجيع على حفظ القرآن الكريم وبالجوائز المغرية تقدم للناجحين في ذلك على مستوى كل وطن عربي، وعلى المستوى الدولي الإسلامي، ولا يغيب عنا مسابقات حفظ القرآن الكريم وتجويده التي تقام في ماليزيا وأندونيسيا وغيرها من الدول الإسلامية وترصد لها الجوائز المالية للفائزين ويقوم على التحكيم فيها قراء من مختلف الدول العربية وبخاصة من الأزهر الشريف الذي يعد حصناً للغة العربية، ومعقلاً من معاقلها الحصينة، التي لها فضل الكفاح والدفاع عن اللغة العربية في مواجهة الدعوات الاستعمارية التي كانت تحاول طمس اللغة العربية، وكتابتها بالحروف اللاتينية، وتشجيع الكتابة باللغات العامية، لتبديد شمل الأمة العربية وتشتيت لغاتها وإضاعة تراثها العريق المجيد.

ولكن الله الذي وعد بحفظ القرآن الكريم حمى اللغة العربية وسيظل يحميها من كيد الكائدين وعنت المستعمرين الطاغين.

ولكن المشكلة الكبرى التي تواجه اللغة العربية هي عقوق أبنائها وسعيهم في سبيل حصارها وتحطيمها بالقول والفعل.

ومن أفاعيلهم إهمال اللغة الفصيحة واستبدال لهجات محلية بها لا يقتصر استعمالها على الحديث الشفهي وإنما أدخلوها إلى الصحف والمجلات، وأقاموا المهرجانات الدولية للأزجال العامية، ورصد بعض الأثرياء العوام جوائز مالية ضخمة، فتسابق الناس إلى ارتضاخ العامية والخوض في مستنقعاتها، لم تمنعهم غيرة على عروبتهم ولا حمية لدينهم.

ففي بلد عربي كريم، تصدر الصحف اليومية وفيها صفحات تبلغ نصف عدد صفحات الجريدة كلها، وهي كلها باللغة العامية من الأزجال التي أطلقوا عليها اسماً جذاباً وقالوا إنها شعر شعبي، فخلعوا عليها لقب الشعر وهي تخلو من أهم صفة من صفات الشعر، وهي سلامة اللغة، ونسبوها إلى الشعب العربي كله والشعب ليس طغمة من العوام بل إن منه العلماء والأدباء والكتاب والصحفيين والطلاب والموظفين والقضاة والمحامين ورجال الأعمال، وكلهم متعلمون يجيدون القراءة والكتابة باللغة العربية الفصيحة، ولا تخفى عليهم معانيها وزعموا أن اللغة القومية أقرب إلى أفهام الناس، ونحن نرى الناس يذهبون إلى صلاة الجمعة كل أسبوع، ويستمعون إلى خطبة الجمعة، ولم يقل أحد منهم: إنه لم يفهم الخطبة، ونراهم يقرؤون القرآن الكريم، ولم يقل أحد: إنه عسير الفهم وإذا أشكل عليه فهم شيء منه أسرع إلى من يعرف القرآن واللغة فاستوضح منه.

ولم يدع أحد أبداً إلى الخطبة بالعامية لكي يفهم الناس الموعظة.

ولم يدع أحد إلى قراءة القرآن وطبعه باللغة العامية ليكون سهلاً على الجهلاء.

وزعموا أن اللغة العامية أقرب إلى الوجدان في الغناء وهم يستمعون إلى أغاني أم كلثوم باللغة العربية مثل: ولد الهدى، ونهج البردة، وقصة الأمس، وذكريات، وحديث الروح، وإلى عرفات الله، وإلى أغاني محمد عبد الوهاب مثل: الكرنك، والجندول، وكليوباترا، والنهر الخالد.. وفلسطين وغيرها، فيطربون لها أيما طرب ويستمتعون بألحانها ويتذوقون كلماتها ومعانيها.

وزعموا أن اللغة العامية هي التي يتحدث بها الناس وأن علينا أن ننزل إلى مستوى العوام وأنا أقول لهم: إن من العار أن يتحدث مثقف باللغة العامية في منزله أو في السوق، وتتضح شناعته إذا كان المتحدث مدرساً في فصل، أو خطيباً في محفل، أو متحدثاً في مجلس رفيع، يتناول موضوعات الساعة من سياسة واقتصاد ومشكلات دينية أو دنيوية.

ونحن نقول: إن من واجبنا أن نرفع الناس إلى مستوى اللغة العربية الفصحى لا أن ننزل إلى مستواهم وكذلك عندما نرى المتحذلقين يخاطبون أتباعهم من الخدم والسائقين الذين استقدمناهم من دول لا يتكلم أهلها العربية، فإننا بدلاً من أن نحملهم على فهم لغتنا والحديث بها نلوي ألسنتنا فنذكر المؤنث ونؤنث المذكر، ونخاطب الفرد والجمع بضمير الغائب المفرد، ونظن أننا بذلك نيسر اللغة، ونحن نعقدها ونجعلها صعبة عسيرة على السامع.

والأدهى أن ينشأ أطفالنا فيألفون لغة الأتباع وينشأ جيل جديد ضيع اللغة العربية ولم يتقن لغة أجنبية، فكان كالغراب الذي خطر له أن يقلد خطو الحمامة فأصيب بالعرج وسمي أبا مرقال.

وبعد أيها القارئ الكريم.. فأنت ترى أننا في المغرب العربي إذا تحدث أحدهم بلغته العامية لا نفقه من حديثه شيئاً أما إذا تكلم بالعربية الفصحى فإننا نفهمها جميعاً.

ولذلك فاللغة العربية تربط الشعوب العربية وتوحد لغتها وتربط قلوب أفرادها بعضهم إلى بعض وقد لقيت من الدفاع عن اللغة العربية ومهاجمة العامية عنتاً ولكني أقول:

أحمي حمى الفصحى وأفخر أنها=لغتي بها جاء الكتاب المنزل

وبها أحاديث النبي المصطفى=وبغيرها القرآن ليس يرتل

وسلمت اللغة العربية ورفع الله شأنها.