ما الجامع بين الشعر وكلام الأبراج؟

ما الجامع بين الشعر وكلام الأبراج؟

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

قرأت وأقرأ كثيرا شعرا متعدد الألوان والاتجاهات، فمنه الرومانسي والسياسي والواقعي والرمزي، وكله مفتوح على آفاق لا حد لها، بعضه وهمي ساذج، وبعضه خيالي ميتافيزيقي حالم، وغيره متعدد في أشكاله وما يدل عليه، ويأتي فلاسفة الكلام من المنظرين والنقاد ليصدّع رؤوسنا بأن أجمل الشعر ما كان متنوعا في الرؤى والتأويل، فاخترعوا ما سمي بنظريات التلقي والتأويل، وأحوال القارئ وما شابه، وأنا عن كل ذلك ساهٍ لاهٍ، لا أعيره أي اهتمام!! فالشعر بالنسبة لي نشاطٌ خياليٌّ طافحٌ بالوهم ليس إلا، حتى وأنت تقول الكلام مباشرا وحادا جارحا.

ولكن، ما علاقة الشعر بكلام الأبراج؟ وهل ترون أن ثمة رابطا يربطهما معا؟

ينطلق كلام الأبراج حسب ما أزعم من الرجم بالغيب، تصوروا كم شخصا يشتركون في برج واحد؟ فهل كلهم سيحدث معهم الشيء نفسه؟ وهل كلهم يتحلون بالطباع نفسها التي استقرت عند كتاب "حظك اليوم"؟ وهل كلهم لهم التجربة الإنسانية نفسها؟ وهل كلهم ينبتون نباتا واحدا حسنا أو سيئا في بيئة اجتماعية وثقافية وسياسية واحدة؛ ليتمتعوا بالصفات نفسها، وليكونوا الكل في واحد؟!

أسئلة متولدة بلا نهاية، وكلها عندي ذات إجابة واحدة النفي القاطع، وبأن هؤلاء أيضا موهومون ككتاب الشعر، الذين يصطنعون الأخيلة، ويركبونها كبساط الريح تحملهم على غيمات الخيال المترامي الأوهام، فيبعدون عن الواقع ويبتعد عنهم، فتراهم أشبه بالمجانين يقولون كلاما ينطبق على كثيرين، وهو في الوقت ذاته لا يمس أحدا، مفارقة عجيبة كالأبراج تماما، يظنون أنهم يتحدثون عن نفوسهم وأفكارهم، ولكنهم في الحقيقة يتحدثون عن البلادة والسذاجة والغباء!!

لو قام أحدنا بعمل هذه التجربة، بأن يجمع ثلاث صحف مختلفة لا أكثر من بلدان متعددة أو من بلد واحد لا فرق، ويقرأ برجه في تلك الصحف سيرى اختلافا كبيرا، بل إن الاكتشاف سيكون أجمل وأروع، لو قام أحدهم بإسماعك ما يقول برج ما ويوهمك أنه برجك، ستهز رأسك موافقا أن هذا الكلام صحيح، وينطبق عليك تماما، أو أن يقوم أحدهم بإسماعك كل ما تقوله الأبراج ويتركك تختار برجك من بينها، ستكتشف أنك ستحتار، وستتخبط في الاختيار، ولا تدري ماذا ستكون النتيجة، فقد تختار برج حماتك أو مسئولك في العمل، على اعتبار أنهما أكثر شخصين حياديين في مشاعرهما تجاهك!! وبعد أن تعرف الحقيقة ستصدر قهقهة عالية عاتبا على برجك الذي خدعك وخان.

وكذلك الشعر، فإنه كثيرا ما خدعك وصدمك، وشل حركتك، وأنت تكتب كلاما جميلا مصورا واقعك البائس كأنك في جنة عدن، أو ترسم أحلاما في الفضاء وتبني قصورك في الهواء، ولتكتشف فداحة المصاب وعظيم الابتلاء، ولتعرف بعد حين أنك كنت تطارد خيط دخان، ليس أكثر!!

هذا هو حال الشاعر الذي هو مخدوع دائما لا حول له ولا قوة إلا بجمل فارغة من مضمونها، وهذا هو حال كل من قرأ برجا من أبراجه كل صباح ليكتشف الاثنان أنهما في الخديعة سواء بسواء، وبأن الشعر وكلام الأبراج ما هما إلا الخديعة المطلقة التي تحاول أن تدثر عقلك بسقيم الرؤى وفارغ الآمال، وعليك أن ترحل عن تلك العوالم مرتطما ومرتبطا بأرضك التي سقتك سرابها لتشبع منه لهيبا حارقا حتى آخر العمر، فليس بمقدورك أن تكون إلا هباء منثورا على لحن يعزف موتك بصوت شاعر يعيد كلام الأبراج بسذاجة مطلقة، فليس باستطاعة القصيدة أن تصنع عالما أجمل مما أنت فيه.