قصائد الحب في رواية "عناق الاصابع"

قصائد الحب

في رواية "عناق الاصابع"

للكاتب عادل سالم

محمد عليان

في روايته " عناق الاصابع  " اعادنا الكاتب عادل سالم سنوات طويلة الى الوراء ، اعادنا الى ايام تأبى النسيان ، تظل ذكراها عالقة في الذاكرة  راسخة في الوجدان  لا يتخطاها التاريخ ولا يتجاوزها الزمان ، انها الايام الطويلة التي قضيناها وراء القضبان وفي غياهب السجون ، بكل ما تحمله من الم ووجع ، صمود وعنفوان ، حزن وغضب ، فرح  ومرح ، حب وعشق .. انها الايام التي فيها تبلور الفكر  وتهذبت النفس  وصقلت الشخصية وتفولذت الارادة وتعززت قوة الشكيمة واخذت فيها المواجهة طابع ان تكون او لا تكون .

في روايته " عناق الاصابع " ينكأ الكاتب عادل سالم جروحنا التي اعتقدنا خطأ انها اندملت ويثير بنا الاحاسيس والمشاعر التي  كانت حبيسة  ،  ويرسم لنا بريشة فنان الحلم  الوردي الذي كان يراودنا في ليلنا ونهارنا ، نفرح له ونستلذ به وتختلج له شغاف قلوبنا .. الحلم بزوجة  تعانقها وام تدفن رأسك بصدرها ووطن يسكنك ويحميك .

في " عناق الاصابع " تكتسي التجربة طابعها الانساني  ، ويظهر الحب كمحفز اساسي للصمود ، ومصدر ملهم للقوة والعنفوان ، وعنوان للحلم ، وهدف يستحق الحياة . وكانت خولة شاهين المرأة التي ترسم البسمة  على شفتي  علي النجار حتى وهو يتعرض الى القسوة والتعذيب ، والعبق الذي يفوح في اجواء الزنزانة النتة العفنة والامل الذي لم يترك مكانا لليأس والقنوط  في قلب الاسير الذي امضى عقود من الزمان في الظلمة الحالكة .

ربما تكون " عناق الاصابع " هي الرواية الاولى التي تحطم القيود امام الحب وتظهره باسمى تجلياته ، وهي ، لذلك ، تكون الرواية الاولى التي تعاملت مع الاسير الفلسطيني ، كانسان اولا وقبل كل شئ ، انسان يحب ويكره ، يحزن ويفرح ، يبكي ويتأوه ،  انسان يحتاج الى الحب مثلما يحتاج الى الغذاء ومثلما يتوق الى الحرية ، وكان الحب الذي منحه الكاتب لعلي النجار ، الشخصية الرئيسة في الرواية  ، حبا سخيا ، صادقا ، لا يعرف الحدود ولا القيود ، تخطى السجن والسجان واخترق فتحات " الشبك " وسكن الروح واستوطن في القلب ، وارتفع بعلي الى اسمى درجات الانسانية والرقي ، وجعل منه القائد الانسان الذي يقاتل دون هواده ولا يتنازل عن قضيته وكرامته ولم يهزمه السجن والسجان وكلما مر الوقت كبر الحب وتفولذت عزيمته

واذا كان حب خولة يشكل مصدرا ملهما لصمود علي في الاسر فان حب الام والاب والاخ والاخت والصديق والقريب والبعيد ، للاسير والحركة الاسيرة كان احد اهم المصادر لصمود الاسرى وانتصاراتهم على السجن والسجان . لقد وثق الكاتب مرحلة تاريخية كان فيها التعاطف والتضامن مع الحركة الاسيرة لا يقتصر فقط على زوجات وامهات وابناء الاسرى بل يشمل جميع الفئات الشعبية في الوطن والخارج شيبة وشبانا اطفالا ونساءا ،  فقد غمرت الجماهير االحركة الاسيرة بالحب والتعاطف والتضامن الفعلي ونظمت الفعاليات والمظاهرات والاعتصامات التضامنية وشكلت بعدا رئيسا في نضال الحركة الاسيرة .

اما مصدر الحب الاهم في "عناق الاصابع "  فهو العلاقة الانسانية الوشيجة التي يتميز بها الاسرى فيما بينهم ، لقد ابدع الكاتب في التركيز على تفاصيل دقيقة للحياة الداخلية في الاسر يظهر فيها الحب الصادق والاخوة المتينة والتفاني والتضامن وحب الجماعة والتضحية من اجل الآخرين .  هناك ، في الاسر ، حيث الحرمان والقهر ، يفرح الاسير لفرح رفيقه ويحزن لحزنه ويشاركه ملابسه  وطعامة ويواسيه ويداوي جراحه ويقتسم معه كسرة الخبز و" حبة التين "  . هذا الحب لا يميز بين الابيض والاسود ، بين الغني والفقير ، بين المتعلم والجاهل ، بل يخترق كل الفوارق الطبقية والتنظيمية ويضع الجميع  في خندق واحد .

وربما يكون الكاتب قد ادرك ان علي النجار  الذي امضى  38 عاما وهو ينعم بهذا القدر من الحب ، لا يستطيع ان يتأقلم ويتكيف مع  واقع حياة  تغلب عليه الانانية والسعي وراء المصالح الشخصية والزيف والنفاق لذلك اغدق عليه بمزيد من الحب وجعله ضحية عملية اغتيال اسرائيلية بعد اسبوع فقط من الافراج عنه وذلك كي يسقط شهيدا ويفارق هذه الحياة قبل ان تتلوث روحه  .

عناق الاصابع ليست رواية بل قصائد حب خالدة ، سنغنيها نحن والاجيال القادمة على الحان الوجع والالم . 

ورقة مقدمة لندوة اليوم السابع