حروف مقدسية على السور الجريح
شعر رفعت زيتون
موسى أبو
دويحطلع علينا المهندس رفعت زيتون في أواخر سنة 2011 م، بباكورة نتاجه الشعري، في كتاب من القطع الوسط، فيه 142 صفحة. سماه (حروف مقدسية على السور الجريح). فيه سبع عشرة قصيدة، عشر منها في الجزء الأول من الديوان، والسبع في الجزء الثاني.
في الكتاب ست قصائد من الشعر العمودي الموزون والمقفى، واحدى عشرة قصيدة من الشعر الحر.
أهدى المهندس كتابه إلى أهله وأصدقائه بخاصة، وإلى عشاق اللغة العربية بعامة.
وقدم الاستاذ ابراهيم جوهر الكتاب تقديما أدبيا رائعا سماه:(ورود شعرية على جراح الروح). فقصائد المهندس ورود، والقدس وسورها روح ألمت بها الجراح. وسمعت المهندس يهمس في أذن ابراهيم _مستحسنا التقديم_ (إنّ من يقرأ التقديم ليس بحاجة إلى قراءة الديوان). أوقريبا من هذا.
وابراهيم الذي قلت عنه يوم تكريمه، إنّه لا يحابي في نقده ولا يجامل أبدا، بالغ في التقديم، متأثرا بصحبة رفعت، وبحسن خلقه ودماثته، وطيب معاملته للآخرين، وهذا ما حتّم على ابراهيم أن يكون رقيقا في تقديمه.
ونقد الديوان –أيِّ ديوان– أمريحتاج إلى دراسة مستفيضة، بل إنّ كل قصيدة في الديوان بحاجة إلى نقد مستقل عن غيرها من القصائد.
وعليه، فاني أختار قصيدة واحدة من الديوان، وأحاول الكتابة عنها وحولها، والقصيدة هي أول قصيدة في الديوان بعنوان (إلى عينيك حبيبتي).
هذه القصيدة هي إنسان عين الديوان، ووضعُها أول قصيدة فيه، اختيارٌ موفق ولولم يقرأ القارئ من الديوان، سوى هذه القصيدة لكفتْه.
القصيدة واحد وعشرون بيتا من الشعر العمودي الموزون والمقفى، وهي من البحر الوافر، وهذا ما أضفى على القصيدة ايقاعا مميزا ونغما راقصا رائعا جمبلا.ومن القديم قالوا :(بحور الشعر وافرها جميل).
بدأ الشاعر القصيدة بقوله:
إلى عينيك تسبقني القوافي وتعرف دربها دون انحراف
تعاتبني اذا ما هِمْت شوقا وليس الشوق في عيني بخاف
القصيدة كنهر رقراق، ينساب انسيابا لطيفا، ولولا بعض هِناتٍ في القصيدة لكانت غُرَّةً بين قصائد فحول الشعراء. ومن هذه الهنات قوله في البيت الخامس:
بأني في غرامي موج بحر وكالطوفان في العشق انجرافي
فالغرام والعشق رقيقان ناعمان لا يناسبهما موج البحر ولا الطوفان ولا الانجراف.
ومنها قوله في البيت السابع: (وأنتِ الشهد كأسي وارتشافي)
والارتشاف من الكأس من الرشف وهوالمصّ، والرشيف تناول الماء بالشفتين. وقيل: الرشف والرشيف فوق المص، كما جاء في لسان العرب. وسماع صوت الرشف فعل مستقبح.
ومنها قوله في البيت الثامن: (ومثلَ النهر) والصحيح ومثلُ النهر –بضمّ لام مثل لا بفتحا-؛ لأنها معطوفة على الشهد وهي مرفوعة.
ومنها قوله في البيت العاشر: (وبعدك جمرة تحت الأثافي) والصحيح بين الأثافي، لأن الجمر يكون بين الأثافي لا تحتها.
ومنها قوله في البيت الثالث عشر: (وكيف يلين للأحباب صخر) والأحسن وكيف يلين للأحباب عود، بدل كلمة صخر بدليل قوله في عجز البيت: (وينمو الزرع في ترب الجفاف).
ويختم الشاعر قصيدته بقوله:
هي الأوطان عشقي وانشغالي وفي روضاتها يحلو طوافي
هي الأوطان قرة عين عيني وان القدس تسكن في الشغافِ
وهذه خاتمة رائعة للقصيدة ما بعدها خاتمة.
وختاما، مع كلّ ما ذكرت من هنات وهفوات فإنّ قصيدة (إلى عينيك يا قدس) تبقى دُرَّةَ الديوانِ.