رواية (شرفة العار) لإبراهيم نصرالله
موسى أبو دويح
كتب إبراهيم نصرالله روايته (شرفة العار)، والتي صدرت طبعتها الأولى عن منشورات الاختلاف في الجزائر العاصمة، والدار العربية للعلوم ناشرون/بيروت/لبنان سنة 2010م في 240 صفحة. ولوحة وجه الغلاف تفصيل من لوحة للفنان غسان السباعي، وعلى ظهر الغلاف تعليق رائع بقلم الأستاذ محمود شقير من القدس.
الرواية مقسمة إلى أربعة عناوين رئيسة هي:
1. ما كان علي أن أتوقف أبدا عن الرقص(14).
2. خط أحمر رفيع(6).
3. الراية السوداء(14).
4. الليل الطويل(17).
وكلّ عنوان من العناوين الأربعة مقسّم إلى أرقام متسلسلة هي بالتّرتيب 17،14،6،14.
تبدأ الرواية بتقرير للأمم المتحدة عام 2009م عن أعداد ضحايا (جرائم الشرف) في الأردن ومصر والعراق ولبنان. وتنتهي برسالة وداع من الضحية (منار) بخّط يدها إلى والدها وأمّها وأخويها والعائلة جميعا، وهي رسالة تعصر القلوبَ ألمّا وحزّنا.
اختار الكاتب إبراهيم نصرالله لروايته اسم (شرفة العار).
والشُّرْفةُ: أَعلى الشيء. والشَّرَفُ: كالشُّرْفةِ، والجمع أَشْرافٌ؛ قال الأَخطل:
وقد أَكل الكِيرانُ أَشْرافَها العُلا أُبْقِيَتِ الأَلْواحُ والعَصَبُ السُّمْرُ
ابن بزرج: قالوا: لك الشُّرْفةُ في فُؤَادي على الناس. والشَّرَفُ كل نَشْزٍ من الأَرض قد أَشْرَفَ على ما حوله.
والشرفة: ما يوضع على أعالي القصور والمدن والجمع شرف وشرفات. مثل غرفة غرف وغرفات. ومثل حجرة حجر وحجرات.
وشرّفَ الحائِطَ جعلَ له شرفة". انظر لسان العرب مادة (شرف).
ولإبراهيم ثلاث شرف أو شرفات هي: شرفة الهذيان سنة 2005م، وشرفة رجل الثلج سنة 2009م، وشرفة العار سنة 2010م. وكأني بإبراهيم قد أشرف (أطل من علٍ) على الهذيان وعلى رجل الثلج وعلى العار، فكتب فيها وأجاد، لأنه أشرف على المواضيع من نَشزٍ أو مرتفعٍ أو من علٍ، فأبصر الموضوع كاملا، وأحاط بكل دقائقه وتفاصيله، فكانت شرفه الثلاث في مكان الشرف من عالم الرواية.
دافع إبراهيم في (شرفة العار) عن المرأة أيّما دفاع، وذلك ببيان الظلم والعذاب المنصّب عليها من الأهل والأقارب والجيران، حيث يشرف كل من مكانه ليرى الجريمة التي فعلتها المرأة، ويأخذ بإذاعتها وإشاعتها بين الناس مع كثير من الزيادات والإضافات والبهارات الكلامية.
ومع أنّ الإسلام جاء ليقضي على كثير من عادات الجاهلية الظالمة، إلا أنّ جريمة قتل المرأة فيما يسمّونه:(القتل دفاعا عن الشرف أو شرف العائلة) بقيت راسخةً في نفوس العرب. ولم يستطع العرب المسلمون التخلّص منها، فبقيت هذه العادة استمرارا لعادة وأد البنات حيّات في الجاهلية خوف العار أو الفقر. ولم ينجُ من هذه العادة إلا من رحم الله، مع كثير من الخوف والاستحياء اللذين يضطران أهل المرأة المنكوبة إلى مغادرة ديارهم إلى ديار لا يعرفهم فيها أحد.
تناول إبراهيم هذه القضية بلغةٍ سهلةٍ واضحةٍ وبأسلوب سَلِس أخّاذ، يستحوذ على كلّ قارئ، ويجبره على متابعة قراءة الرواية ليعلم النهاية. بل يزرع إبراهيم الأمل في ذهن القارئ بايجاد حلٍّ ترتاح له النّفس، وذلك بأن تسافر بطلة الرواية بعد خروجها من السّجن إلى الخليج العربيّ، للعيش عند أخيها هناك بعيدا عن مكان الجريمة. إلا أن عمّها (سالم) يدبّر مكيدة لإعادة (منار) وهي في طريقها إلى المطار في الأردن إلى بيتها في عمان لوداع أمّها. وكان قد أوغر صدر أخيها (أمين) لقتلها حال وصولها إلى البيت، حيث صاح به عمّه (سالم): (هي لك).
"امتلأت الشبابيك والشّرفات بمئات الظِّلال المطلّة على الشارع، وحبس الصّمتُ أنفاس الجميع، ورأى أمين العيون كلّها تحدّق فيه، فيه هو بالذّات. عندها تراجع خطوتين وأطلق النار، وللحظة، أحسّ بأنّه لم يصبها، فهي لم تسقط، وأطلق النار ثانية وثالثة، فلم تسقط، فاندفع ووضع المسدّس على جبينها، أغمض عينيه وأطلق النار، وحين سمع ارتطام جسدها بالأرض أشرعهما من جديد.
نظر حوله فلم يجد هناك سوى الصّمت. الظّلال تحوّلت إلى تماثيل، والعيون المحدقة فيه إلى بحيرات من جليد، أما صرخات أمّه فقد كانت تذرع الفضاء كطيور بلا أجنحة". (صفحة 233).
لاحظوا قول السّارد عن أخيها (أمين)، حين وضع المسدس على جبينها:
"أغمض عينيه وأطلق النار" أي أنه لم يستطع أن ينظر في وجه أخته المظلوم المتحدّي، وهذا يعني أنه معبّأ ومشحون ليرفع العار الذي لحق بالعائلة، مع أنّه هو السبب الوحيد في حصول هذه المصيبة التي يسمّيها (عارا). فأي ظلم هذا ؟!! المتسبّب بالعار يَقتُلُ من لا ذنب له، لأنّه في (مفاهيمهم) لا يُستردُّ شرف العائلة المهدور إلا بقتل المرأة علانية، وإشهار ذلك بين النّاس، ولو كانت مكرهة ومغتصبة ولا حول لها ولا طول، كما هي الحال مع بطلة هذه الرواية (منار). أما المغتصب للمرأة فغالبا لا يمسّ بأذى؛ لأنه في (عرف الأعراب) رجل، والرجل عِرضه مُصان. وان كان الإسلام قد سوّى بين المرأة والرجل في ذلك، فالرجل زانٍ والمرأة زانية.
قد يظنّ ظانّ أنّ قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "من قُتِل دون عِرضه فهو شهيد" هو الذي يجعل كثيراً من الناس يقتلون النّساء بحجة الدّفاع عن الشّرف. والصحيح: إنّ قول الرسول عليه السلام لا يعني سوى الدّفاع عن العرض، وقَتلِ من يعتدي على العِرض، وقَتلِ من تدنِّس عِرضها برضاها. وأن الرجل يجب أن يدافع عن عِرضه ويصونه (لأنّ المرأة في الإسلام أمّ وربّة بيت وعِرض يجب أن يُصان) ولو أدّى ذلك إلى أن يَقتُل أو يُقتَل, فإن قَتَلَ فدمُ القتيل المعتدي على العرض هَدرٌ، وان قُتِلَ فهو شهيد.
رواية (شرفة العار) لابراهيم نصرالله، روايةٌ تستحق القراءة والتدبّر، والنشر في المجتمعات العربية، وعلى الاخصّ تلك التي تكثر فيها (جرائم الشرف)، علّها تغيّر كثيراً من المفاهيم المغلوطة الظالمة وتجعل أهل المجتمعات العربية من الذين يفقهون ويعقلون.