الشاعر منير مزيد وحضارة المعنى
منير مزيد / رومانيا
عبد الله أبو العباس
الشاعر منير مزيد: شرق من ذاكرة الشعر و لغة تهاجر في مطلق اللحظة و القصيد
قراءة جمالية و ترسّم خطيّ بريشة النحات عبدا لله أبو العباس – تونس
أغلبنا جرّب الشعر ذات حزن أو فرح واستوثق فيه معنى التجريب و خَبر و لو إلى حين طُعوم اللّذة الخالدة و الانتشاء الأزلي. الشعر تجربة لغوية مع المعنى و تواصل زمني متجدد مع كل قراءة موضوعها اللحظة الماضية.هو إطلالة الترّسم بمعنى الأثر و احتفال الكلمة بذاتها ,في الشعر تكون الكلمة منشأ التأثير و التأثُر وقتما يقتنصها الشاعر و حين يكون العقل فيها أبعد ما بين الكلام و الصمت. هذه الارتحالات فارقت بين التجارب النقدية التي حاولت تقديم حدّ اصطلاحي للشعر لأنها أرفقت الإطلالة مدخلا وحيدا هو اللغة متناسية بذلك أن القصيد اتساق جمالي يتّسع باتساع اللسان و الخبرة الحسّية للمعاش و كذلك المناهل الثقافية.
الشاعر حين يتكلّم لغة غير لغته الأم فانه يطور قدرة تطويع الكلمة في خلق صورة فريدة الانزياح و الإيحاء و التخييل و تتعاظم هذه الصفة لتنشأ طبيعة جديدة أسميتها: "التصميم الإيحائي للمشهد أو الغرض" تماما كالرّسام أو المهندس. لذلك فان أي تحديد منهجي مسبق يتغاضى عن هذه القضايا يجعل القراءة مجرد رجع صدى بائس لمدونة نقدية أشدّ بؤسا و تحنيطا. لأن المنهج يقين مسلّم بالعقل و العقل لا يعقل إلا ما خبر و عاش لانّ منطقه منطق كمي يسحب بالقياس و المحمولات حكمه على الظواهر أيا كانت طبيعتها , و إذا ما اختلت مقولاته و أولياته حلّ الزلل و استحال الوثوق. و هذا لا يتوافق مع منطق الشعر لأنه شبه الرسم إن لم يكن هو ذاته يخاطب العقل و لكنه لا يمتثل إليه و يروي أمثاله و عبره و هو العصيّ المتمنّع عن الحدود و لنا أن نستحضر حكميات المتنبي و المعري و غيرهم ممن قالوا في الحكمة و انتصروا للمثل في ما نظموا من قريض.
هذه المقالة و إن كنت قد افتتحتها بحديث عن الشعر و بعض من خصائصه فإنها إطلالة مفتوحة على بعض من تجارب الشاعر منير مزيد مع اللحظة الشعرية لحظة تشكلّ الصورة هي أشبه ما يكون بعبور انفرادي لفهم الصورة . و السبل المتنوعة التي توحّد بينها ظاهرة تواصلية في الشعر يمكن أن أسميها: الأشكال الحسيّة المترجمة للعليّة الأولى :لحظة قنص " البيت القادح "للقصيد. لقد حاولت أن أقدمها عبر مراوحة تجمع بين اللغة و القــــراءة و الرسم لكأًنَّ ما تمنَّعَ عن اللّغة نهض المداد به و استـــــــوى في الخطوط و اللمــسات و ذلك باقتناع ما, أساسه أنّ اللفاظم و المفردات تتماهى مع كينونة الصـــورة و عليتها الأولى بالنسبة إليّ كنحات مختص يرى أن الصورة هي الأثر و موطن التقاء المنظور مع الأشياء.
إنّ معايشة الصورة المتشكّلة هي آنُ خاص و ذاتي تتكامل فيه وسائط هذه المعايشة الإبداعية فالأنامل حين تمرّر مداد الرسم هي نفسها الشفاه أو الفم حين ينطق كلماته أو الأذن وهي تتسمّع دلائل أصوات و هذا ما سأحاول شرحه و تفصيله عبر:
علاقة ( القصيد / الرسم) بما هي صورة من ذاكرة التكوين و التشكّل. ثمّ تقديم شذرات من حكايا هذه الذاكرة حكايا اللحظة الاحتفالية في بعض من شعر منير مزيد و الترجمة الإبداعية للمجرد تخللت هذه الحكايا مشاهد مرسومة أو بأكثر تحديد رسومات أنجزتها إثر قراءتي و اطلاعي على أعمال الشاعر التي وجهتني إلى صور ما في الذهن و ربطت بين مثيراتها حتى انتهت إلى لوحات و قد اخترت عمدا تقنية الحبر و الريشة لشعور و اقتناع خاصين ذاتيين أساسهما أن الخط" يذكرني بأصغر وحدة دالة غير دلالة اللغة و كلما مُشقَ مع مثيله أو تجاور معه تشكّلت الكلمة أو الصورة و هو مترجم أمين لانفعالات الجسم عبر حركة اليد وهو يجسّد الحركة السريعة/ الارتعاش/ الشدة/ الانسياب/ /الصلابة/ التواصل /التقطع الخ... و لم اتبع في هذه العملية منهجا مسبقا بل سافرت مثل سفر القصيد كل ما استطيع قوله أنني كنت أقرأ الشعر و أدوّن بعض المقاطع أو الكلمات و الخربشات في دفتر و منها كانت الرسوم و أفردتها في قسم حكايا المداد.
1- القصيد/ الرسم: ترَ سّمُ لصورة من الذاكــــــــرة و استعادة لزمن النظم و التشكيل.
يجب التفريق بادئ ذي بدء بين الرسم بما هو نشاط عملي مرئي على حامل ما و في فضاء ثنائي الأبعاد( الورقة القماشة الخشب....) و بين الرسم بما هو ترسّم /طلل أو أثر كما شرح ذلك ابن منظور في معجمه لسان العرب. تلتقي القصيدة مع الرسم المترسم في صفة الأثر كلاهما أثر لحالة , هذه الحالة التي ظلّت طوال تاريخ النقد حبيسة المنظور اللّساني أو البلاغي و ما ترسّخ في الكتابات النقدية نتيجة الاقتصار على كون القصيدة" فضاء اندماج كلّي" للوحدات أو مثالا للقول المكتمل. فالبلاغة تعتبر الشعر قمة الإبداع اللغوي و اللســــان يعدّ القصيدة الفضاء الشامل للوحدات اللـسانية و العلامات الدالة كتابيا. القصـيدة الرسم هي عطاء لا يحتمل القصدية و نتقبلها لأجل اختبار علامات أو سمات تواصلية إنها ما بقي من القراءة أو اللحظة الإبداعية للمؤلف(الشاعر) و الدليل أنه يمكن أن نقرأ دواوين عدة دون أن نصادف قصيدتنا الرسم أو حتى نقترب منها إنها صميم الحواس من الذاكرة هي ليست قصة أو رواية كي تعاد أو ظاهرة لتفهم و تفسر ,إنها حالة تعاش و يتلذذ بها و تحتفل فيها الحواس. إنها انتقال من رغبة ما كنّا نعيشها لتتطابق مع لحظة من لحظات الشاعر الخاصة و اختزال للاختـــلاف و غياب للذات الأخرى هي توافق الإنسان دون أنت أو أنا تماسك ادم المطلق. يقول منير مزيد:
"من زهرة في الخــيال
تتدفق القصيدة رحيقا صافيا
حين تــلامسها
شفاه فراشة الجنـون"
ترد القصيدة معبرة و في مشهد مؤتلف من عالم غير الواقع و إن كانت مكوناته من الواقع الذي نعرف.لتنتهي بنا إلى بداية حياة أو إلى اللحظة الشعرية. القصيدة في قدومها تاريخ من حاضر هرب و ذاكرة قابلة للتجدّد مع كل قراءة نعني أن الشعر هو ما تركته اللقاءات للغة و أعادته الكلمات هو صدى للروح القادمة من عالم الروح الذي غادرته إثر القطاف الأول و استعاضت بالثمرة رحيق النماء و الأزلية.
الرحيق هنا هو كناية عن عوالم الجنان و قوت آدم قبل نزول الخطيئة لقد استطاع منير مزيد أن يقدمّ للقارئ شهد المعنى و الصورة حين ربط بين شفاه الفراشة و القصيدة.
نحن نعلم أن الفراشة شرنقة تحولت وجعلت من نهاية سباتها العميق نهاية لزمن متشابه و فضاء عديم الضياء و الأنوار اختار لها من الصفات الجنـــــون هذا الحب الأقصى و الركوب الأزلي للأنا دون سواها و الالتحام مع عشـــق جاوز الموصــوف و التعريفات و خرج عما جرت به الألســـن و الأخبار واصطلاحات الآخر انه يقارب بين بوابة البوح" الشفاه" و هذا التلميح المجرد المجازي لعوالم الروح العصية عن الكلام.
تستعيد الذاكرة في هذا المقطع رغم بساطتها أخبار رابعة العدويـــــة و مجنون ليلى و شعر العذريين و تجليات ابن الفارض هذا العشق المترقرق الدافق أضحى صلب التواصل مع مفهوم الديمومة و الحياة و استعادة الخلود المفقود. يحضر الماء فيها عبر فعل الدفق و تتقاطع صوره الأخرى يوردها الشاعر و هو يكشف لنا عمق التجربة الشعرية و إلمامه بمكونات الخطاب الشعري و تشكيلات الصورة:
"حين أنظر إلى مرايا الماء
أرى الكون جـنية
تختبئ في حضن البحر"
ما معنى أن يلوح الشاعر طيفا بين الزعم و اليقين و ما قيمة أن يَخصَّ حبيبته بهذه الشذرة الجمالية.هو يحتاج إلى الفعل المتجسّد عبر التغيير و التبدل كي ينتقل إلى ثمر هو عنقود عنب, العنب ثمر الامتثال إلى التوازن و التكرار و هو احتفال حسي للأنامل تشترك فيه حاسة اللمس و البصر و الشم. العنب يذكرنا بطفولتنا و كيف كنا نقطف حمرته دون الاكتمال خلسة و نختبئ خلــــف ورقاته و كرومه و دواليه من الكبار, العنقود رمز بصري لذاكرة منير مزيد الإنســــــان و القارئ على حد السواء منير مزيد الإنسان في بعده الكوني هذه الذات المرتحلة إلى ذات كانت هناك في حيفا و عكا و بئر السبع و طول كرم وتل الزعتر... هو يسافر بنا في انحسار البحر و تحوّله إلى كائن خرافي لا تطاله الحواس و يشير إلى ذلك بأعذب الإشارات جعلت الفضاء شبيه تأملات ربطت بين النظر و الانعكاس و كذلك إطلالات العين , إنه يفصل بين المشاهــــــدة و المعاينــــــة و النظر و إن كانت الواسطة واحدة أو الفاعل : العين "المقلـــة" و يريد النفاذ إلى ما بعد الحسّ إلى الحدس و يحوّل اللحظة الخاصة إلى زمن مطلق متخيرا لذلك وقتا مفتوحا و مكانا أكثر رحابة من شرائـط الكمّ و المقادير الهندسية حين يقول: "حضن البحر."
هذه الصورة التي تحفّز الحاسة و تربكها حين تقترن مع الجنية فالشاعر على اختصاره و اختزاله لكلمات وفّق في تقديم البحر ككائن خرافي يضم بين راحتيه أعجوبة و التي عادة ما يفصل بيننا و بينها حجاب الجن
لقد صار من مصاف أصحاب التجلي و المقامات.و خبر نسغ الحياة من الميــــاه و على المياه هذا الغور الذي اختزال فعل الخلق كما تشير إلى ذلك الأساطير الأولى, الشاعر ينهل من هذا النبع و يثبت عمق ثقافته و اطلاعه إنه يسافر بك إلى "أبسو" آلهة المياه و" أفروديت" و هي تخرج من رحم الزبد كل ذلك يقدمه من خلال العين إنه ينفذ من البصر إلى البصيرة و من الرؤية إلى الرؤيا.
أمام هذا العمق و التيقظ التشكيلي في انتقاء العبارات و اختزال مشاهد المنظر تتحول القصيدة إلى مدارات لرحلة شبه السندباد أو أحلام الذات و هي تحكي سيرتها نحو أرحب الأمكنة و الآفاق الحالمة بصور بكر لم تتشكل بعد كما هي الحال في هذا المقطع:
"طائــر ما
يهبط في حلــمي
يحوله إلى عش من ورد
لأنثــاه"
يفصح هذا المقطع عن اشتغال عميق وطلب حثيث لصورة تختزل متانة حرفية لا تدع الشك في خيار الشاعر الصائب و تنخّله لألفاظ بديعة التأثير ليقارب بين مفاهيم تستوجب دراية لا حد لها بضروب القول الشعري و التخييلي.
فالطائر المطلق الخالي من الصفات إلا الفعل ينتهي بنا إلى فضاء يخرج عن منطق المساحة و الأبعاد إنه الرغبة البعيدة و الحرية و التحدي الأول للجاذبية أي قدر الأشياء و الجمادات التي تظل حبيسة أديم الأرض و الاستكانة إلى التراب الطائر يفرد جناحا تلو الآخر و يطير ليعلو إلى أعالي الربى و يجاور بفعله مزنة الأفق البعيد يهاجر ثم يعود كالمعنى أو العائدين بأحلامهم إلى الوطن المسيّج.
الهبوط هنا هو فعل لحدث خارج المشهد أو الحقل البصري و يتحول كتحول الحلم إلى أنثى الورد .إن هذا التحول يجعل القصيدة شيئا من دُرر الشعر لا تتعرف إلا بما تحتويه تتكلم عن نفسها و تستدل على معانيها و محاسنها وتتابع المعاني و الشاعرية
كما يقول:
"أسير على طريق حلم صار ظلي
حاملا شعلة الشعر الأبديـــة
و ما أن أنجو من حـــزن
أغرق في حزن أكثر افتراســا"
هذا الحزن هو حزن يبدل النجاة غرقا و يلامس أسطورة سيزيف و كلكامش هو يصطدم في واقعة متجددة الشقاء و العناء و المكابدة ما أن يتخلص من وجع حتى يسّاقط آخر كأن القدر يمطره عذابا و ألما جاوز الاحتمال و هو يشدّ الرحال إلى ضوء الحقيقة و الضياء
"الحقيقـــة
شمس ساطعــة
لا تحرق إلا جلود الخفافيش"
الشاعر يستثني كائنات الظلام و يجعلهم جمر حقيقته و هم من تكوي الشمس جلودهم. و هنا يوفق الشاعر في اختزال صورة بليغة و ابتكار أفق رمزي على قدر كبير من التأثير.
نحن نعرف أن الخفافيش جمع طائر يشير إلى كل من ألف الظلام و جاء الدنيا دون صورة أو نظر ليظل ملازما الاختفاء و صديقا لليل و الدهاليز و الأوكار القصية. الخفاش ينط و يطير عند وقع أول زائر و الخفافيش لا ترهبها أو تفزعها إلا الأصوات و جلودها تقوم مقام الأبصار و السمع نقطة التقائها مع الآخر أوليس الخفاش كناية عن الوشاة الذين يسترقون السمع و عن كل وكر مظلم يفزعه دوي القادم من جديد الأفكار؟
لقد نجح منير مزيد في ملامسة نبع انسياب من إنسانية كونية تتجاوز التاريخ و الجغرافيا و تجعلنا نتماهى مع حقيقة اللغة فكيف هي اللغة في تجربة منير مزيد ’ و ما هو تصوره لهذه الأداة التواصلية مع المعاش اليومي و الأشياء مثلما يظهر ذلك هذا المقطع:
"أشياء كثيرة غطاها غبـــار النسيان
ولم يبق مني إلا هــذا النزوع
نحو الحفر في اللـغة
أبحث عن قصيدة حب أرجوانية مزيدية"
ينتبه المتقبل هنا في هذا المقطع إلى صورة دقيقة و فريدة تتمثل في عملية الحفر في اللغة ,و الحفر فعل المعاول و السواعد يرتبط بتراكم التراب كنتيجة لزمن تراكمي و عصور, هو بحث العارف و طلب لاكتمال صورة منقوصة أو تصور ما, فعالم الآثار يحفر ليستكمل بما يجده من وثائق و هياكل و بنى أطروحته و ما حصل لديه من صور
الشاعر مثله يتحول إلى فاعل في اللغة هذا الفضاء المتراكم يشتغل على قديمه قبل جديده و على ما ترسخ لدينا و ألفناه و ذلك بهدف الوصول إلى قصيدة مطلقة مستعصية كالأرجوان و هنا نشير إلى مدى استفادة الشاعر من الترجمة و السفر بين اللغات إن الشاعر في حفره اللغوي يفطن إلى معاناة الكتابة الجديدة في الترجمة لأن المترجم يقابل بين الألسن و نحوها و عليه أن يتجاوز النقل الحرفي لينفذ إلى المعنى و الاصطلاح و أن لا ينساق وراء لغة الوصول و ينسى النص الأم و هنا نفهم المثل الايطالي كل ترجمة خيانة و أي خيانة؟ و كيف يمكن أن نحسّ بوجودها و ما مدى تجديد منير مزيد في كتاباته و نقصد الصورة الشعرية كيف جعل القارئ يعيش هذه الرهبة من الوقوع في هموم المترجم للأشياء و الحس؟
يجب أن نفهم معنى الخيانة التي تبدو مجاز ا فلا خائن و لا سواه و كل ما في الأمر, أن الخيانة هي ذلك النقص الذي يفقده النص أو الإضافة التي يزيدها المترجم. يمكن أن أشبه ذلك بالقهوة الفلسطينية الساخنة التي بدل أن تقدم للضيف تمرر عبر كؤوس فارغة عديدة و تنتقل فيها إلى أن تصله بعد أن تفقد حرارتها و عبقها و طعمها نتيجة الانتقال.
على الشاعر أن يعي هذه العلاقة بين اللغة و الصورة و عليه أن يكون مختزلا لا يطنب في التداعي أو يختصر المفردات تماما كالزيتون و هنا استحضر مثالا من ذاكرتي الريفية و طفولتي حين كنت أتعلم عشق الزيتون و محاورته مع جدي, أتذكره و هو يقول : لكي يعيش الزيتون و تقوى الشجرة عليك بقطع خمسةويقصد أغصانها وهي ( ابن الدائمة/ الحاك/ المسوّس/المكسور/المزاحم/ العقيم) فابن الدائمة هو العود الذي يكون من جهة الريح التي تهب طوال فترا ت السنة يقطع حتى لا تميل الشجرة و الذي يحك يشعل النار في الصيف و يسقط زهر الحب, و المسوس الذي ينقر فيه السوس و هو الفناء قد يتعدى الشجرة إلى كامل الحقل أما العقيم المزاحم فهو للسوالف في النسغ قطعه خير من إبقائه. اللغة إذن مرادفة للزيتــون و كالزيتونة ما تقاطع و قدم أو تشابه غيب المعنى و حياة الكلام و بالتالي صار ممجوجا غير مستحب و المزاحم هو المتجرد من الحس و الإثارة.
إن منير مزيد وفق في أن يجعلنا مثله نحفر في ذاكرتنا و أمكنتنا الطفولية و نعود إلى طبيعة حسية و صفاء من شهد المعنى و المعرفة إنه أنا و أنــــــت و كل ذات تخطت بوتقة الخاص نحو كونية مفتوحة تتجــــــــــاوز حدود اللغة و العــِرق و المسميات. إنه حضارة المعنى يرتحل دون هدأة في تاريخ اللحظة الشعرية و يتماهى مع صوره عله يستعيد شيئا من أزلية الرغبة المتجددة رغبة الوجود و الحياة.
2-التَرَسُّمُ و حكايا المداد : قسم اللوحات
هذه صور من الرسومات التي أنجزتها في المدة الزمنية التي كنـت أقرأ و أكتب ملاحظاتي
و قراءتي لأشعار منير مزيد و هي محاولة لخلق نص بصري مواز للنص الشعري هي ليست ترجمة أو نقل يقوم على المحاكاة كما ينتظر البعض أو يتصور فمثلا حين تجد في القصيد عنقود عنب أو فراشة لست مجبرا على رسم ما ذكر و لكن كنت أرسم بشاعرية عميقة و أسير في ذات العوالم عوالم الصورة و التخييل و ذلك لاقتناع تام بان لكل نص منطقه الخاص و آلياته الدلالية هذا لا يعني عدم التقاطع و الالتقاء و إنما أذكر ذلك وعيا بمقولة الاختلاف و التقارب بين الحواس .
هي رسومات متفرقة كل لوحة تحكي حكاية لحظة و انسجام مع الشعر و تؤرخ إلى قراءة بصرية للصورة المجردة الصورة الشعرية, هي اقتراب من الشعر الآخر ذلك الشعر الذي تتداخل فيه الحواس و تتقاطع فتشارك العين في مشاهدها أصوات الأذن و طعوم اللسان و عبق الأشياء و دبيب تنمّلها. بقي أن أشير إلى اختيار الأسود و الأبيض و خيار الريشة, و سبب اعتماده في هذه الحكايا يعود ذلك إلى سرعة المداد و الخربشة و أن الريشة تشترك مع الكتابة في الخط و النقطة هذا العنصر التشكيلي المهم والذي يُكوّن ُمشقَ حروف الكتابة و الخط و كذلك الأشكال المكونة للصور و المنظور و قد تعمّدت إقصاء الألوان لأنها عنصر تكويني يمكن أن يشتت انتباه المتقبل و إقصاؤها ناتجُ عن سببِِ تكويني أساسه الاختزال لا غير. و سأحاول اعتمادها في مراحل أخرى متقدمة من مشروعي الجمالي قصائد بصرية./.
الحكاية الأولى: قمر و شمس الحقيقة
الحكاية الثانية: دفق من رحيق القصيدة
الحكاية الثالثة: وجه من وطن يرافق الأنا
الحكاية الرابعة: جنب مرايا النرجس
الحكاية الخامسة: أفق الخيال
الحكاية السادسة: بشائر الكهرمان
الحكاية السابعة: ذاكرة اليمام
الحكاية الثامنة: لغتي و أزمنة الأنا
الحكاية التاسعة: نافذة مثل الروح