دراسة نقدية ووجهة نظر تتمة

دراسة نقدية ووجهة نظر تتمة

عامر حسين زرده

ولقد ذكرتك والرماح نواهل

مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها

لمعت كبارق ثغرك المتبسم 

للشاعر الجاهلي عنترة ابن شداد

قصيدتي المعارضة لشاعرنا الكبير تختلف اختلافا كثيرا من حيث المعنى ومن حيث الفكرة فقلت

إني ذكرتك والخيول صهيلها يعلو

وسيف الهند ضرج بالدم

وسنابك الدهم المغيرة وقعها

في الساح يقذف بالعجاج الأقتم

والعاديات من الدماء استأسدت

والموريات لها شرار الصلدم

والصائبات من النبال نحورهم

والثاقبات مجنهم فالحيزم

شقت غبار طريقها بأزيزها

وغدت كبرق في البهيم المظلم

البرق ذكرني بثغرك باسما

والخد بالسيف الأسيل الأنعم

فهممت في لثم الحسام تشابها

مابين سيفي والخدود العندم

وبداية أرى من غير المناسب للشاعر الفارس الشجاع الذي يهابه الفرسان الأشاوس أن يُظهر نفسه في قمة ضعفه فالرماح نواهل منه ، تشرب من دمه، والسيوف الهندية أخذت منه كل مأخذ ، وهي تشرب من دمه .

والأولى به أن يتذكر محبوبته ويشتاق لها بعد شقه صفوف أعدائه وبعد مانال منهم كل مناله ومزقهم كما يمزق الباشق فريسته وهي الصورة الأولى لطالما كان أهلا لها وهوالفارس المقدام ، فقلت

 إني ذكرتك والخيول صهيلها 

 يعلو وسيف الهند ضرج بالدم

فالخيل من أهم مايذكر في المعارك وهي الكريمة عند

العربي ودليل الفروسية وهو يرعاها ويفتخر بها ولاأجمل من قول أبي الطيب المتنبي :

الخيل والليل والبيداء تعرفني 

والسيف والرمح والقرطاس والقلم

أما صهيلها يعلو باستخدام الفعل المضارع   يعلو   فهي صورة حية عن أصوات الخيول وماأرهبها في ساح المعركة قال تعالى(وأعدو لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)

أما لماذا ابتدأت قصيدتي  بإني ذكرتك فللتأكيد .

حيث أن حرف التأكيد إن  قد أدخلته على جملة اسمية تبتدئ بياء الضمير إني أما قصيدة عنترة فالتأكيد في قد الداخلة على جملة فعلية والجملة الإسمية أقوى بالدلالة  من الجملة الفعلية. وسيف الهند ضرج بالدم  أي سيفي الهندي (مفردا)  مفتخراًبه  الذي في يدي ضرج بدم  أعدائي وهي صورة مغايرة لما قال شاعرنا فهو أعزل لم يشر أبداً إلى سلاحه ولا إلى دفاعه وذوده عن نفسه

وسنابك الدهم المغيرة وقعها

في الساح يقذف بالعجاج الأقتم

وهنا أشيرإلى أن حوافر الخيل السوداء المغيرة قد أثارت الغبار الكثيف حتى أضحى من كثافته وكثرته قاتم السواد وهذه صورة نابضة من صور المعارك

واستخدام الفعل المضارع يقذف دال على ديمومة الحركة ويقذف تدل على قوة حافر الخيل وسرعته

  والعاديات من الدماء استأسدت

والموريات لها شرار الصلدم

والعاديات : أي الخيول التي تكثر العدو . من الدماء استأسدت وهنا كناية عن الفوارس الذين استأسدوا من منظر الدماء المراقة  والموريات: أي الخيول التي تتوارى خلف العدو.  لها شرار الصلدم  أعني لقد تطاير الشرار من أرجل الخيل القوية الصلبة وهي اشارة مقصودة إلى أن العاديات تثير الغبار من سرعتها في السهول الترابية أما  الموريات فهي تدل على أن الخيول المتراجعةأوالكرارة والملتفة تسلك طريقا وعريا وصخريا لقصره ذلك لتعيد الكرة فالحرب كر وفر والأرض وعرية وسهلة . أما العاديات والموريات فهما من صفات الخيل وردت كماهو معلوم في القرآن الكريم في سورة العاديات بقوله جل وعلا (والعادياتِ ضبحا   فالموريات ِقدحا)

 والصائبات من النبال نحورهم

والثاقبات مجنهم فالحيزم

 وهذا يدل على مهارة رماة النبال ودقتهم في إصابة أهدافهم كيف لا والإصابة في مكان النحر أي الرقبة.

والثاقبات مجنهم فالحيزم وهنا صورة تدل على آلة أخرى وأداة ثالثة من أدوات المعركة وهي الرمح الطويل القوي الذي اخترق بسرعته التي ترد إلى قوة ساعد راميه اخترق ترس ومجن العدو ووصل إلى صدره. والفاء في  فالحيزم  تفيد التتابع دون توقف

شقت غبار طريقها بأزيزها

وغدت كبرق في البهيم المظلم

 أما شقت غبار طريقها بأزيزها فالمقصود هنا العاديات المسرعات من الخيول وكذلك النبال والرماح فهي جميعا تتجه نحو أهدافها كالرصاص وهذه صورة تعبر عن السرعة الفائقة . (والأزيز صوت الرصاص وصوت المرجل وصوت الطائرة وصوت الرياح )

والخيل لها من البرق سرعته وعنفوانه .

والرماح والنبال لها من البرق السرعة واللمعان أما الضدية في الصفات فهاهي تظهرفي أحلى صورها الفاتنة الرائعة بين البرق من جهة والبهيم المظلم وكلما احلولك الظلام تبدى البرق بصورته الأخاذة وهنا المدخل لأن أتذكر ثغر المحبوبة الباسم اللألاء المنير

 البرق ذكرني بثغرك باسما

والسيف بالخد الأسيل الأنعم

وليس متبسما فهو الباسم على الدوام وليست صفة مؤقتة وهنا الجمالية .

والفرق بين أن يذكره لمعان سيوف أعدائه المخضبة بدمه وأن يذكرني البرق كبير، وشتان شتان بين لمعان البرق ولمعان السيف الذي اكتسى وشاحا من دمه

والسيف بالخد الأسيل الأنعم

أي إن السيف ذكرني بخد المحبوب الطويل الفائق النعومة  واختياري لكلمة الأسيل لقصد إظهار صفتين جميلتين لخد المحبوب الأملس والطويل وكلمة الأنعم على وزن أفعل صيغة مبالغة في النعومة

فهممت في لثم الحسام تشابها

مابين سيفي والخدود العندم

وهنا استغنيت عن كلمة فوددت بكلمة فهممت لأن كلمة وددت تعني تمنيت والله يقول (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم بعد إيمانكم كفارا)  أي تمنى

أما كلمة فهممت فهي تدل على فعل ٍتجاوز التمني  وحركهُ هذا الفعل ليفعل أي كدت أفعل .قال تعالى على لسان سيدنا يوسف عليه السلام  (فهمت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ).

فهممت في لثم الحسام تشابها

أي كدت أن أقبل الحسام وذلك لعدم تمييزي مابين الحسام المخضب بالدم وخد المحبوب العندمي الأحمر  وكما ذكر الله بني اسرائيل في سورة البقرة بقوله: (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ماهي إن البقر تشابه علينا)  أما خد المحبوب  الذي شابه العندم بلونه الأحمر فله صفة ثالثة فخده كحسامي وهنا استعملت الاسم الثاني للسيف وحتى أبتعد عن التكرار فالسيف والحسام  أما الخيل فالدال عليها  العاديات الموريات وسنابك الدهم  وسيفي هنا   طويل  ناعم  عندمي وهذه الصورة هي أكثر تأثيرا ًوواقعية من تقبيله لثغر محبوبته لأن سيوف أعدائه الهندية لمعت كبارق ثغرها كناية عن أسنانها البراقة إضافة إلى السيف المخضب بدم الأعداء  والذي شابه العندم وإذا كان لمعان سيوف أعدائه قد ذكره بأسنان محبوبته وثغرها البراق فقد ذكرني سيفي المخضب بدم أعدائي والطويل والناعم بخد المحبوبة إذن ميزة واحدة ذكرته بثغر محبوبته وهي لمعان السيوف وثلاث ميزات ذكرتني بخد محبوبي وأيهما أغزل ،بياض الأسنان أم (حمرة الخد الطويل الناعم )؟

ولماذا يظهر الشاعر الفارس المغوار ضعفه ويبالغ فيه وكأنه في معركته لم يفعل شيئا ولماذا يمتدح سيوف أعدائه بأنها هندية براقة ولماذا يتمنى تقبيل سيوف أعدائه وهل يعقل أن يتمنى تقبيل تلك السيوف لأنها لمعت كبارق ثغر المحبوبة ، وكيف نصدق أنها لمعت وهو ينفي عنها هذه الصفة عندما قال وبيض الهند تقطر من دمي أي أنها مضرجة بالدماء  أهي مضرجة بالدماء وتلمع وكيف نستطيع قبول أنه يتمنى تقبيل سيوف أعدائه التي أخذت منه كل مأخذ وهي تقطر من دمه

ولماذا لم يتمن تقبيل الرماح التي تنهل من دمه أسوة بالسيوف ألأن السيوف هندية ولماذا لم يمتدح الرماح  التي تنهل من دمه  ؟

سأترك الرد على هذه التساؤلات والاستفسارات للناقد الذواق والقارئ المثقف ونقدي وكتابتي يعبران عن رأيي  ووجهة نظري بكل تواضع واعتراف ببلاغة الشاعر وفصاحته.