كتاب "شيخ المضيرة أبو هريرة"

كتابات ساقطة

كتاب "شيخ المضيرة أبو هريرة"

لمحمود أبي رية

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

كان من الطبيعي  أن تتكامل  المنظومة المنكودة بعد الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالإساءة إلى أصحابه وتجريحهم ، فشحذت أقلام سوداء  للتشكيك فى نقائهم   وعلمهم  ومصداقيتهم ، وكتب المستشرقين غاصة بهذا اللون الخسيس الذي يغذيه الحقد ، والتعصب ، والجهل ، أو التجاهل ، والعمى ، أو التعامي.

ولكن الأكثر إيلاما أن نرى من بني جلدتنا الذين يتكلمون بلساننا ، و" يعتنقون " ديننا من هبط إلى هذا الدرك بصورة قد تكون أكثر إسرافا وشططا . ومن هؤلاء نختار الكاتب  : محمود أبو رية  .

**********

ونبدأ بمحمود أبي ريه وكتابه المسموم عن أبي هريرة رضي الله عنه :

محمود أبو رية شيخ مصري لم يكمل تعليمه الأزهري ، وأخفق في الحصول على الثانوية الأزهرية ، بدأ نشاطه التأليفي بكتاب تافه جدا سماه ( أضواء على السنة المحمدية )  .  والكتاب مشحون بالأكاذيب  والأغاليط ، وقد احتضنه بعض الأدعياء ، ولكن الكتاب لم يحقق لأبي رية الشهرة التي ينشدها ، فأراد أن يتقدم خطوات غير مشروعة لتحقيق مزيد من الشهرة ، وقد رأى كيف سلطت الأضواء على " على عبد الرازق " – القاضي الذي كان مجهولا مغمورا – إلى أن خرج على المسلمين بكتابه الحقير الذى أنكر فيه الحاكمية في الإسلام ، وسمي كتابه (الإسلام وأصول الحكم ). ورأى كيف استقطب " طه حسين " أضواء الشهرة بكتابه عن الشعر الجاهلي الذى أنكر فيه وجود إبراهيم واسماعيل – عليهما السلام !!!

رأى " أبو رية " ذلك  فأراد أن يحقق من الشهرة أقصى درجاتها ، فكتب كتابه ( شيخ المضيرة : أبو هريرة ) . وفي الكتاب – بل كل الكتاب – طعن في الصحابي الجليل ، بل في الإسلام  ورسوله ، كما سنرى .

ولسنا في مقام الرد الشامل على هذا الكتاب ، أو الكتاب الذي أصدره قبله ، فهناك  كتب كثيرة تصدت لتفنيد كل ماجاء في الكتاب الأخير بصفة خاصة . ومن أهم هذه الكتب كتاب الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " ، وكتاب الأستاذ عبد الرحمن عبد الله الزرعي " أبو هريرة وأقلام الحاقدين ".

ولكننا في هذه العجالة سنكتفي بنقل بعض العبارات من كتاب " أبي رية "( في طبعته الثالثة ) ، لنتبين منهجه في رسم صورة مشوهة للصحابي الجليل أبي هريرة، لنرى هل كان أبو رية هذا عالما مجتهدا – كما ذهب بعضهم أو أحدهم :

عنوان الكتاب يبين ابتداء  عن سوء قصد المؤلف ؛ فالمضيرة لون من الطعام كان أبو هريرة يحبه – ولا عيب ولاحرمة في ذلك – فقد ورد عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -  أنه كان يحب من الطعام " الدباء  ولحم الطير " ، وتعاف نفسه أكل الضب ، ووصف أبي هريرة – في عنوان الكتاب – بأنه شيخ المضيرة يعطي انطباعا صارخا بأنه عاش كأشعب الطفيلي، لا همّ له إلا الطعام فتشويه شخصية الصحابي الجليل هدف واضح من عنوان الكتاب .

ومن عبارات أبي رية في الكتاب – ونحن ننقلها بالنص :

1-  " عاش ( ابو هريرة ) مجردا من القيم والمبادىء : فعندما نشب القتال بين علي ومعاوية في صفين  كان أبو هريرة يأكل على مائدة معاوية الفاخرة ، ويصلي وراء علي ، واذا احتدم القتال لزم الجبل "

**********

عجبا يا " أبا ريه " !!! وكأني بصفين التي طارت فيها آلاف الرؤوس معركة تدور في أحد البيوت ، لا في ميدان واسع الأرجاء ، مترامي الأطراف !! وكيف كان أبو هريرة يجد من الوقت ما يمكنه من مشاركة معاوية في وجباته اليومية الخمس أو السبع – كما أحصاهن أبو رية ( في كتابه ص 208 ) – ثم يستطيع أن يدرك " عليا " ليصلي وراءه خمس صلوات ؟

وهل كان علي – كرم الله وجه – يعلم بذلك أم لا ؟

وما قيمة الصلاة وراء علي ، وقد نقل أبو رية حديثا عن  أبي هريرة نصه " الأمناء ثلاثة : جبريل وأنا ومعاوية " (ص.230) . ألم يقتنع راوي الحديث بأن الصلاة وراء معاوية – وهو أحد الأمناء الثلاثة – أجدر  وأحق من  الصلاة وراء علي ، أو – على الأقل – لايقل فضلها عن الصلاة وراء على ؟؟

***

2-     " وأبو هريرة لا يصلح لخوض غمرات الحروب وحمل السيوف بل كان جبانا رعديدا " ص 72.

3-     " وهو كذاب يحلف باليمين الغموس "  (ص72)

4-  " وهو مصاب بمركب النقص ، فهو من أجل ذلك يسعي ليستكمل هذا النقص ويخلع عن نفسه إزار الخمول والضعة ، ليستبدل به لبدة الأسد "!! (ص227)

5-  " وهو مهين ، استخفه أشره ، ونم عليه  أصله وطبعه ، فخرج على حدود الأدب والوقار " !!  ( ص 241- 242) .

***

 وأبو رية الذي يقطع بكذب كل مرويات " أبي هريرة " يسلم تسليما مطلقا بما يحكي في كتب  القصص والمجالس والمسامرات إذا كانت تخدم غرضه . وعلى سبيل التمثيل يذكر أن معاوية كان يأكل كل يوم خمس أكلات ، وآخرهن أغلظهن ، ثم يقول " ياغلام : ارفع ، والله ما شبعت ، ولكن مللت " ، وأنه أكل مرة عجلا مشويا مع دشت من الخبز السميذ ، وأربع خراف ، وجديا حارا ، وآخر باردا , سوي الالوان !! ص 208 .

وهذا يعني أن معاوية كان يلتهم في الوجبه الواحدة ، أو في اليوم الواحد ، من اللحم فقط – مالا يقل عن مائة كيلو جرام ، أي ما يكفي لاشباع ثلاثمائة من البشر ، أو خمسين اسدا ( في الوجبة الواحدة ) !!  ولوصدقنا " أبا رية " لكان معاوية من أشهر أصحاب " المعجزات " والخوارق في التاريخ !   نعم فمثل ذلك أكبر من أن يكون من قبيل  الشراهة والنهم .

إن هذا الخبر الأخير – ومثله كثير – يكشف عن طبيعة  " منهج الحياد والإنصاف " الذي ادعاه أبو رية ، وكأنه لا إنصاف ولا حياد إلابتجريح الصحابة والتهجم على قيم الإسلام .

ولنعد إلى " أبي هريرة " ونسأل " العالم المجتهد " أبا رية ": أين كانت عبقرية رسول الله - صلي الله عليه وسلم – وهو الحصيف البصير القدير على سبر أغوار النفوس- حتى يقرب إليه رجلا " ممسوخ النفس والعقل والعقيدة " مثل أبي هريرة (كما صوره  أبو ريه)؟

وأعتقد أن أبا رية لو خلع على رأس النفاق عبد الله بن أبي أبن سلول , أو أبي جهل ما خلعه على أبي هريرة من صفات لكان في ذلك غلو ، وشطط ، وإسراف .

***

ولنترك ما خلعه " أبو رية " على من نقدره  من أمثال الدكتور مصطفى السباعي ، فقد سبه بقوله : "إنه عُـييْـر وحده في فن الهجاء " ص 30 ، ووصفه لمحب الدين الخطيب بأنه " ناصبي جاهلي " ص 30، 208 . بل يرى في كل شيخ أزهري " مفتقرا للنزاهه والعدل " ! ص 11.

لنترك كل  أولئك لنرى " أدبه " مع رسول الله  صلى الله عليه وسلم " !!     إنه لا يذكر اسمه مشفوعا بالصلاة والسلام عليه إلا قليلا جدا . ولكن دعك ايضا من هذا ؛ فقد يحتج للرجل  بالنسيان " أو إغفال المطبعة . لننظر إلى بعض  ماسجله في كتابه بالنص :

"... ولو أن النبي قد عهد إلى أبي هريرة وحده  أن يكون راوية الإسلام للناس كافة لكنت أول كافر به ، ولا أبالي" ص 7

والضمير في (به ) يحتمل الرجوع إلى أبي هريرة ، ويحتمل كذلك الرجوع إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وفي كلتا الحالتين يكون الكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام- واردا وذلك رفض صريح لأمر الله الذي جاء في آيات كثيرة منها قوله تعالي " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب "( الحشر 7)

-   وقوله تعالى : " يا أيها الذين آمنو  أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "( النساء :59)

- وقوله تعالى " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما "  ( النساء : 65)

فالكفر بمن عهد إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم  - هو الكفر نفسه برسول  الله بلا تفريق في الحالين . والكفر برسول الله – صلى الله – وأوامره .. إنما هو كفر بالله – سبحانه وتعالي وأوامره .