تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 50

تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 50

مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها

[تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ " رَسائِلُ الْجاحِظِ "]

د. محمد جمال صقر

[email protected]

قالَ

قُلْتُ

لِلْحَقِّ دَرَجاتٌ ، وَلِلْخِلافِ دَرَجاتٌ ، وَلِلْحَرامِ دَرَجاتٌ ؛ أَلا تَرى أَنَّ لِوَليِّ الْمَقْتولِ أَنْ يَقْتُلَ وَيَصْفَحَ ، وَأَنَّه إِنْ قَتَلَ قَتَلَ بِحَقٍّ ، وَإِنْ صَفَحَ صَفَحَ بِحَقٍّ ، وَالصَّفْحُ أَفْضَلُ !

ومن رأي أبي الأشبال أحمد محمد شاكر - رحمه الله ! - أن إهمال إشراك أولياء المقتول في معاملة القاتل وانفراد السلطان بها ، وراء فتنة الثأر المستطيرة !

مَنْ تَفَرَّدَ بِكِتابٍ فَقَرَأَه لَيْسَ كَمَنْ نازَعَ صاحِبَه وَجاثاهُ ( لقي صاحب الكتاب ) ، لِأَنَّ الْإِنْسانَ لا يُباهي بِنَفْسِه ، وَالْحَقُّ بَعْدُ قاهِرٌ لَه . وَمَعَ التَّلاقي يَحْدُثُ التَّباهي ، وَفِي الْمَحافِلِ يَقِلُّ الْخُضوعُ وَيَشْتَدُّ النُّزوعُ .

كان الناس إذا سمعوا في محفل واحد شَوْقيًّا وحافِظًا الشاعرين ، انبهروا بحافظ - وإذا قرؤوا في جريدة واحدة قصيدتيهما أنفسهما ، انبهروا بشوقي !

ولقد زاد من فتنة ذلك الأمر ، إفراط اصطناع الحيل الإعلامية ، حتى لم يعد الحق كافيا في الإقناع ، إن لم يحمه إعلام قوي !

ثم إن من أصحاب الكتب المهمة من ينبغي أن يُمْنَعَ الناسُ لقاءهم ، لكيلا يُعْرِضوا عن كتبهم استثقالا لهم ، فيخسروا الانتفاع بها !

أَكْثَرُ النّاسِ سَماعًا أَكْثَرُهُمْ خَواطِرَ ، وَأَكْثَرُهُمْ خَواطِرَ أَكْثَرُهُمْ تَفَكُّرًا ، وَأَكْثَرُهُمْ تَفَكُّرًا أَكْثَرُهُمْ عِلْمًا ، وَأَكْثَرُهُمْ عِلْمًا أَرْجَحُهُمْ عَمَلًا - كَما أَنَّ أَكْثَرَ الْبُصَراءِ رُؤْيَةً لِلْأَعاجيبِ أَكْثَرُهُمْ تَجارِبَ ؛ وَلِذلِكَ صارَ الْبَصيرُ أَكْثَرَ خَواطِرَ مِنَ الْأَعْمى ، وَصارَ السَّميعُ الْبَصيرُ أَكْثَرَ خَواطِرَ مِنَ الْبَصيرِ ! وَعَلى قَدْرِ شِدَّةِ الْحاجَةِ تَكونُ الْحَرَكَةُ ، وَعَلى قَدْرِ ضَعْفِ الْحاجَةِ يَكونُ السُّكونُ - كَما أَنَّ الرّاجِيَ وَالْخائِفَ دائِبانِ ، وَالْآيِسَ وَالْآمِنَ وادِعانِ !

ينبغي أن يُحْمَل استحسان أبي عثمان ما استحسن هنا ، على توفيق أصحابه به إلى إنجاز أعمالهم على وجوه حسنة متزايدة الحُسْن - لا على ضلالهم عن العمل إلى صَعْلَكة الأوهام المريضة !

في هذا ( اتفاق رغبات الناس ) ذَهابُ الْعَيْشِ وَبُطْلانُ الْمَصْلَحَةِ وَالْبَوارُ وَالتَّواءُ ( الهلاك ) .

إيثاره التواء على التوى ، كإيثاره الخطاء على الخطأ . وقد وجدته يراعي الموازنة بينها وبين ما قبلها أو بعدها ، كما بين " بَوار " هنا وبين " تَواء " = فعال .

لَوْلا أَنَّ اللّهَ - تَعالى ! - أَرادَ أَنْ يَجْعَلَ الِاخْتِلافَ سَبَبًا لِلِاتِّفاقِ وَالِائْتِلافِ ، لَما جَعَلَ واحِدًا قَصيرًا وَالْآخَرَ طَويلًا ، وَواحِدًا حَسَنًا وَآخَرَ قَبيحًا ، وَواحِدًا غَنيًّا وَآخَرَ فَقيرًا ، وَواحِدًا عاقِلًا وَآخَرَ مَجْنونًا ، وَواحِدًا ذَكيًّا وَآخَرَ غَبيًّا . وَلكِنْ خالَفَ بَيْنَهُمْ لِيَخْتَبِرَهُمْ ، وَبِالِاخْتِبارِ يُطيعونَ ، وَبِالطّاعَةِ يَسْعَدونَ ؛ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ لِيَجْمَعَهُمْ ، وَأَحَبَّ أَنْ يَجْمَعَهُمْ عَلَى الطّاعَةِ لِيَجْمَعَهُمْ عَلَى الْمَثوبَةِ ؛ فَسُبْحانَه وَتَعالى ! ما أَحْسَنَ ما أَبْلى وَأَوْلى ، وَأَحْكَمَ ما صَنَعَ ، وَأَتْقَنَ ما دَبَّرَ ! لِأَنَّ النّاسَ لَوْ رَغِبوا كُلُّهُمْ عَنْ عارِ الْحِياكَةِ لَبَقينا عُراةً ، وَلَوْ رَغِبوا بِأَجْمَعِهِمْ عَنْ كَدِّ الْبِناءِ لَبَقينا بِالْعَراءِ ، وَلَوْ رَغِبوا عَنِ الْفِلاحَةِ لَذَهَبَتِ الْأَقْواتُ وَلَبَطَلَ أَصْلُ الْمَعاشِ ؛ فَسَخَّرَهُمْ عَلى غَيْرِ إِكْراهٍ ، وَرَغَّبَهُمْ مِنْ غَيْرِ دُعاءٍ ! وَلَوْلَا اخْتِلافُ طَبائِعِ النّاسِ وَعِلَلُهُمْ لَمَا اخْتاروا مِنَ الْأَشْياءِ إِلّا أَحْسَنَها وَمِنَ الْبِلادِ إِلّا أَعْدَلَها وَمِنَ الْأَمْصارِ إِلّا أَوْسَطَها . وَلَوْ كانوا كَذلِكَ لَتَناجَزوا عَلى طَلَبِ الْأَواسِطِ ، وَتَشاجَروا عَلَى الْبِلادِ الْعُلْيا ، وَلَما وَسِعَهُمْ بَلَدٌ ، وَلَما تَمَّ بَيْنَهُمْ صُلْحٌ ؛ فَقَدْ صارَ بِهِمُ التَّسْخيرُ إِلى غايَةِ الْقَناعَةِ !

لكن شياطين الإنس من الصهاينة ومن شايعهم ، بارزوا الحق - سبحانه ، وتعالى ! - بعكس سُنَنِه ، فجعلوا همهم وسدمهم أن يُحَوِّلوا الناس عما يلائم طبائعهم ليظلوا عبيدا لهم ، فنظر بعضهم إلى بعض ، واستحسن كل منهم ما لا يملك ولا يلائمه ، فـ" ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ " !

لَيْسَ عَلى ظَهْرِها إِنْسانٌ إِلّا وَهُوَ مُعْجَبٌ بِعَقْلِه ، لا يَسُرُّه أَنَّ لَه بِجَميعِ ما لَه ما لِغَيْرِه , وَلَوْلا ذلِكَ لَماتوا كَمَدًا ، وَلَذابوا حَسَدًا ، وَلكِنَّ كُلَّ إِنْسانٍ - وَإِنْ كانَ يَرى أَنَّه حاسِدٌ في شَيْءٍ - فَهُوَ يَرى أَنَّه مَحْسودٌ في شَيْءٍ !

وإنما يُداهن بعضُنا بعضًا وهو مشتمل على عقيدة أنه أفضل منه !

أَنْتَ إِذا رَأَيْتَ أَلْوانَهُمْ وَشَمائِلَهُمْ وَاخْتِلافَ صُوَرِهِمْ ، وَسَمِعْتَ لُغاتِهِمْ وَنَغَمَهُمْ - عَلِمْتَ أَنَّ طَبائِعَهُمْ وَعِلَلَهُمُ الْمَحْجوبَةَ الْباطِنَةَ عَلى حَسَبِ أُمورِهِمُ الظّاهِرَةِ .

أما تترك لنا كلمة نقولها !

سبجان الله !

ولقد ينبغي أن يتأمل بالظاهر الباطن ، على طريقة قول صاحبنا :

" الْعَيْنُ تُبْدِي الْحُبَّ وَالْبُغْضا وَتُظْهِرُ الْإِبْرامَ وَالنَّقْضا " !

إِنَّ النّاسَ مُوَكَّلونَ بِحِكايَةِ كُلِّ عَجيبٍ ، وَمُيَسَّرونَ لِلْإِخْبارِ عَنْ كُلِّ عَظيمٍ ، وَلَيْسوا لِلْحَسَنِ أَحْكى مِنْهُمْ لِلْقَبيحِ ، وَلا لِما يَنْفَعُ أَحْكى مِنْهُمْ لِما يَضُرُّ ، وَعَلى قَدْرِ كِبَرِ الشَّيْءِ تَكونُ حِكايَتُهُمْ لَه وَاسْتِماعُهُمْ ! أَلا تَرى أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْخُلَفاءِ لَوْ ضَرَبَ عُنُقَ رَجُلٍ مِنَ الْعُظَماءِ لَما أَمْسى وَفي عَسْكَرِه وَبَلْدَتِه جاهِلٌ وَلا عالِمٌ إِلّا وَقَدِ اسْتَقَرَّ ذلِكَ عِنْدَه وَثَبَتَ في قَلْبِه ، لِأَنَّ النّاسَ بَيْنَ حاسِدٍ فَهُوَ يَحْكي ذلِكَ الَّذي دَخَلَ عَلَيْهِ مِنَ الثُّكْلِ وَقِلَّةِ الْعَدَدِ ، وَبَيْنَ واجِدٍ يُعَجِّبُ النّاسَ ، وَبَيْنَ واعِظٍ مُعْتَبِرٍ ، وَبَيْنَ قَوْمٍ شَأْنُهُمُ الْأَراجيفُ بِالْفاسِدِ وَالصّالِحِ ! وَلَوْ كانَ ضَرْبُ عُنُقِه في يَوْمِ عيدٍ أَوْ حَلْبَةٍ ( سباق خيل ) أَوِ اسْتِمْطارٍ أَوْ مَوْسِمٍ ، لَكانَ أَشَدَّ لِاسْتِفاضَتِه ، وَأَسْرَعَ لِظُهورِه !

عفا الله عنك - أبا عثمان ! - بما أججت من نار كانت طافئة !

لقد كان فينا بعدك مثلُ ذلك ، ولكن كان الأمر فيه لأعدائنا ، فمكنوا بعضنا من بعض : تركوا لطائفة من العراقيين أن يقتلوا أن يقتلوا عشية عيد الأضحى أو غداته ، صدام حسين رئيس العراق المدعي في طائفة أخرى ، فطارت الفتنة في الآفاق ، واستبشع العملَ سائرُ الناس !

إِذا كانَ شَأْنُ النّاسِ الْإِخْبارَ عَنْ كُلِّ عَجيبٍ وَحِكايَةَ كُلِّ عَظيمٍ وَالْإِطْرافَ بِكُلِّ طَريفٍ وَإيرادَ كُلِّ غَريبٍ مِنْ أُمورِ دُنْياهُمْ ، فَما لا يَمْتَنِعُ في طَبائِعِهِمْ وَلا يَخْرُجُ مِنْ قُوَى الْخَليقَةِ فِي الْبَطْشِ وَالْحيلَةِ ، أَحَقُّ بِالْإِخْبارِ وَالْإِذاعَةِ وَبِالْإِظْهارِ وَالْإِفاضَةِ . هذا عَلى أَنْ يُتْرَكَ الطِّباعُ ( الطبع ) وَما يولَدُ عَلَيْهِ وَالنُّفوسُ وَما تُنْتَجُ وَالْعِلَلُ وَما يُسَخَّرُ - هكذا ، وكأن صوابها " تُسَخَّرُ " - فَكَيْفَ إِنْ كانَ اللّهُ - عَزَّ ، وَجَلَّ ! - قَدْ خَصَّ أَعْلامَ أَنْبِيائِه وَآياتِ رُسُلِه - عَلَيْهِمُ السَّلامُ ! - مِنْ تَهْييجِ النّاسِ عَلَى الْإِخْبارِ عَنْها ، وَمِنْ تَسْخيرِ الْأَسْماعِ لِحِفْظِها ، بِخاصَّةٍ لَمْ يَجْعَلْها لِغَيْرِها !

ثَمَّ عَكْسٌ للمراد يحتاج إلى تصحيح لا أجترئ عليه !

إِنْ قالوا : وَما عِلْمُنا أَنَّ مُحَمَّدًا - عَلَيْهِ السَّلامُ ! - لَمْ يَكُنْ مُنَجِّمًا ؟ قُلْنا : إِنَّ عِلْمَنا بِذلِكَ كَعِلْمِنا بِأَنَّ الْعَبّاسَ وَحَمْزَةَ وَعَليًّا وَأَبا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رِضْوانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعينَ ! - لَمْ يَكونوا مُنَجِّمينَ وَلا أَطِبّاءَ مُتَكَهِّنينَ . وَكَيْفَ يَجوزُ أَنْ يَصيرَ إِنْسانٌ عالِمًا بِالنُّجومِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْتَلِفَ إِلَى الْمُنَجِّمينَ أَوْ يَخْتَلِفوا إِلَيْهِ أَوْ يَكونَ عِلْمُ النُّجومِ فاشِيًا في أَهْلِ بِلادِه أَوْ يَكونَ في أَهْلِه واحِدٌ مَعْروفٌ بِه ! وَلَوْ بَلَغَ إِنْسانٌ في عِلْمِ النُّجومِ وَلَيْسَتْ مَعَه عِلَّةٌ مِنْ هذِهِ الْعِلَلِ وَكانَ ذلِكَ يَخْفى ، لَكانَ ذلِكَ كَبَعْضِ الْآياتِ وَالْعَلاماتِ !

من فوائد هذا الكلام أن يدعي عالم أن لم يكن له أستاذ ؛ فهذا متنبئ فاستتيبوه !

ولكن أين سيدنا عثمان - رضي الله عنه ! - في الجماعة ؟

لا غرو ؛ فإنما تضع كتبك للعباسيين ! وإنما مَوَّهْتَ علينا بِذِكْرِ حمزة أسد الله ورسوله ، رضي الله عنه !

قَدْ كانَ الرَّجُلُ مِنَ الْعَرَبِ يَقِفُ الْمَواقِفَ وَيُسَيِّرُ عِدَّةَ أَمْثالٍ كُلُّ واحِدٍ مِنْها رُكْنٌ يُبْنى عَلَيْهِ وَأَصْلٌ يُتَفَرَّعُ مِنْهُ .

يشير إلى اشتمال النص الواحد في الموقف ( المَوْرِد ) الواحد ، على أمثال كثيرة تتكامل على استقلال كل واحد منها بمعنى يختصر في نفسه الخبرة الطويلة والتجربة العميقة .

قَدْ هَجَوْهُ مِنْ كُلِّ جانِبٍ ، وَهاجى أَصْحابُه شُعَراءَهُمْ ، وَنازَعوا خُطَباءَهُمْ ، وَحاجُّوهُ فِي الْمَواقِفِ ، وَخاصَموهُ فِي الْمَواسِمِ ، وَبادَوْهُ الْعَداوَةَ ، وَناصَبوهُ الْحَرْبَ ؛ فَقَتَلَ مِنْهُمْ ، وَقَتَلوا مِنْهُ ، وَهُمْ أَثْبَتُ النّاسِ حِقْدًا ، وَأَبْعَدُهُمْ مَطْلَبًا ، وَأَذْكَرُهُمْ لِخَيْرٍ أَوْ لِشَرٍّ ، وَأَنْفاهُمْ لَه ، وَأَهْجاهُمْ بِالْعَجْزِ ، وَأَمْدَحُهُمْ بِالْقوَّةِ - ثُمَّ لا يُعارِضُه مُعارِضٌ ، وَلَمْ يَتَكَلَّفْ ذلِكَ خَطيبٌ وَلا شاعِرٌ ! وَمُحالٌ فِي التَّعارُفِ وَمُسْتَنْكَرٌ فِي التَّصادُقِ أَنْ يَكونَ الْكَلامُ أَخْصَرَ عِنْدَهُمْ وَأَيْسَرَ مَئونَةً عَلَيْهِمْ وَهُوَ أَبْلَغُ في تَكْذيبِهِمْ وَأَنْقَضُ لِقَوْلِه وَأَجْدَرُ أَنْ يَعْرِفَ ذلِكَ أَصْحابُه ، فَيَجْتَمِعوا عَلى تَرْكِ اسْتِعْمالِه وَالِاسْتِغْناءِ بِه وَهُمْ يَبْذُلونَ مُهَجَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَيَخْرُجونَ مِنْ دِيارِهِمْ فِي إِطْفاءِ أَمْرِه وَفي تَوْهينِ ما جاءَ بِه ، وَلا يَقولونَ ، بَلْ لا يَقولُ واحِدٌ مِنْ جَماعَتِهِمْ : لِمَ تَقْتُلونَ أَنْفُسَكُمْ ، وَتَسْتَهْلِكونَ أَمْوالَكُمْ ، وَتَخْرُجونَ مِنْ دِيارِكِمْ ، وَالْحيلَةُ في أَمْرِه يَسيرَةٌ ، وَالْمَأْخَذُ في أَمْرِه قَريبٌ ؛ لِيُؤَلِّفْ واحِدٌ مِنْ شُعَرائِكُمْ وَخُطَبائِكُمْ كَلامًا في نَظْمِ كَلامِه ، كَأَقْصَرِ سورَةٍ يُخَذِّلُكُمْ بِها ، وَكَأَصْغَرِ آيَةٍ دَعاكُمْ إِلى مُعارَضَتِها ! بَلْ لَوْ نَسوا ما تَرَكَهُمْ ، حَتّى يُذَكِّرَهُمْ ، وَلَوْ تَغافَلوا ما تَرَكَ أَنْ يُنَبِّهَهُمْ ، بَلْ لَمْ يَرْضَ بِالتَّنْبيهِ دونَ التَّوْقيفِ .

لم يدعهم إلا إلى القرآن كله ثم بعض السور ثم السورة ، لا إلى الآية ؛ إذ هي لا يقوم لها من البنيان ما يقوم للسورة ؛ ولهذا استحسن بعض علمائنا أن تؤم الصلاة بالسورة الكاملة قصيرة أو طويلة ، حتى يعيش الإمام والمصلون في رحاب بنيان قرآني كامل .