الكتابة الإبداعية و متخيل التلاميذ
الكتابة الإبداعية و متخيل التلاميذ
د. عزيز القاديلي
كيف يمكن أن تتحول المدرسة إلى فضاء لتنمية الفاعلية الإبداعية للتلميذ/الإنسان؟ كيف يمكن للقسم أن يعيد تشكيل ذاته و صورته و ذلك بالانتقال من فضاء لتكريس الاجترار و التكرار إلى فضاء للتغيير و التغير؟ إنها إحدى الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا كأساتذة و مسؤولين و ربما كتلاميذ، و هي أسئلة تعكس هواجس تقلق كل من يهتم بالعملية التعليمية التعلمية،
و يطمح أن تكون هذه العملية في أرقى صورتها و أحسنها، فأمام هذا التردي في المستوى الدراسي الراجع أساسا إلى عوامل متداخلة و متشابكة تحاصر عالم المدرسة و تضع الحياة المدرسية كما هي قائمة حاليا موضع سؤال و تساؤل، أمام هذا الوضع من المفروض أن نتجند للتفكير في محاولة تجديد الوسائل و الطرق التي تنهجها المدرسة في العملية التعليمية حتى تتمكن هذه المدرسة من استرجاع ما افتقدته من مكانة و معنى في نظر التلاميذ و أوليائهم.
ضمن هذا الإطار من الفهم يجيء كتاب الأستاذ و الباحث و الشاعر أحمد العمراوي حول
" الكتابة الإبداعية و المتخيل الشعري للتلاميذ"[1]. و هو كتاب يتكون من مقدمة، يليها ثمانية فصول على الشكل التالي:
- أولا: المنطلقات
- ثانيا: المحترفات الكتابية: نماذج و تطبيقات
- ثالثا: فهمت أن...تأويل نصوص
- رابعا: أتمم ما بدأت...تتمة قصة
- خامسا: في يوم من الأيام: كتابة قصة
- سادسا: بخط اليد
- سابعا: يقول الشاعر: كتابة قصيدة
- ثامنا شهادات
ينطلق هذا الكتاب من تجارب ملموسة و حية حول كيفية إيقاظ الرغبة في الإبداع لدى التلاميذ، و تنشيط مخيلته بل و إيقاظ المبدع النائم في كل واحد فينا.
لقد حاول الأستاذ أحمد العمراوي في هذا الكتاب توثيق تجربة غاية في الأهمية حاول من خلالها تنشيط العملية التعليمية و تمكين التلميذ من أن يكتشف في ذاته مواهبه الإبداعية الغافية. و قد انطلق لتحقيق هذه الغاية من تصور معين للممارسة اللغوية داخل القسم، فضدا على تصور للغة قائم في ذهن التلاميذ على أنها عالم يتميز بالجمود و التعقد، يقدم الباحث تصورا مغايرا من خلال ممارسته الفصلية يقوم على أن اللغة نشاط فردي مطبوع بالتلقائية و الذاتية و الإبداعية، و من خلال الاعتماد على تصور بيداغوجي متمركز حول المتعلم يعمد الباحث إلى استثمار البعد الذاتي و التلقائي للغة و ربطه بالحياة أي بكل ما تتضمنه هذه اللفظة من معنى، باعتبار أن الحياة هي النبض الذي يجعل التلميذ يتمثل ذاته ككائن حي،
و يستطيع ملامسة الأشياء من حوله باعتبارها قريبة منه و ترتبط بذاته، حتى النصوص التي يتم اختيارها عليها أن تكون نصوصا لمؤلفين يعاصروننا خصوصا الأدباء المغاربة( أحمد بوزفور، محمد بنيس، محمد بنطلحة.....) و يقترب معجمهم من معجم حياتنا و نشترك
و إياهم في العديد من العناصر التي تقربنا منهم و من لغتهم وخيالهم.
و لتفجير الطاقة الإبداعية لدى التلاميذ اعتمد الباحث تقنية المحترفات الكتابية محددا لها مجموعة من الأهداف اللسانية و التربوية و التعبيرية، منطلقا من منهجية تجد إطارها المرجعي و النظري في نظرية التلقي و ما يرتبط بها من مفاهيم مثل مفهوم فعل القراءة.
لقد مكن هذا الإطار النظري الباحث من الدفع بالتلميذ إلى ممارسة فعل القراءة و ما يرتبط به من بعد تأويلي يفجر الطاقة الذاتية و الشخصية لديه و يلبي حاجياته النفسية و الآنية إلى التواصل مع ذاته و العالم. إن هذه الوضعية التواصلية تحول التلميذ من كائن يتعامل بشكل سلبي مع العلامات اللغوية إلى كائن فاعل و إيجابي ينتج نصوصا و علامات لغوية أخرى.
و تتبنى هذه العملية مجموعة من الاستراتيجيات، مثل فصل النسخ عن التعبير، تعليم اللغة كمهارة لا كقواعد، احترام منطق القراءة لدى التلميذ، الوثوق بالتعلم التلقائي، و يضيف الكاتب إلى هذه الاستراتيجيات عناصر أخرى وقف عليها مثل: اعتبار التلميذ كاتبا صغيرا، الانطلاق من وضعية تعلمية، اعتماد نصوص معينة، عقد لقاءات مباشرة مع كتاب، ثم الكتابة اليومية.
تلك بعض القضايا التي يحفل بها كتاب" الكتابة الإبداعية و المتخيل الشعري للتلاميذ" و هو كتاب يمكن اعتباره دليلا للورشات و المحترفات الكتابية، إنه نتاج خبرة فصلية راكمها الأستاذ الشاعر أحمد العمراوي، و عمل على تجميعها و توثيقها بل و خلق نوع من الأرشيف حول هذا النوع من الممارسة حتى تشكل أرضية و منطلقا لتطوير مثل هذه العملية، و كم نحن في أمس الحاجة إليها حتى نسترشد بمعالمها، و نعمل على تغيير طرائقنا التعليمية، من خلال بعث الحياة داخل أوصال العملية التدريسية و خلق نوع من المصالحة بيننا و بين تلاميذنا و تلميذاتنا.
[1] أحمد العمراوي. الكتابة الإبداعية و المتخيل الشعري للتلاميذ.مطبعة الأمنية- الرباط 2008.